هل تواجه إثيوبيا خطر الانقسام بسبب سياسات رجل الاستخبارات الغامض؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/08 الساعة 17:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/10 الساعة 15:06 بتوقيت غرينتش
رئيس وزراء أثيوبيا أبي أحمد/رويترز

التصعيد بين آبي أحمد والتيغراي يحيطه قدر كبير من الغموض، فهل يسعى رئيس وزراء إثيوبيا آبي آحمد إلى استغلال أزمة إقليم تيغراي الشمالي لتعزيز قبضته على السلطة أم أن إثيوبيا تواجه خطر الانقسام، مما يستلزم معه اتخاذ إجراءات قوية، كما يفعل؟

فقد أعلن مكتب أبي أحمد اليوم الأحد أن رئيس الوزراء الإثيوبي استبدل وزير خارجيته ورئيس المخابرات وقائد الجيش، في وقت تتوالى فيه تقارير عن تزايد الإصابات في جنود الجيش الفيدرالي مع تصاعد الصراع المستمر منذ خمسة أيام في منطقة تيغراي شمالي البلاد.

وقال مكتب أبي أحمد إن نائب رئيس الوزراء ديميكي ميكونين عُين وزيراً للخارجية وتمت ترقية بيرهانو جولا إلى رئيس أركان الجيش من منصب نائب قائد الجيش الذي كان يشغله.

كما عين أبي تيمسجين تيرونه، الذي كان رئيساً لمنطقة الأمهرة، رئيساً جديداً للمخابرات، وتم تعيين مفوض جديد للشرطة الفيدرالية.

لم يتم إعطاء أي سبب للتغييرات، التي جاءت بعد عدة أيام من أمر آبي أحمد بشن حملة عسكرية في إقليم تيغراي معقل الحكام السابقين للبلاد والذي يوصف بأنه أقوى الأقاليم العسكرية في إثيوبيا.

وسيطرت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على السياسة في إثيوبيا لما يقرب من ثلاثة عقود قبل أن يتولى آبي أحمد السلطة في عام 2018 على خلفية الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

المسؤولون يتحدثون عن مؤامرة لتيغراي في قلب العاصمة

وصوت المشرعون الإثيوبيون يوم السبت على تعليق مناصب زعماء تيغراي الحاليين وتنصيب إدارة انتقالية.

وكشفت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن قبض السلطات على خلية كانت تنوي القيام بتفجيرات في العاصمة أديس أبابا، ونقلت الوكالة عن مفوض شرطة العاصمة "جيتو أرغو" قوله بأن الشرطة ألقت القبض على متهمين بحوزتهم 355 قطعة سلاح مختلفة، إلى جانب 14 ألف رصاصة.

كما أعلن رئيس بلدية أديس أبابا اليوم الأحد أنه تم اعتقال 10 من أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الذين كانوا مسؤولين رفيعي المستوى في المدينة، متهماً إياهم بـ "خيانة الشعب" والعمل "لزعزعة السلام في مدينتنا والانخراط في أعمال قاسية وإرهابية الدوافع".

وقال رئيس البلدية، أدينيش أبيبي، إن مسؤولي المدينة يحققون أيضاً في "معلومات أخرى"، مشيداً بسكان المدينة لكونهم "أعيننا وآذاننا".

ومع ذلك دعا آبي في تغريدة على موقع تويتر الأحد، الإثيوبيين إلى تجنب التمييز ضد التيغرا، الذين يشكلون نحو 6% من سكان البلاد البالغ عددهم 110 ملايين نسمة.

وقال آبي "أود أن أكرر أنه لا ينبغي أن يكون أي أخ أو أخت من التيغراي ضحية لأعمال غير قانونية بسبب الهوية، وهذه المسؤولية تقع على عاتق جميع الإثيوبيين".

آبي أحمد والتيغراي.. مَن الظالم ومن المظلوم؟

وسيطر التيغراي على السياسة الإثيوبية لعقود حتى تولى آبي منصبه في 2018 ويحاربون جهوده للحد من نفوذهم.

واشتكى قادة التيغراي من استهدافهم بشكل غير عادل في محاكمات الفساد وإزالتهم من المناصب العليا، وقالوا إنهم تتم معاملتهم ككبش فداء على نطاق واسع في حملة قال آبي أحمد إنها تستهدف الفساد.

ورفضت جبهة تحرير شعب تيغرايان الانضمام إلى الحزب الذي أنشأه آبي لدمج عناصر الائتلاف الحاكم القديم في منظمة سياسية واحدة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

وبينما امتدحت حملة آبي أحمد ضد الفساد، يقول منتقدوه إنه يقوم بعملية تطهير للحرس القديم في الجيش والمخابرات الذين ظلوا لسنوات لا يمكن المساس بهم تقريباً ولا يخضعون إلا لمن هم في صفوفهم.

ويجادل آخرون بأنه مجرد سياسي ويستهدف مسؤولين من منطقة تيغراي، الذين يسيطرون منذ فترة طويلة على الجيش وأجهزة المخابرات، لكن الحملة ألقت القبض على أشخاص من جماعات عرقية أخرى.

