كان السيناتور الجمهوري كيفن كريمر قد اتصل بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، للإعراب عن دعمه لمساعي ترامب للطعن في نتائج الانتخابات، لكن الأخير أسرّ إليه بتصريح غير رسمي جاء كصكّةٍ على وجه السيناتور الجمهوري عن ولاية داكوتا الشمالية. إذ قال ترامب: "إذا لم تنجح المساعي الحالية فسأترشح مرة أخرى في غضون أربع سنوات".
لم يملك كريمر سوى أن يُصدر ضحكة مكتومة حيال الرئيس الذي يفكر في السباق الرئاسي القادم فيما هو لا يزال في منصبه، لكن فيما يتعلق بتشكيلة المرشحين الجمهوريين، الذين يتطلعون إلى حمل لواء الحزب الجمهوري بعد ترامب، فإن إشارة الرئيس لم تكن شيئاً يبعث الضحك على الإطلاق، كما تقول مجلة Politico الأمريكية.
قوة ترامب المهيمنة على الحزب الجمهوري
ففي حين كان من المفترض أن تؤدي خسارة ترامب إلى إعادة ضبط الأوضاع داخل الحزب الجمهوري، فإن تلميح الرئيس إلى الترشح لانتخابات 2024 تعني أنه سيظل القوة المهيمنة في الحزب، ويُلقي بظلال حاجبة على أي شخص يتطلع لخلافته، بل حتى مجرد إمكانية ترشح ترامب مرة أخرى ستحول دون محاولة جمهوريين آخرين لإرساء أسس لحملاتهم وتقديم أنفسهم، خشيةَ أن يُغضبوا ترامب وعشرات الملايين من أنصاره، لاسيما أن كثيرين منهم مقتنعون حقاً بأن الانتخابات قد سُرقت من رئيسهم.
من جهة أخرى، فإن أولئك الذين عملوا مع ترامب –وعلى رأسهم نائب الرئيس مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، وسفيرة الأمم المتحدة نيكي هايلي- ربما يكونون في الموضع الأصعب على الإطلاق، إذ سيتعين على كل منهم المناورة للحفاظ على مكانته لدى الرئيس، الذي سيصبح قريباً الرئيس السابق، بعد أن أمضوا السنوات الأربع الماضية في تحالف معه.
ومع ذلك، فإن بعض المحللين يذهبون إلى أن الثلاثة سيستفيدون من أي نجاح للرئيس في تجميد الساحة السياسية الجمهورية إلى عام 2024. فقد استخدم بنس وبومبيو وهالي أدوارهم في الإدارة لإنشاء سجلات تعريف بأنفسهم على المستوى الوطني، وبناء شبكات مانحين، وتعميق روابطهم مع النشطاء المحافظين. كما أنه في حال ما إذا قرر ترامب في النهاية عدم الترشح فسيدخل هؤلاء السباقَ من البداية، مع أفضلية على الآخرين، الذين هم متأخرون عنهم من الناحية التنظيمية.
وها هو بنس الذي كان يحرص بدرجة كبيرة على عدم لفت الأنظار إليه منذ بداية الانتخابات، قد بدأ مؤخراً يعطي إشارات يرمي بها إلى تمييز نفسه: باعتباره مخلصاً لترامب، لكنه في الوقت نفسه يتجنب المناحي الأشد إثارة للانقسام في خطاب الرئيس. وخلال ظهور له في جلسة مغلقة، مساء الجمعة 13 نوفمبر/تشرين الثاني، أمام "مجلس السياسة الوطني" ذي التوجه اليميني المحافظ، تحدّث نائب الرئيس عن مساعي "الدفاع عن نزاهة التصويت" في القضايا التي جرى التقدم بها أمام المحاكم في أعقاب الانتخابات، دون التطرق إلى نظريات المؤامرة التي فُضح زيفها، ومع ذلك يتبناها الفريق القانوني لترامب.
