لا أحد يتوقع من الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب أن يجعل انتقال السلطة للرئيس المنتخب جو بايدن عملية سلسة أو سلمية، وجاءت إقالة وزير الدفاع مارك إسبر لتؤكد هذه الحقيقة، والسؤال هل إقالة إسبر انتقام شخصي من ترامب؟
إقالة متوقعة منذ أشهر
مسار الأحداث في الولايات المتحدة منذ أواخر مايو/أيار الماضي، حين أدى مقتل المواطن من أصل إفريقي جورج فلويد إلى احتجاجات ضخمة في البلاد وخارجها، أظهر خلافاً في الرؤى بين ترامب ووزير الدفاع إسبر فيما يخص التعامل مع مظاهرات حركة السود مهمة والتي شهد القليل منها أحداث شغب وحرق وسلب.
ترامب كان يريد أن يتولى الجيش فرض الأمن والقانون في بعض الولايات، لكن إسبر استبعد هذا الأمر، لأن الدستور الأمريكي يحظر نشر قوات الجيش على الأراضي الأمريكية أو التدخل في أعمال مدنية تتولاها قوات إنفاذ القانون المحلية، وخرج الخلاف بين الرئيس ووزير الدفاع للعلن وقتها، بعد حادثة الكنيسة المجاورة للبيت الأبيض حين توجه إليها ترامب والتقط صوراً مع بعض المسؤولين ومنهم إسبر الذي فاجأة تصرف الرئيس.
ومنذ ذلك الوقت، لم يعد لإسبر تواجد إعلامي تقريباً وأصبح يتحدث إلى وسائل الإعلام من خلال بيانات مسبقة فقط، ونشرت تقارير إعلامية تشير إلى أن وزير الدفاع يفكر في الاستقالة بالفعل أو ينتظر قرار إقالته في أي وقت، ثم جاءت الانتخابات وما يصاحبها من جدل بعد رفض ترامب حتى الآن الاعتراف بالهزيمة ليصدر الرئيس مساء الإثنين 9 نوفمبر/تشرين الثاني قرار إقالة إسبر في تغريدة له على تويتر.
وقال ترامب على تويتر: "تم إنهاء خدمة مارك إسبر. وأود أن أشكره على خدماته"، وأضاف "يسعدني أن أعلن أن كريستوفر ميلر، مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب (الذي أقر مجلس الشيوخ تعيينه بالإجماع) والذي يحظى باحترام واسع، سيكون القائم بأعمال وزير الدفاع بأثر فوري".
"توقيت خطير"
لكن الديمقراطيين يخشون أن تكون إقالة إسبر خطوة أولى نحو إقدام ترامب على اتخاذ قرارات خاصة بالجيش يدرك أن إسبر لم يكن ليوافق عليها، بحسب تقرير لمجلة Politico بعنوان "إقالة إسبر تقلق الديمقراطيين بخصوص ما قد يفعله ترامب بالجيش".
فقد أثارت إقالة إسبر قلق نواب الكونغرس من الديمقراطيين الذين حذروا من أن غياب إسبر الذي كان من القلائل الذين يتصدون "لنزوات الرئيس المفاجئة" يمثل خطراً على الأمن القومي في هذا التوقيت الحساس، أي الفترة الانتقالية بين إدارة وأخرى.
وفور إعلان ترامب إقالة إسبر على تويتر، عبر عدد من النواب الديمقراطيين عن مخاوفهم من أن توقيت الإقالة يمثل خطراً كبيراً لغياب القيادة المدنية للجيش، وهو ما يجعل كبار الضباط في موقف ضعيف، وهو ما عبر عنه رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب آدم سميث بالقول إن تقويض ترامب قيادة البنتاغون في هذا التوقيت يرفع من خطورة "التهديدات الفريدة" التي تواجهها الولايات المتحدة أثناء الفترة الانتقالية.
وفي بيان له تم توزيعه على الصحفيين، قال سميث: "إقالة قيادات الأمن القومي المعينين سياسياً خلال فترة الانتقال يعتبر خطوة مزعزعة للاستقرار وسوف تشجع أعداءنا وتضع بلادنا في خطر عظيم. قرار الرئيس ترامب إقالة إسبر بدافع الانتقام ليس فقط تصرفاً طفولياً، بل هو تصرف غير مسؤول".
