تَجمَع الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، علاقة شخصية طويلة، ولكن هذا لا يعني أن علاقاتهما المستقبلية ستكون على ما يرام.
فمع قرب تنصيب بايدن في العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، فإن مراقبين ووسائل إعلام إسرائيلية أشاروا إلى احتمالية نشوب خلافات بين الرئيسين بخصوص ملفي "النووي" الإيراني، والاستيطان الإسرائيلي ومخطط "الضم" بالضفة الغربية.
ما بعد ترامب
يخشى محللون إسرائيليون من أن تعكر هذه الخلافات صفو العلاقة بين الرجلين، على غرار ما جرى في الولايتين الرئاسيتين للرئيس السابق باراك أوباما، الذي كان بايدن نائباً له.
وعلى مدى 4 سنوات ماضية، تمتع نتنياهو بعلاقة فريدة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي خرج من الاتفاق الدولي مع إيران، وأعطى إسرائيل ما لم تحلم به في الأراضي الفلسطينية بالاعتراف بالقدس عاصمة لها، وشرعنة الاستيطان، ومنحها حق ضم 30% من الضفة الغربية عبر صفقة القرن.
كما عاقب ترامب الفلسطينيين، لرفضهم خطته المزعومة للتسوية، حيث قطع كامل المساعدات المالية عن الحكومة، والمؤسسات الأهلية، وكذلك عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" التي ترعى أكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني.
وضغط ترامب كذلك على دول عربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، في مخالفة للمبادرة العربية للسلام لعام 2002، التي تربط التطبيع بإنهاء الاحتلال للأراضي العربية المحتلة.
إيران وضم الضفة
ورجّح المحلل السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحيم أن تبرُز خلافات بين نتنياهو وبايدن حول الملف الإيراني، والاستيطان في الأراضي الفلسطينية.
وقال بن مناحيم لوكالة الأناضول: "لقد توصل الرئيس السابق باراك أوباما للاتفاق مع إيران عام 2015 عندما كان بايدن نائباً للرئيس، وقد وجّه نتنياهو انتقادات حادة لهذا الاتفاق، وهو لا يُخفي الآن معارضته لنوايا بايدن، العودة لهذا الاتفاق، حتى لو مع تعديلات". وتابع: "سيكون الملف الإيراني السبب الأهم والرئيسي لخلافات متوقعة بين نتنياهو وبايدن".
وأكمل: "اتجاه نتنياهو وترامب (قبل انتهاء ولايته) للاتفاق على سلسلة عقوبات جديدة على إيران، سيزيد الأمور سوءاً، وسيكون من شأن العقوبات تصعيب أي خطوة يفكر بايدن في القيام بها، للعودة الى الاتفاق الدولي مع إيران".
وأشار بن مناحيم إلى أن موضوع الاستيطان والضم الإسرائيلي لأراض فلسطينية سيتسبب بخلافات أيضاً بين نتنياهو وبايدن.
وقال: "كلنا نذكر أن أزمة سياسية نشبت بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل عام 2010، عندما أعلن نتنياهو عن بناء استيطاني في مستوطنة (رامات شلومو) بالقدس أثناء زيارة بايدن كنائب للرئيس إلى إسرائيل، وفي حينه اعتبر هذا القرار إهانة". وأضاف: "نتنياهو يعلم جيداً أن بايدن مع (خيار) حل الدولتين وضد الاستيطان والضم، وهو ما يخالف بشكل كامل سياسة ترامب".
وتوقع بن مناحيم أن يسعى نتنياهو للحصول على رسالة ضمانات من ترامب، قبل انتهاء ولايته في العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل، تنص على "حق إسرائيل بضم جميع المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية وغور الأردن، وهذا سيشكل ضربة لمواقف بايدن بشأن الاستيطان وحل الدولتين".
انتهى عهد التساهل
من جانبه، يرى السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، مايكل أورين، أن بايدن سيحافظ على "العلاقة الخاصة القائمة بين إسرائيل والولايات المتحدة". وأضاف لصحيفة "إسرائيل اليوم"، الإثنين، "بايدن لن يتصرف مثل أوباما، ولن يحاول تحويلها إلى علاقات طبيعية'".
وأضاف مفسراً: "ومع ذلك، فإن التساهل الذي حظينا به خلال عهد ترامب قد انتهى، لقد وضع ترامب معياراً فريداً، تضمّن فقط المودة وعدم انتقاد إسرائيل، لن يكون هذا هو الحال بعد الآن، لكنه لن يكون كذلك كما كان في عهد أوباما".
