بعد خلافات مستمرة وضغط شعبي لأكثر من عامين ونصف العام، أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، عملية عسكرية واسعة النطاق، ضد "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، التي تحكم الإقليم الواقع أقصى شمالي البلاد.
وقال مسؤولون إثيوبيون، إن "الجبهة تجاوزت خطاً أحمر يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، عندما شنت هجوماً على القيادة الشمالية للجيش الإثيوبي"، ووصف آبي أحمد، الهجوم، حينئذ، بأنه "خيانة"، و"تعهَّد بأنه لن يُنسى أبداً".
وتعيش منطقة تيغراي، التي تسكنها عرقيات تيجرايان وإيروب وكوناما، خلافات مع الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا منذ عام 2019. لكن التوترات تصاعدت أكثر، عندما تحدَّت سلطات تيغراي الحكومة الفيدرالية، وأجرت انتخابات إقليمية في سبتمبر/أيلول الماضي، اعتبرتها الحكومة "غير قانونية"؛ في ظل قرار فيدرالي قضى بتأجيل الانتخابات بسبب جائحة كورونا.
مذابح للمدنيين
منذ 4 نوفمبر الجاري، اندلعت المواجهات بين الجيش الفيدرالي وقوات الجبهة، بتكلفة إنسانية باهظة، من ضمنها مذبحة للمدنيين في ماي كادرا، غربي تيغراي، قرب الحدود مع السودان.
ووفق رئيس القيادة الغربية للجيش الإثيوبي، أسرات دي نيرو: "اقتحم مسلحون تابعون للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، مقر القيادة الشمالية، وقتلوا الجنود بلا رحمة أثناء نومهم ليلاً".
وأضاف دي نيرو، في تصريحات صحفية: "في اليوم نفسه، تعرضت فرق الجيش التي تنتشر على طول 700 كيلومتر على الحدود مع إريتريا، من حميرا إلى زالامبيسا، لهجوم شنته القوات الخاصة التابعة للجبهة".
صراع النفوذ والعرقيات
ومنذ وصول آبي أحمد إلى السلطة في 2018، بعد ثلاث سنوات من الضجة العامة المستمرة والاحتجاجات المناهضة للحكومة، يعتقد المراقبون أنه كان يحاول كبح هيمنة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في المنطقة.
وهيمنت "الجبهة الشعبية" على الحياة السياسية في إثيوبيا لنحو 3 عقود، قبل أن يصل آبي أحمد إلى السلطة، ليصبح أول رئيس وزراء من عرقية "أورومو".
و"أورومو" هي أكبر عرقية في إثيوبيا بنسبة 34.9% من السكان، البالغ عددهم نحو 108 ملايين نسمة، فيما تعد "تيغراي" ثالث أكبر عرقية بــ7.3%.
احتمالات التصعيد
كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية "آي جي جي" (مقرها بروكسل)، وليام دافيسون، يرى أن "الوضع (في إثيوبيا) من المحتمل أن يتصاعد إلى مستوى خطير".
ويوضح دافيسون، لـ"الأناضول": "قد نبحث ما إذا كانت الحرب الدائرة أهلية أم لا، لكن رغم أن الحكومة الفيدرالية تتمتع بمزايا وتطالب بالشرعية الوحيدة وتواجه كياناً آخر مسلحاً جيداً لديه القدرة على مواجهتها، فالأمر يمكن أن ينزلق ليصبح أكثر خطورة".
وبينما تخشى وسائل الإعلام الدولية من أن يخرج الوضع عن السيطرة، شددت الحكومة الإثيوبية على أنها تقوم بعملية "محدودة لتطبيق القانون"، ضد "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، التي تصنفها إثيوبيا تحت فئة "مجرمين".
وقالت أديس أبابا، إن "أهدافها من العملية العسكرية هي استعادة أو تدمير الأسلحة الفتاكة، مثل الصواريخ بعيدة المدى، التي تمتلكها حالياً الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي". كما تسعى أديس أبابا إلى "تقديم الجبهة إلى العدالة والتأكد من أن منطقة تيغراي آمنة"، وفق تصريحات صحفية لمسؤولين إثيوبيين.
