يبدو أن العنف في إثيوبيا مرشح للاتساع، حيث وقع هجوم مسلح بالنيران على حافلة ركاب في إقليم بني شنقول-جوموز، قتل فيه ٣٤ فرداً، وهو الإقليم الذي بني على أراضيه سد النهضة، كما أن به نسبة كبيرة من المسلمين.
ولم يكن هذا الهجوم الأول من نوعه في منطقة بني شنقول-جوموز المتنوعة إثنياً بشكل كبير، ويحوط قدر كبير من الغموض هذه الهجمات التي تستهدف المدنيين بالأساس.
واسم الإقليم جاء من اسم القوميتين الأصليتين في الإقليم وهما قومية بني شنقول وجوموز أو القمز، وبني شنقول أغلبيتهم من المسلمين ولهم لغة تسمى بريتا كما يتحدث الكثير منهم لهجة عربية.
إقليم مهمش
ويتسم وضع هذا الإقليم بالحساسية الشديدة، باعتباره من أكثر أقاليم إثيوبيا وعورة، وفقراً، إضافة إلى أن سكانه ينقسمون بين المسلمين والمسيحيين، كما أنه متشظٍّ إثنياً على عكس أغلب الأقاليم الإثيوبية التي يسودها عادة أغلبية إثنية معينة.
كما تفيد العديد من التقارير بأن الإقليم كان جزءاً من السودان.
فقد ضم هذا الإقليم لإثيوبيا وفقاً لاتفاقية معاهدة 1902، التي تُلزمها بعدم إقامة مشاريع على النيل الأزرق دون موافقة مصر والسودان؛ حيث كان إقليم "بني شنقول"، ذا أغلبية مسلمة ولم يخضع من قبل لسلطان أباطرة الحبشة، وكان جزءاً من مملكة الفُونج المسلمة بين عامي (1504 – 1821).
وعانى سكان الإقليم الأصليون خاصة القمز، من تهميش تاريخي، إذ إن إثيوبيا قامت تاريخياً على هيمنة أقوام المناطق المرتفعة، (خاصة الأمهريين) على المناطق المنخفضة، وخلال عقود تعرض القمز، لهجمات من سكان المناطق المرتفعة وسيطرتهم على المناطق المنخفضة، وكانت المنطقة تتعرض تاريخياً لضغوط من الإمبراطورية الحبشية والقبائل العربية في السودان، واليوم يشكو السكان من منح أراضي الأقاليم الخصبة للمستثمرين الأجانب.
واجهت المنطقة تحديات كبيرة للتنمية الاقتصادية، بسبب نقص البنية التحتية للنقل والاتصالات، فالنيل الأزرق يقسم منطقة بني شنقول-جوموز، ولم يكن هناك جسر يعبره حتى عام 2012.
والطريق الرئيسي الذي يربط منطقة ميتيكل ومنطقة أسوسا داخل الإقليم نفسه تم بناؤه بواسطة شركة الإنشاءات الصينية في عام 2012.
في السابق كان على المرء أن يسافر عبر المناطق المجاورة لأوروميا وأمهرة، لمسافة 1250 كيلومتراً، لكنها الآن المسافة باتت حوالي 378 كيلومتراً عبر الطريق والجسر الجديد.
من له الأغلبية في إقليم بني شنقول-جوموز؟
المجموعات العرقية الأساسية في الإقليم هي الأمهرة 25.41% (وهي الإثنية المسيطرة تاريخياً على إثيوبيا) ، بيرتا أو بني شنقول 21.69% (التي يحمل الإقليم اسمهم)، وجوموز (20.88٪) ثم الأورومو 13.55% (القومية الأكبر في البلاد والتي ينتمي لها رئيس الوزراء أبي آحمد).
فيما يتعلق بالدين فإن 44.7% من المسيحيين الأرثوذكس، 33.3% مسلمون، 13.53% بروتستانت، 7.09% يمارسون المعتقدات التقليدية، حسب ويكيبيديا، بينما تفيد تقارير أخرى بأن نسبة المسلمين والمسيحيين متساوية تقريباً.
وسد النهضة الإثيوبي يقام في هذا الإقليم، على نهر النيل الأزرق حيث يقع على بعد حوالي 40 كم شرق السودان.
هجمات غامضة في الإقليم
وشهدت المنطقة سلسلة من الهجمات المميتة على المدنيين إلى جانب تفاقم الصراع في الشمال.
وقالت اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان إن عدد القتلى في الهجوم الذي وقع السبت والبالغ 34 شخصاً من المرجح أن يرتفع، واصفة الهجوم "بالمروع".
