شهدت العلاقات بين واشنطن وأنقرة صعوداً وهبوطاً خلال السنوات الأربع الماضية، ومع فوز جو بايدن بالرئاسة، تعتبر تلك العلاقات من البنود الهامة على أجندة إدارته، فما السيناريوهات المتوقعة لتلك العلاقة؟
أربع دول تمثل تحدياً أمنياً
الولايات المتحدة وتركيا دولتان تجمعهما علاقات استراتيجية وتحالف يعود لأكثر من سبعة عقود، فكلتاهما عضو في حلف الناتو، لكن منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض قبل أربع سنوات تعرضت تلك العلاقة لتحديات خطيرة وصلت إلى حد فرض واشنطن عقوبات على أنقرة بعد شراء تركيا منظومة الصواريخ الروسية إس-400.
لكن العلاقة بين البلدين أثبتت أنها أقوى وأعمق من التوترات التي شهدتها السنوات الأربع الماضية، بحسب محللين في واشنطن، وهذا ما أظهرته الأيام الأخيرة التي أظهرت فوز جو بايدن واستعداد إدارته لتسلم السلطة وإعادة ترتيب ملفات السياسة الخارجية الأمريكية بعد أن أربكتها رئاسة دونالد ترامب.
ورصد تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية بعنوان "إصلاح الخلافات مع تركيا" الأسباب التي تجعل إدارة بايدن أكثر ميلاً نحو إصلاح العلاقات مع أنقرة رغم التحديات التي تفرضها ملفات خلافية متنوعة تعكر صفو تلك العلاقة وأبرزها على الإطلاق قضية الإس-400.
التقرير ركز على التحديات الأمنية والعسكرية التي تواجهها الولايات المتحدة بشكل عام ورصد مصادرها المتمثلة في أربع دول وهي الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران، مؤكداً حتمية إقدام إدارة بايدن على استعادة العلاقات مع أنقرة لدفئها المعتاد للمساعدة في مواجهة التحديات من جانب روسيا وإيران، بدلاً من زيادة خطورة تلك التحديات على المصالح الأمريكية.
خلافات تركيا والولايات المتحدة
وبالتالي فإن السؤال المطروح الآن هو: هل بإمكان إدارة بايدن إصلاح العلاقات مع الحليف الاستراتيجي والجغرافي الأهم في حلف الناتو بعد أن تدهورت تلك العلاقات تدريجياً خلال إدارة ترامب؟ والإجابة تتوقف على قدرة الإدارة الجديدة على إعادة تلك العلاقات إلى مسارها التاريخي المعتاد، أي التفاوض وتبادل وجهات النظر، وليس الرغبة في فرض وجهة النظر الأمريكية طوال الوقت، كما أراد ترامب أن يفعل.
صحيح أن هناك خلافات بين البلدين الآن في ملفات مثل تعامل تركيا مع الأكراد في شمال سوريا وشراء أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية، وهو ما يجعل البعض في واشنطن يطالبون بفرض عقوبات على تركيا، لكن هذا المسار لا يصب في صالح واشنطن في نهاية المطاف، بحسب محللين تحدثوا للمجلة.
سيكون على جو بايدن أن يواجه الحقائق المتمثلة في كون الرئيس رجب طيب أردوغان يقود دولة مهمة في المنطقة ومن الطبيعي أن تكون هناك خلافات في وجهات النظر من وقت لآخر، والمثال الأبرز هنا هو قضية الإس-400، فبحسب كثير من المراقبين لجأت أنقرة لذلك الخيار بعد رفض حليفها الأمريكي تفهم وجهة النظر التركية في مسألة التصنيع العسكري.
وحتى الآن لم تقدم أنقرة على تشغيل النظام الصاروخي الروسي رغم تسلمه بالفعل قبل أكثر من عام، ويرى هؤلاء المحللون أن إدارة بايدن عليها أن تقدم لأنقرة حوافز كافية لعدم تشغيل النظام واستبداله بنظام صاروخي أمريكي أو غربي لا يتعارض مع النظم الدفاعية للناتو، إضافة إلى إعادة إشراك تركيا في برنامج تصنيع طائرات الإف-35.
نجاحات تركيا إقليمياً
وإذا كانت علاقة الرئيس التركي بنظيره الروسي فلاديمير بوتين تمثل قلقاً رئيسياً للبعض في واشنطن، فإن البديل لتلك العلاقة قد يكون حرباً بين موسكو وأنقرة تتورط فيها واشنطن بحكم العلاقة داخل حلف الناتو، وهو خيار أكثر سوءاً بالتأكيد لجميع الأطراف.
لكن حقيقة الأمور على الأرض هي أن لكل من تركيا وروسيا مصالح مختلفة أحياناً ومتناقضة في أحيان أخرى كما هو الحال في سوريا وليبيا وفي القوقاز حيث الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، وفي عام 2015 أسقطت تركيا طائرة روسية على حدودها مع سوريا، وهي المرة الأولى التي تسقط فيها دولة في حلف الناتو طائرة روسية خلال نصف قرن.
وبالتالي فإن العلاقات بين روسيا وتركيا على الرغم من توترها حالياً، كان يمكن أن تصبح أسوأ بكثير، وهو الأمر الذي لابد أن تضعه إدارة بايدن في حسبانها مع توليها مقاليد الأمور في البيت الأبيض.
وفي ملف القوقاز، يرى كثير من المراقبين أن الانتصار الذي حققته أذربيجان المدعومة من تركيا على أرمينيا المدعومة من روسيا والاتفاق على وجود قوات تركية بجانب القوات الروسية في إقليم ناجورنو قره باغ يمثل فرصة جيدة لواشنطن، وهو ما عبر عنه تقرير بعنوان "لابد لأمريكا أن تعيد تشكيل مستقبلها من خلال ناجورنو قره باغ" نشرته مجلة The National Interest.
التقرير رصد كيفية تقديم الصراع في ناجورنو قره باغ فرصة للإدارة الأمريكية الجديدة في واشنطن من أجل تقديم غصن زيتون لأنقرة بطريقة غير مباشرة من جهة، ومواجهة توسع النفوذ الروسي من ناحية أخرى، من حيث تأمين أذربيجان لخطوط النفط والغاز التي تمثل بديلاً استراتيجياً لخط الأنابيب الروسي إلى أوروبا، مما يقلل من اعتماد القارة العجوز على الدب الروسي.
كما أن معركة قره باغ وانتصار أذربيجان مثل انتكاسة لإيران في الوقت نفسه، حيث وجدت طهران نفسها غير قادرة على التورط لدعم أرمينيا رغم أن الصراع على حدود طهران وذلك لأسباب متنوعة أبرزها أن ربع سكان إيران ينتمون للعرقية الأذربيجانية، وهذا النصر الذي حققته أذربيجان يمثل ضغطاً على الجمهورية الإيرانية في الوقت نفسه.
كل هذه العوامل، من وجهة نظر المراقبين، تجعل إدارة بايدن أمام مسارات متعددة يمكن من خلالها أن تتمكن من إعادة الدفء إلى العلاقات الأمريكية-التركية والعمل على حل الخلافات بين البلدين من خلال النقاشات الثنائية كما كانت الأمور قبل إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.