أزمة داخل الحزب الجمهوري
لكن على الجهة الأخرى، ولأي مرشح جمهوري محتمل، قد يكون بناء برنامج ترشيح سياسي وطني مهمةً شائكة، أو ربما أسوأ حتى من ذلك، إذا كان ترامب حاضراً في خريطة الترشح لانتخابات 2024. وقد يخشى الاستراتيجيون المخاطرةَ بالانضمام إلى حملة مرشح آخر، ومن ثم إدراجهم في القائمة السوداء خلال ولاية ترامب الثانية، لأنهم عملوا مع مرشح محتمل آخر. علاوة على مهمة أخرى لا تقل صعوبة، وهي المتعلقة بالتقرب إلى المانحين والحصول على دعمهم، فهؤلاء قد يترددون أيضاً خشية التورط في نزاع مع ترامب.
مؤيدةً لهذا الرأي تقول بوبي كيلبرغ، وهي سياسية جمهورية لها باع كبير في تأييد الحزب الجمهوري بولاية فرجينيا، لكنها أعربت عن رغبة كبيرة في تجاوز الحزب لمرحلة ترامب، "إن احتمال خوض الرئيس ترامب لانتخابات عام 2024 سيُلقي بظلاله على المرشحين المحتملين الآخرين ومحاولاتهم لجذب المانحين".
وأضافت: "إن ذلك يزعجني، لأن الحزب الجمهوري يمكن أن يكون لديه كثير من المرشحين الممتازين الذين لا ينبغي إبقاؤهم منتظرين لسنوات أخرى".
إن احتمال ترشح ترامب في المستقبل بدأ بالفعل يجبر الطامحين للترشح في عام 2024 على الرد، فقد قال المرشح الجمهوري السابق في عام 2016، ماركو روبيو، الأسبوع الماضي، إن ترامب "سيكون بالتأكيد المرشح الأوفر حظاً والأرجح أن يكون الفائز بترشيح الحزب" إذا أعلن الترشح.
أما أولئك الذين اشتبكوا سابقاً مع الرئيس وجاهروا بمعارضته، مثل السيناتور الجمهوري بن ساسي أو حاكم ولاية ماريلاند، لاري هوجان، إذ المتوقع ألا يردعهم ترشيح ترامب، وأن يستمروا في خوض مسارهم المناهض لترامب داخل الحزب. ففي خطاب ألقاه يوم الإثنين، 16 نوفمبر/تشرين الثاني، في "مؤسسة ومعهد رونالد ريغان الرئاسي"، وجّه هوجان توبيخاً مباشراً لتأييد الحزب الجمهوري لمسار ترامب، محذراً من أن "الخطاب المقسِّم والسياسات السامة (المحرضة على الانقسام والإيذاء وعدم المبالاة بالتقاليد والمعايير العامة) تنفّر قطاعات واسعة من سكان البلاد".
وأضاف هوجان: "بعض الجمهوريين يريدون ببساطة العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل عام 2016، في حين يريد آخرون الاستمرار في نفس الاتجاه كما لو كانت الانتخابات لم تحدث أبداً" ولم تحمل هزيمة ترامب.
ليست خدعة
من جانبه، أخبر ترامب مسؤولي البيت الأبيض أنه قد يعلن ترشحه لانتخابات عام 2024 بمجرد خروجه من سباق 2020. ومع ذلك، يشك بعض المستشارين في أنه جاد حيال الأمر، قائلين إن الأمر قد يكون خدعة لجمع الأموال لصندوقه القانوني أو الإبقاء على مكان له في الساحة.
لكن ترامب بدأ بالفعل في إدخال نفسه في الأعمال الحزبية والمشروعات الانتخابية المستقبلية للحزب الجمهوري، ما يشير إلى رغبته في الاستمرار مضطلعاً بدور له في تسيير الأمور والتحكم فيها داخل الحزب.