مئات من الإصابات في أوساط القوات الحكومية

جاءت هذه التغييرات الكبيرة في المناصب التي أحدثها آبي أحمد في الوقت الذي صرح فيه مسؤول طبي لوكالة فرانس برس أن ما يقرب من 100 جندي حكومي قد عولجوا من إصابات بأعيرة نارية في مستشفى في منطقة الأمهرة الشمالية، في أحدث مؤشر على احتدام القتال.

وروج آبي والقادة العسكريون لنجاحات الجنود الإثيوبيين ضد القوات الموالية لحزب تيغراي الحاكم، غير أن انقطاع الاتصالات في المنطقة جعل من الصعب التحقق من حساباتهم.

ولكن على الطرق في الجزء الشمالي من منطقة أمهرة بإثيوبيا (القريبة من إقليم التيغراي)، يمكن رؤية سيارات الإسعاف بشكل متكرر وهي تنقل المحاربين الجرحى إلى المستشفيات.

جنرالات يحملون نعش رئيس الأركان الإثيوبي سيري ميكونين الذي قُتل على يد حارسه الشخصي، خلال مراسم جنازته بمنطقة تيغراي، إثيوبيا/رويترز

وصرح طبيب لوكالة فرانس برس رفض الإفصاح عن هويته بأن 98 جندياً عولجوا في بلدة سنجا من إصابات "بالرصاص"، جميعهم جنود من الجيش الفيدرالي.

وتزايدت التقارير عن قتلى وجرحى من الجنود في الأيام الأخيرة في أمهرة، حيث قال أحد عمال الإغاثة الإنسانية إن ثلاثة لقوا حتفهم وعولج 35 يوم السبت. وكان 105 جرحى وخمسة قتلى في المنطقة يوم الجمعة.

ويتزامن ذلك مع مخاوف متزايدة من تحول النزاع إلى حرب أهلية طويلة الأمد بعد أن أرسل آبي، الحائز على جائزة نوبل للسلام العام الماضي، قوات وطائرات فيدرالية إلى تيغراي في تصعيد كبير للخلاف القديم.

هل تتعرض القوات الفيدرالية للهزيمة في إقليم تيغراي؟

وأمر آبي بشن غارات جوية على المقرات العسكرية في ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي، الأسبوع الماضي، وحث المدنيين على تجنب التجمعات للحد من "الأضرار الجانبية".

وأفاد تقرير استشاري للأمم المتحدة وزع صباح الأحد عن "غارة جوية جارية في ميكيلي" بالقرب من المطار.

وقال قائد الجيش الجديد برهانو لصحيفة حكومية يوم الأحد إن الجيش يسيطر على عدة بلدات بالقرب من الحدود بما في ذلك دانشا وشير لكنه لم يذكر متى سيطر الجيش على المناطق.

وكان من المستحيل التحقق من صحة التقرير حيث تم إغلاق الاتصالات في منطقة تيغراي منذ يوم الأربعاء.

وقبل ساعات من تعيينه قائداً جديداً للجيش نقل تقرير إعلامي رسمي عن برهانو (الذي كان نائباً لقائد الجيش) قوله إن القوات الفيدرالية "دمرت بالكامل الأسلحة الثقيلة للعصابة الخائنة"، في إشارة إلى جبهة تحرير شعب تيغراي، الحزب الحاكم الإقليمي.

وقال برهانو أيضاً إن القوات الفيدرالية "استولت بالكامل" على أربع بلدات في غرب تيغراي.

لكن مصدراً في الأمم المتحدة قال لوكالة فرانس برس السبت إن تقريراً للأمن الداخلي قال إن قوات إقليم تيغراي احتلت مقر القيادة الشمالية الإثيوبية في ميكيلي.

وهذه القاعدة الرئيسية هي واحدة من أكثر القواعد المدرعة في البلاد، وهي إرث من حرب إثيوبيا مع إريتريا المجاورة التي تقع على حدود منطقة تيغراي.

فهذه المقاطعة الشمالية هي موطن لستة ملايين شخص – 5% من سكان إثيوبيا البالغ عددهم 109 ملايين نسمة- وأكثر نفوذاً من العديد من المناطق الأخرى الأكبر. كما أن لديها قوة شبه عسكرية كبيرة وميليشيا محلية جيدة التدريبات، بينما يتمركز جزء كبير من الأفراد العسكريين الفيدراليين والكثير من معداتها هناك أيضاً بسبب الحرب مع إريتريا المجاورة مع الإقليم.

وقالت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير حديث: "بالنظر إلى قوة قوات الأمن التابعة لتيغراي، يمكن أن يطول أمد أي صراع".

وتحدث آبي يوم السبت مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، الذي "عرض مساعيه الحميدة".

البلاد قد تشهد تدفقاً لـ9 ملايين مشرد

ودعا تقرير للأمم المتحدة السبت "جميع الأطراف المتحاربة، على جميع المستويات، إلى السماح بوصول المساعدات الإنسانية دون انقطاع إلى السكان المتضررين" في تيغراي، محذراً من أن الاضطرابات المرتبطة بالنزاع "تساهم في تدهور السياق الإنساني".