واتسمت علاقة نتنياهو مع أوباما بالتوتر، نتيجة الخلافات المتكررة بشأن موقفيهما بشأن إيران والاستيطان. فإدارة أوباما أبرمت الاتفاق الدولي مع إيران عام 2015، وسمحت لمجلس الأمن الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2016 بتبني قرار 2334 الذي أدان الاستيطان، واعتبره (بما في ذلك في القدس الشرقية المحتلة)، غير قانوني ودعا إلى وقفه.
أولويات بايدن في مواجهة أولويات نتنياهو
ونقلت القناة الإسرائيلية "12"، مساء الأحد، عن عاموس هوشتاين، وهو مساعد كبير لبايدن، قوله إنه من المرجح أن تنضم الإدارة الجديدة إلى الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية، بعد وقت قصير من توليه منصبه في 20 يناير/كانون الثاني.
وقال هوشتاين: "أعتقد أنه في الأشهر الأولى من رئاسته، إما سنراه ينضم مجدداً إلى الصفقة بالكامل، أو ما أسميه عناصر الاتفاق الدولي، أي رفع العقوبات، مقابل تعليق بعض البرامج النووية الإيرانية".
ولفت في هذا الصدد إلى أن بايدن يريد إدخال بعض التعديلات على الاتفاق الدولي مع إيران، دون أن يذكرها.
ولكنّ موقع "تايمز أوف إسرائيل" الإخباري قال، الإثنين، إن تل أبيب تعتبر أن منع البرنامج النووي الإيراني بمثابة أولوية قصوى لها، ويصنفه الجيش باستمرار على أنه "التهديد الأكثر أهمية الذي يواجه دولة إسرائيل".
وأضاف: "منذ انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في عام 2018، بدأ في فرض عقوبات اقتصادية ساحقة على طهران، وهي الخطوة التي رحب بها نتنياهو ومسؤولون إسرائيليون آخرون، ردت إيران بإنتاج المزيد والمزيد من التخصيب العالي".
وتابع: "إيران الآن على وشك أن تكون قادرة على تطوير سلاح نووي، وهو وضع تعهدت إسرائيل بعدم السماح به".
وبهذا الصدد، دعا وزير الطاقة الإسرائيلي من حزب "الليكود"، يوفال شتاينتس، إلى "حوار مع الإدارة الأمريكية الجديدة لضمان عدم انضمام بايدن إلى اتفاقية 2015 بموجب شروطها السابقة".
وقال لإذاعة الجيش الإسرائيلي، الأحد: "إن هدف إسرائيل يجب أن يكون تفكيك البرنامج النووي الإيراني، وليس تجميده في مكانه".
الخلافات بشأن الاستيطان
وبالإضافة للملف النووي الإيراني، يتوقع المراقبون أن تنشب خلافات تتعلق بالملف الفلسطيني.
فالرئيس الأمريكي المنتخب كرر، خلال حملته الانتخابية، أنه مع "حل الدولتين" وأنه يرفض الاستيطان والضم الإسرائيلي لأراض فلسطينية، ومع إعادة المساعدات المالية الأمريكية للفلسطينيين، وفتح قنصلية أمريكية عامة بالقدس الشرقية.
ويقول هوشتاين، للقناة الإسرائيلية "12"، إن بايدن "يرى أن حل الدولتين أفضل من الدولة الواحدة، وهو يخشى من أنه إذا لم يطبق حل الدولتين، فإنه في النهاية سيؤدي إلى دولة واحدة ثنائية القومية". وأضاف أن إدارة بايدن "ستعيد القضية الفلسطينية إلى قلب الخطاب".
أما السفير الأمريكي السابق لإسرائيل دانيال شابيرو، فقال، الإثنين، للموقع الالكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن بايدن سيعمل على "استئناف المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي ستؤدي في النهاية إلى حل الدولتين".
وقال شابيرو لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، الإثنين: "ستبقى السفارة في القدس، لكننا قد نشهد فتح قنصلية أمريكية للفلسطينيين في شرق المدينة، وعودة أموال المساعدات، ربما حتى للأونروا (وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين)، من المحتمل أن تعود بعثة فلسطينية في واشنطن مرة أخرى، وسيستقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرة أخرى مظاهر الحب والدفء".
وكانت إسرائيل تأمل تنفيذ خطة "الضم" في فترة الولاية الرئاسية الثانية لترامب. وسبق لنتنياهو أن قال في أكثر من مناسبة في الأشهر الماضية إن تنفيذ الضم يتطلب تنسيقاً مسبقاً مع الولايات المتحدة الأمريكية وموافقة منها لضمان الاعتراف الأمريكي به. ولكن بايدن أعلن أيضاً أنه يعارض "الضم" كما يعارض الاستيطان.