رغم هزيمته في انتخابات الرئاسة الأمريكية ما زال ممولو سياسة ترامب بالتصعيد ضد إيران موجودين، ويتوقع أن يواصلوا أهدافهم، حتى بعد خروج حليفهم من البيت الأبيض.
نعم، يمثل انتصار جو بايدن على دونالد ترامب رداً حازماً على سياسات ترامب المثيرة للانقسام وسوء إدارته لجائحة كوفيد-19، والسياسة الخارجية المتشددة مع إيران المتمثلة في إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، واغتيال اللواء قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني، في بغداد وزيادة عقوبات حملة "أقصى ضغط" على إيران في الوقت الذي أوشكت فيه المستشفيات الإيرانية على الانهيار في خضم مواجهتها الجائحة العالمية.
لكن دفع الولايات المتحدة إلى حافة الحرب مع إيران هو بالضبط ما يمول لصالحه منذ سنوات ثلاث من أكبر مؤيدي حملة ترامب، باروني الكازينوهات شيلدون وميريام أديلسون، ومؤسس شركة هوم ديبوت بيرني ماركوس.
ومن المستبعد أن ينتهي دورهم في تمويل الساسة والباحثين المتشددين في واشنطن مع هزيمة مرشحهم الرئاسي المفضل، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
إلقاء قنبلة نووية على 12 مليون إنسان
وكان تأثير الزوجين أديلسون على سياسة ترامب في الشرق الأوسط واضحاً. وكان شيلدون أديلسون- الذي اقترح عام 2013 تفجير قنبلة نووية في "صحراء إيرانية" والتهديد بشن هجوم نووي على طهران، المدينة التي يزيد عدد سكانها على 12 مليون نسمة، إذا لم تتخلى إيران عن برنامجها النووي، هو من ساعد في تولي جون بولتون منصب مستشار الأمن القومي لترامب.
وتزامن دعم أديلسون المالي لحملة ترامب عام 2016 مع تغير نظرة ترامب لمجموعة متنوعة من المواقف المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وهو ما جعله متوافقاً مع آراء أديلسون المتشددة والمؤيدة لليكود.
وقد قدم ترامب عدداً من الخدمات المهمة لأديلسون، مثل إلغاء الاتفاق النووي الإيراني ونقل السفارة الأمريكية في تل أبيب إلى القدس.
وتكريماً لكبار مانحيه، منح ترامب ميريام أديلسون وسام الحرية الرئاسي، الذي ساعد دون شك في تمهيد الطريق لدعم أديلسون لحملة ترشحه لولاية ثانية.
ورد الزوجان أديلسون بالمساهمة بمبلغ 75 مليون دولار للجنة العمل السياسي Preserve America المؤيدة لترامب.
اتهام ضحايا الهولوكوست بالضعف والخنوع
أما بيرني ماركوس -الذي قال لقناة فوكس بيزنس إن "إيران هي الشيطان" واتهم ضحايا الهولوكوست يوماً بالضعف والخنوع- فغالباً ما يطغى عليه سخاء أديلسون، لكنه بمفرده ليس مانحاً بسيطاً. إذ ساهم ماركوس بخمسة ملايين دولار للجنة Preserve America، وهو ما يجعله ثاني أكبر مانح للجنة بعد أديلسون.
وفي الوقت الذي أدت فيه خسارة ترامب إلى تهميش حياته السياسية، على الأقل في الوقت الحالي، من المستبعد أن ينتهي تأثير كبار داعميه على الحزب الجمهوري ومناقشات السياسة الخارجية.
فلربما كان آل أديلسون أكبر داعمي ترامب لكن حجم دعمهم للحزب الجمهوري أكبر بكثير.
ففي الدورة الانتخابية لعام 2020، من المتوقع أن تبلغ مساهمة شيلدون وميريام ما مجموعه 250 مليون دولار بعد احتساب دعمهما لانتخابات الجمهوريين في مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
وماركوس، من جانبه، سيكون قد ساهم بأكثر من 10 ملايين دولار في منافسات الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ في دورة انتخابات 2020.
كيف سيواصل ممولو سياسة ترامب بالتصعيد ضد إيران تنفيذ خطتهم بعد خروجه من البيت الأبيض؟
باختصار، ربما انتهى نشاطهم مع ترامب، لكنهم ما يزالون يشكلون العمود الفقري لجهاز تمويل حملات الحزب الجمهوري. وهذه الأهمية التي يتمتعون بها يصاحبها، بلا شك، التأثير على موقف الحزب الجمهوري من السياسة الخارجية. وقد أنفق آل أديلسون وماركوس ببذخ للتأثير على السياسة الخارجية بعيداً عن تمويلهم لحملات الحزب.
ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات FDD خير مثال على ذلك، وهي مؤسسة فكرية مؤثرة يدعو العاملون فيها بين الحين والآخر إلى التحرك العسكري ضد إيران، وتشيد بسياسة "الضغط الأقصى" الفاشلة لإدارة ترامب، وكانت بمثابة مركز لبرنامج مثير للجدل تموله وزارة الخارجية الأمريكية يركز على مضايقة منتقدين أمريكيين لسياسة البيت الأبيض الخارجية في الشرق الأوسط.
وساهم شيلدون أديلسون بأكثر من 1.5 مليون دولار للمؤسسة بين عامي 2008 و2011 وساهم ماركوس بأكثر من 10 ملايين دولار في السنتين نفسيهما.
ورغم إعلان المؤسسة أن أديلسون لم يعد أحد مموليها، يواصل ماركوس المساهمة بأكثر من ثلث الميزانية السنوية للمؤسسة سنوياً، إذ بعث إليها 4.3 مليون دولار عام 2018 وحده. وموّلت عائلة أديلسون أيضاً منظمة United Against Nuclear Iran "متحدون ضد إيران النووية" الغامضة والمناهضة لإيران التي دعت إلى فرض حظر فعلي على الغذاء والدواء لإيران.
إن خسارة ترامب تمثل انتكاسة لكبار المانحين المتشددين الذين استثمروا ملايين الدولارات في انتخاب، وإعادة انتخاب، ترامب ودفعه إلى خوض مواجهة مع إيران. لكن مساهماتهم الضخمة في تمويل حملات الجمهوريين في الكونغرس ومجموعة قادمة من الساسة ذوي النزعة العسكرية، مثل السناتور توم كوتون (الجمهوري من أركنساس) والنائبة إليزابيث تشيني (الجمهورية من وايومنغ) وإمكانية ترشح مايك بومبيو ونيكي هالي لمنصب الرئيس، قد يمنحهم الأمل في مستقبل الجناح المتشدد للحزب الجمهوري.