وظلت تفاصيل الهجوم غير واضحة في بلد شهد تصاعد العنف في الأسابيع الأخيرة.
وهناك تقارير عن هجمات مماثلة في ثلاث مناطق أخرى، بما في ذلك على الأشخاص "الذين فروا بحثاً عن مأوى".
وقال دانييل بيكيلي، رئيس اللجنة في بيان "الهجوم الأخير هو إضافة قاتمة للخسائر البشرية التي نتحملها جماعياً".
الأمر بدأ منذ أشهر وآبي أحمد يلوم السودان
تتزايد المخاوف من حدوث فراغ أمني في البلاد وسط حملة عسكرية في منطقة تيغراي الشمالية.
ووقعت هجمات مماثلة في نفس المنطقة في الأشهر القليلة الماضية. وأسفر هجوم في أكتوبر/تشرين الأول عن مقتل 12 شخصاً وقتل 15 هناك في سبتمبر/أيلول.
وقال بيكيلي: "إن وتيرة الهجمات التي لا هوادة فيها على المدنيين في بني شنقول-جوموز تتطلب مزيداً من اليقظة والعمل الأكثر تنسيقاً بين قوات الأمن الإقليمية والفيدرالية".
وتابع قائلاً: "نحث السلطات الأمنية والقضائية الاتحادية والإقليمية على العمل معاً وبالتشاور مع المجتمع المحلي لإعادة صياغة استراتيجية أمنية إقليمية تضع حداً نهائياً لهذه الهجمات".
وحمل رئيس الوزراء أبي أحمد السودان المجاور مسؤولية تدريب منفذي الهجمات السابقة.
وليس هناك علاقة معروفة بين الهجمات في بني شنقول-جوموز وأعمال العنف الأخيرة التي اندلعت بين الحكومة الإثيوبية المركزية ومقاتلي تيغراي.
أدى الصراع المستمر منذ 12 يوماً في تيغراي إلى مخاوف من أنه قد يمتد إلى أجزاء أخرى من المنطقة.
ونفت الجبهة الشعبية لتحرير تيغري أي تورط لها.
إلى أي قومية ينتمي الضحايا؟
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أسفرت هجمات استمرت أسابيع من قبل مسلحين مدججين بالسلاح لم يكشف عنهم بعد في مناطق مختلفة من منطقة ميتيكل بإقليم بني شنقول جوموز، عن سقوط أعداد غير معروفة من الضحايا المدنيين وتدمير الممتلكات.
واستهدفت الهجمات أفراد المجتمع المدني في بولان وريدا، وهي منطقة يقيم فيها أفراد من قبيلة أمهرة وشناشا وغوموز وأجيو.
وقال مدير منطقة ميتيكل، أتينكوت شيتو، لموقع Addis Standard إن الجناة قد يكونون مجموعة منظمة من أعضاء أحزاب المعارضة وضباط عسكريين تم تسريحهم. لكنه فشل في تحديد الجناة، وطعن في عدد الضحايا الذي يزيد عن 150 شخصاً تم تداولهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبحسب قوله، فإن حوالي 300 شخص فروا من منازلهم بعد الهجمات الأخيرة قد عادوا بالفعل إلى منازلهم.
وأصبحت الهجمات التي يشنها رجال الميليشيات المسلحة أمراً شائعاً، بينما شملت الإصابات أفراداً من قوات الدفاع الوطني الإثيوبية الذين يقومون بدوريات في مناطق شاسعة من منطقة ميتيكل.
وفقاً لثلاثة من سكان منطقة Bulan Woreda الذين تحدثوا إلى موقع Addis Standard بشرط عدم الكشف عن هويتهم فإنه "غالباً ما يكون المهاجمون مسلحين ببنادق آلية ثقيلة".
وهناك العديد من المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تزعم أن المستهدفين هم من قومية أمهرة.
وقال كريستيان تاديل من الحركة الوطنية للأمهرة في تغريدة على تويتر تحت هاشتاغ #إبادة الأمهرة (#AmharaGenocide 89) إن 89 شخصاً ذُبحوا بوحشية وتركوا في الحقول؛ وأكثر من 20 جريحاً ولم يتلقوا حتى الآن الأدوية و80 في عداد المفقودين".
وقال ناشط أمهري لوكالة فرانس برس إنها حملة مستهدفة من قبل ميليشيات غموز العرقية ضد الأمهرة الذين يعيشون في منطقة ميتكيل.