وأشارت الأمم المتحدة إلى أن المنطقة تؤوي 100 ألف إثيوبي نازح وحوالي 100 ألف لاجئ و"ما يقرب من 600 ألف شخص يعتمدون على مساعدات الإغاثة الغذائية".

وقال التقرير إن ما يقرب من تسعة ملايين شخص بالقرب من حدود تيغراي "معرضون لخطر كبير بسبب هذا الصراع"، مما يزيد من احتمال حدوث "نزوح جماعي داخل إثيوبيا وخارجها".

حتى الأورمو الذين ينتمي إليهم ساخطون

وتولى آبي أحمد السلطة بعد احتجاجات على الحكم السابق الذي يهيمن عليه التيغراي، وكما كان أول زعيم يحكم إثيوبيا من أكبر جماعة عرقية في البلاد، الأورومو، الذين اشتكوا لعقود من التهميش الاقتصادي والثقافي والسياسي، وكانوا وراء الكثير من الاضطرابات المتزايدة التي أدت إلى تعيين آبي، ولكنهم اليوم ينتقدونه أيضاً.

ونظر لآبي أحمد على أنه إصلاحي سوف يعزز الديمقراطية وأطلق سراح المعتقلين وأبرم سلاماً مع إريتريا منهياً واحداً من أطول النزاعات في إفريقيا، الأمر الذي أهله لينال جائزة نوبل للسلام.

ولكنه راوغ مصر والسودان، في ملف سد النهضة، كما أنه أرجأ الانتخابات التشريعية ومدد البرلمان الذي يهيمن عليه لنفسه، بينما أجرت سلطات إقليم تيغراي انتخابات في الإقليم دون موافقة السلطات المركزية في أديس أبابا وأصبح الطرفان يتبادلان الاتهامات بفقدان الشرعية.

ويعتقد أن آبي أحمد يتحالف مع إريتريا ضد إقليم تيغراي، بالنظر بالعداء بين أسمرة والإقليم منذ الحرب التي قامت بين إريتريا وإثيوبيا في عهد سيطرة التيغراي على السلطة بأديس أبابا.

القوات الإثيوبية تحضر حفل افتتاح سفارة إثيوبيا في مقديشو/رويترز

ويشير الخبراء إلى أنه كان من المستحيل على آبي أن يحرك قواته ضد تيغراي إذا كانت إثيوبيا لا تزال في حالة حرب مع إريتريا. والآن، أسياس أفورقي، الزعيم الاستبدادي لإريتريا، أصبح ودوداً مع آبي أحمد وليس لديه أي مودة للقادة التيغرانيين، الذين هاجموا أفورقي ضمنياً في مستهل الأزمة، علماً أن سكان لغة التيغراي السائدة في الإقليم هي أكبر اللغات انتشاراً في إفريقيا.

وهناك تقارير غير مؤكدة عن تعبئة الجيش الإريتري.

وبالإضافة إلى المشاكل السياسية، واجهت إثيوبيا نقصاً في العملات الأجنبية، وتفاوتاً متزايداً في الدخل، ونقصاً في فرص العمل لعدد كبير من الخريجين- ما لا يقل عن 70% من السكان تحت سن الثلاثين- إضافة إلى المشكلات البيئية، والرغبة الشديدة للتغيير.

ومنذ فوزه بجائزة نوبل، تضاعفت المشاكل في إثيوبيا، وتفاقم الوباء.

ويقول محللون إن إصلاحاته سمحت بظهور مظالم عرقية قديمة ومظالم أخرى، وأدت إلى عدم الاستقرار، حيث أدت أعمال العنف المميتة في وقت سابق من هذا العام إلى موجة من القمع.

وبعد أيام من إطلاق كتاب آبي أحمد في الخريف الماضي الذي تتضمن فلسفته الوحدة الوطنية، أحرق المتظاهرون نسخاً منه في الشوارع.

وفقد آبي أحمد معظم قاعدة دعمه في أوروميا، قال ليما: "لقد ترك النظام السياسي في الجنوب في حالة من الارتباك الشديد… وهو الآن على حافة المجهول مع شعب تيغراي".

رجل الاستخبارات لا يمكن أن يكون مانديلا

ويقارن المراقبون بين مظهر آبي أحمد الإصلاحي السابق، الذي كان يشبه بنيلسون مانديلا وباراك أوباما وميخائيل غورباتشوف وبين آبي أحمد الحالي الذي يتوعد بالحرب.

وتقول صحيفة The Guardian  بالنسبة للبعض فإن آبي الحقيقي هو الذي ظهر الآن فقط.

"أنت لا تأتي من صفوف المخابرات العسكرية والتحالف الحاكم في إثيوبيا وتكون "الرجل الطيب""، حسب تعبير مارتن بلوت الخبير الإقليمي في جامعة لندن.

ويقول تسيدالي ليما، رئيس تحرير مجلة أديس ستاندرد الإخبارية المستقلة في العاصمة الإثيوبية: "إن رواية آبي المصلح مبالغ فيها". "أخشى أن الاستبداد الكامل هو ما يتجه إليه بعد ذلك".

تحميل المزيد