تداعيات إقليمية
واعتبر مسؤولون إثيوبيون، أن قوات "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" أظهرت الأسبوع الماضي، قدرتها على إطلاق صواريخ صوب مدن ولاية أمهرا المجاورة في بحر دار وجوندار، كما أطلقوا صاروخاً استهدف مطاراً في العاصمة الإريترية أسمرة.
يأتي هذا، رغم أن زعيم إقليم تيغراي، ديبريتسيون جبريمايكل، شدد في حوار هذا الأسبوع، مع وكالة "أسوشييتد برس"، على أن "الجبهة لم تقصف سوى مدينة واحدة وهي أسمرة".
وفي هذا الشأن، يقول دافيسون: "قد تكون للنزاع تداعيات إقليمية مباشرة إذا تدخلت إريتريا، ورغم أن السودان أغلق حدوده بالفعل، فإنه يتأثر بتدفق اللاجئين، وقد ينزلق أكثر في الأزمة".
وفي 11 نوفمبر الجاري، نفت إثيوبيا صحة ما أعلنته جبهة تيغراي من أن إريتريا أرسلت قوات عبر الحدود، لدعم عمليات الجيش الإثيوبي في إقليم تيغراي.
وأجرى مبعوث الرئيس الإريتري، يماني قبراب، ووزير الخارجية السوداني عثمان صالح، الأسبوع الماضي، مشاورات لاتخاذ موقف موحد بشأن الصراع في إثيوبيا.
ويضيف دافيسون: "في حين أن الحكومة الفيدرالية ملتزمة بتقديم قادة جبهة تحرير تيغراي إلى العدالة؛ لمهاجمتهم القيادة الشمالية للجيش، إلا أن استمرار الحوار لا يزال ضرورياً، لأن البديل قد يكون ضاراً للغاية".
ويتفق معه أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الولايات المتحدة الدولية بالعاصمة الكينية نيروبي، أليكسي يلونين، فيقول: "أخشى أن يؤدي استمرار العملية العسكرية إلى احتمال توسع الصراع إلى مناطق أخرى".
ويضيف يلونين، لـ"الأناضول": "إذا انتشر الصراع، فهناك احتمال لمزيد من عدم الاستقرار، على الأقل في المناطق الحدودية غير المستقرة بالفعل في جنوب السودان وكينيا".
وفي هذه الحالة، "قد تسعى بعض القوى الخارجية، مثل مصر، إلى إيجاد طرق لمزيد من زعزعة استقرار الحكومة الإثيوبية"، وفق يلونين. لكنه يستدرك: "هذا السيناريو ليس مرجحاً، لأن مصلحة معظم اللاعبين الدوليين في المنطقة، هي الاستفادة من العمل مع الحكومة الإثيوبية".
"استراتيجية آبي أحمد الكبيرة"
ووفقاً ليلونين: "كان آبي أحمد يرغب لفترة طويلة في إضعاف قبضة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، بشكل كبير، فخلال الأيام الأولى من العملية العسكرية كان القتال مكثفاً وأدى إلى سقوط العديد من الضحايا".
ويتابع: "بينما أكدت الحكومة الإثيوبية أن عمليتها العسكرية هي حملة قصيرة لإخضاع القيادة الحالية لجبهة تحرير تيغراي، هناك مخاوف من أن تستمر المواجهة وتتوسع لتشمل مناطق أخرى في إثيوبيا".
وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تعهد رئيس الوزراء الإثيوبي بعملية عسكرية "نهائية وحاسمة" في الأيام المقبلة، ضد "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".
ويشير يلونين إلى أنَّ تصاعد الصراع واستمراره قد يؤديان إلى "احتمالية أن تكثف الجماعات المسلحة الأخرى، مثل جبهة تحرير أورومو، أنشطتها ضد الحكومة الفيدرالية".
ويستطرد: "لدى الحكومة الإثيوبية فرصة لتوجيه ضربة قاضية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وأعتقد أن هذا جزء من استراتيجية أكبر لآبي أحمد". ويوضح أن "إضعاف الجبهة بشكل كبير، حتى لو لم يتم القضاء عليها، يستلزم تعاوناً أوثق مع الحكومة الإريترية، وتعزيز المشاريع المشتركة عبر الحدود التي أعاقتها الجبهة".