وقال ديسالين العضو البارز في الحركة الوطنية للأمهرة إن ما يصل إلى 40 شخصاً ربما لقوا حتفهم في هجمات في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وهو رقم لا يمكن التحقق منه بشكل مستقل.
دسالين وغيره من السياسيين والناشطين من الأمهرة منذ أسابيع يدقون ناقوس الخطر بشأن ما يقولون إنه حملة مستهدفة من قبل ميليشيات جوموز العرقية ضد عرقية أمهرة وأجيو الذين يعيشون في منطقة ميتيكل.
حديث عن تواطؤ حكومي، وأن الأمهرة هم المتورطون
وألمح شاهد عيان لموقع دويتشه فيله الأمهري، إلى احتمال اتصال المسلحين بالقوات الحكومية. ويستشهد بأن السبب هو أن المسلحين يفرون من المنطقة قبل أن تبدأ قوات الأمن في التحرك في اتجاههم، في إشارة إلى أن شخصاً ما من الداخل قد ينبههم.
وتقول السلطات الإقليمية الأخرى إن المعتدين هم لصوص مرتبطون بأحزاب سياسية.
في 23 سبتمبر /أيلول 2020، قال مكتب السلام والأمن الإقليمي في بني شنقول جومز إن حوالي 371 مشتبهاً تم اعتقالهم في الأيام الثلاثة السابقة على صلة بالعنف الذي استهدف أفراد المجتمع المدني في بولين ووريدا، وهي منطقة تعيش فيها مجتمعات أمهرة وشناشا وجوموز وأجيو.
وقال مسؤول أمني إن هناك من السياسيين المعارضين من يسيطر على العنف لدوافع عرقية.
في المقابل، يقول الناشط الحقوقي من بني شنقول، نيلسون ناصر: "بيانات الحكومة غير صادقة، فهي تريد اتّهام شعب بني شنقول بارتكاب جرائم عرقية لتبرير الحملة العسكرية التي تقوم بها من أجل السيطرة على المنطقة، من شمال الإقليم حتى سدّ النهضة، وتوطين مواطنين من الأمهرة في تلك المنطقة، ونحن لم نرَ هذه الجثث التي يتحدثون عنها، ولو افترضنا أنّ هناك قتلى، فمن المرجح أنّهم من عناصر الجيش".
ويردف نيلسون ناصر، لـموقع "حفريات": "في اليوم التالي للإعلان عن حادثة مقتل 15 شخصاً، بدأ الجيش الإثيوبي، مدعوماً بميليشيات أمهرية، حملة عسكرية ضدّ شعب بني شنقول، وترتكب الميليشيات جرائم قتل وترويع بحقّ السكان، وحرق للقرى، بهدف تخويفهم ودفعهم للهجرة إلى جنوب الإقليم".
وقال يوسف ناصر حامد، زعيم حركة تحرير شعب بني شنقول؛ في تصريح لـ"حفريات"، إنّ حملة عسكرية يشارك فيها الجيش الإثيوبي، والقوات الخاصة، وقوات حماية الجمهورية، وميليشيات رديفة من الأمهرة، انطلقت ضدّ سكان بني شنقول.
ويُقول البعض إن القوات الإثيوبية قد بادرت بعملية عسكرية استباقية ضدّ كلّ نشاط سياسي ومجتمعي وعسكري لشعب بني شنقول، المحروم من التنمية، والذي يعاني التمييز، بهدف توطين تجمعات من الأمهرة في المناطق المتاخمة لسدّ النهضة، كي تستفيد الحكومة من زراعة المساحات الزراعية الشاسعة في الإقليم، عبر الاستثمار مع شركات زراعية كبيرة.
وتحظى عرقية الأمهرة بأهمية خاصة لدى رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، فهم حلفاء في مواجهة عرقية التيجراي، التي أُبعدت عن الحكم بعد رحيل ميليس زيناوي، في 2012، خاصة في ضوء توتر علاقته بعرقية الأورومو الذين ينتمي إليهم، ويمثلون أكبر إثنية في البلاد.
ويزعم البعض أن أبناء عرقية الأمهرة يرون أنّهم الأحق بحكم إثيوبيا، حيث خرجت منهم سلالة الأباطرة، وتنشط ميليشيات منهم في إقليم بني شنقول، وفي هذا السياق يقول نيلسون ناصر: "الأمهرة يريدون إنهاء النظام الفيدرالي، لأنّهم يطمعون في السيطرة على أراضي بني شنقول".
ولم تقدم حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد تفاصيل كثيرة عن العنف، باستثناء لوم السودان.