وفي ذات السياق، يخشى البعض أن تكون إقالة إسبر في هذا التوقيت مقدمة لقرار عسكري يتعلق بإيران، ويشير أصحاب هذا الطرح إلى زيارة أبرامز مبعوث إدارة ترامب الخاص بإيران إلى إسرائيل والإمارات والسعودية هذه الأيام، والزيارة التي لم يعلن عنها لوزير الخارجية مايك بومبيو للمنطقة، رغم أن هدف تلك التحركات يخص التخطيط لفرض مزيد من العقوبات على طهران وليس التجهيز لتوجيه عمل عسكري ضدها.
الانتقام رداً على "نقص الولاء الكامل"
لكن يبدو أن إقالة إسبر لن تكون الأخيرة من اليوم وحتى ظهر يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل وهو اليوم الأخير لترامب في البيت الأبيض، حيث إن المصير ذاته يمكن أن تواجهه جينا هاسبيل مديرة المخابرات المركزية الأمريكية وكريستوفر وراي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، بحسب مصدر تحدث لشبكة CNN الأمريكية حول إقالة إسبر.
وفي هذا السياق أيضاً، جاء قرار وزير العدل ويليام بار بتكريس إمكانيات الوزارة لدعم المزاعم الخاصة بحدوث تزوير في الانتخابات وهو ما دفع مدير إدارة التحقيق في جرائم الانتخابات إلى تقديم استقالته فوراً اعتراضاً على توجيهات بار، في ظل عدم توفر أدلة مادية كافية للتحرك قضائياً من جانب الإدارة المعنية.
ويرى محللون أن بار منذ توليه وزارة العدل يسعى فقط لإثبات ولائه المطلق للرئيس، مدللين على ذلك بموقفه من تقرير المحقق الخاص بروبرت مولر بشأن تدخل روسيا في الانتخابات الماضية وتواطؤ حملة ترامب في القصة، حيث أرسل بار ملخصاً للتقرير يبرئ روسيا وحملة الرئيس رغم أن تقرير مولر الكامل لم يتوصل لتلك النتيجة.
والموقف الآخر هو تحرك وزارة العدل بتوجيهات بار لتمثيل ترامب في قضية تشهير رفعتها سومر زيفروس وهي متسابقة في برنامج تليفزيون الواقع الذي كان يقدمه ترامب واتهمته بالتحرش بها جنسياً، لكن القاضي رفض السماح لوزارة العدل بالدفاع عن ترامب على أساس أن التهم الموجهة له لا علاقة لها بمنصبه كرئيس للبلاد.
فترة انتقالية مضطربة
قرار إقالة إسبر ورفض ترامب السماح لفريق بايدن بدء إجراءات انتقال السلطة مؤشرات على أن السؤال الآن لم يعد هل يسلم ترامب بالأمر الواقع، بل ماذا يمكن أن يقدم عليه ترامب خلال الأيام المتبقية في ولايته أي 70 يوماً حتى 20 يناير/ كانون الثاني المقبل؟
صحيح أن ترامب حالياً رئيس منتهية ولايته، لكنه يتمتع بكامل صلاحيات منصبه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي يمكنه اتخاذ أي قرار سواء كان انتقاماً من مسؤولين في إدارته يرى أن ولاءهم له غير كامل كما حدث مع إسبر، أو كأن يفرض مزيداً من العقوبات على إيران كي يجعل مهمة بايدن في العودة للاتفاق النووي أكثر صعوبة، أو تكريس الحكومة الفيدرالية التي يرأسها لعرقلة حسم نتيجة الانتخابات رسمياً، كما اتضح من توجيهات وزير العدل.
وبالتوقف عند تصريحات ميتش ماكونيل زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ التي رفض فيها الاعتراف بفوز جو بايدن في الانتخابات، يتضح أن كثيراً من قيادات الحزب الجمهوري ما زالوا يؤيدون الرئيس ويتبنون وجهة نظره أن الانتخابات مزورة وأنه فاز بها، خصوصاً أن ترامب حصل على 70 مليون صوت في الانتخابات تجعله ثاني أكثر مرشح في تاريخ البلاد حصولاً على الأصوات، ولا يسبقه فقط سوى جو بايدن نفسه الذي حصل على أكثر من 74 مليوناً حتى الآن، وفي ظل رفض ترامب الاعتراف بفوز بايدن فإنه لا يتحدث عن أصوات الرجل من الأساس.