وفي هذا السياق، صدّق ترامب على استمرار رونا ماكدانييل في الخدمة لفترة أخرى رئيسة للجنة الوطنية للحزب الجمهوري، ما يعني أن ترامب قد ضمن فعلياً حليفة رئيسية له على رأس اللجنة خلال العامين المقبلين. وفي تغريدة نشرها يوم الإثنين، 16 نوفمبر/تشرين الثاني، حمل ترامب بشدة على حاكم ولاية أوهايو الجمهوري، مايك ديواين، الذي دعا جو بايدن بالرئيس المنتخب، ومن المقرر أن يتنافس على إعادة انتخابه في عام 2022.
إلى ذلك فقد لفت حاكم ولاية ويسكونسن السابق سكون ووكر إلى مؤشر آخر، قائلاً إن مدى مشاركة ترامب في انتخابات المناصب التنفيذية الأقل درجة في الحزب الجمهوري (down-ballot elections) سيكشف عن مستوى اهتمامه الحقيقي بالسعي لولاية رئاسية أخرى.
ومع ذلك، فقد أبدى عدد من كبار الجمهوريين انزعاجهم من تلويح ترامب بالعودة في انتخابات 2024، قائلين إن ذلك سيجعل من المستحيل على الحزب قلب صفحة ترامب، وسيعويق ظهور مرشحين آخرين. وأشاروا إلى أنه حتى وإن لم يكن جاداً، فقد بدأوا بالفعل في ملاحظة كيف حال ذلك دون الآخرين عن اتخاذ خطوات في انتظار تكشّف الأمور وسقوط التكهنات.
يقول تيري سوليفان، الذي كان مدير حملة المرشح الجمهوري روبيو لعام 2016: "أظن أن ترامب سيظل يلعب التأرجح والتوقعات هذه حتى اليوم الأخير من التقدم لانتخابات 2024. فهو ليس لديه اعتبار لمصلحة الحزب ومستقبله، ولم يكن لديه يوماً".
البعض يأمل في طيّ صفحة ترامب
من جانبه، يذهب آري فلايشر، الذي كان السكرتير الصحفي للبيت الأبيض في عهد جورج دبليو بوش، إلى أن "ترامب بالتأكيد سيظل القوة المهيمنة في الحزب سواء إذا ترشح أو لمّح إلى ترشحه في الانتخابات القادمة، ومع ذلك فإن السياسة لا تقف أبداً على حالها. والمرشحون الآخرون سيختبرون اتجاه الأمور في الفترة المقبلة، خاصة في دورة 2022، مع دعم مرشحي الكونغرس دون الإفصاح عن نياتهم فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية".
بيد أن بعض الجمهوريين يقولون إن أفضل أمل للطامحين إلى الترشح في انتخابات 2024 هو أن يضمحل ترامب تدريجياً، إما بإدراك الناخبين أنه بات رئيساً سابقاً مهزوماً، أو تحت وقع الأضرار التي تلحق به في المعارك القانونية المحتملة بعد خروجه من البيت الأبيض.
لكن آخرين يقولون إن هذا أمر غير مرجح، استناداً إلى أن ترامب، حتى وهو يغادر البيت الأبيض، لا يزال لديه قبضة حديدية وسيطرة كبيرة على حزبه، مع جحافل من الموالين الذين لم يبدوا أي بادرة للانفضاض عنه لمصلحة أحد آخر.
وبهذه الثقة، يقول النائب الجمهوري مات غايتز، وهو حليف قوي لترامب: "إذا كان دونالد ترامب يريد ترشيح نفسه عن الحزب الجمهوري في عام 2024، فإنه سيكون مرشح الحزب. قد يترك ذلك كثيراً من الطامعين العطشى إلى منصب الرئاسة في ظمأ. وأنا أقول لهم: "ابقوا عطشى يا أصدقائي"، لأنكم لن تبلغوا مرادكم.