تكرر الحديث عن احتمال تكرار سيناريو الانتخابات الأمريكية عام 2000، حينما تأخر الحسم حتى منتصف ديسمبر/كانون الأول وجاء من خلال قرار للمحكمة العليا، في ظل استمرار عمليات الفرز الآن في بعض الولايات، لكن لماذا مواجهة ترامب وبايدن مختلفة؟
ماذا حدث في انتخابات 2000؟
كان السباق الرئاسي في تلك الانتخابات بين المرشح الجمهوري جورج بوش الابن ومنافسه الديمقراطي ألبرت جور (آل جور) شديد التقارب وبعد ظهور النتائج الأولية في غالبية الولايات، كان آل جور متقدماً بأصوات المجمع الانتخابي وأصبحت ولاية فلوريدا هي الحاسمة للانتخابات بأصواتها الـ29 في المجمع.
وبعد انتهاء الفرز في الولاية كان بوش متقدماً بنحو 1800 صوت فقط، وهو ما أدى إلى إعادة فرز بشكل تلقائي -بحسب قانون الولاية- خصوصاً أنه كان هناك 61 ألف بطاقة اقتراع لم تفرزها ماكينات الفرز، وأظهرت إعادة الفرز بالفعل تقلص الفارق في الأصوات، فسارعت حملة بوش برفع دعوى لوقف عملية إعادة الفرز في الولاية، لكن المحكمة العليا في فلوريدا حكمت بإعادة فرز جميع الأصوات التي لم تفرزها ماكينات الفرز بصورة يدوية.
وصدر الحكم من المحكمة العليا في فلوريدا يوم 8 ديسمبر/كانون الأول، فتوجه فريق بوش القانوني على الفور إلى المحكمة العليا الأمريكية بطلب لنقض قرار محكمة فلوريدا ووقف عملية إعادة الفرز يدوياً، على أساس أن ذلك مخالف لطريقة فرز الأصوات الأخرى في الولاية وهي مخالفة قانونية تنتهك حقاً دستورياً.
في ذلك الوقت كان آل غور حاصلاً على 267 صوتاً في المجمع الانتخابي وجورج بوش حاصل على 242 وبعد انتهاء فرز الأصوات الأولي وإضافة أصوات فلوريدا أصبح بوش 271 صوتاً واحتفل أنصاره بالفوز، لكن قرار المحكمة العليا أوقف عملية إعادة فرز الأصوات يدوياً وكان ذلك في نفس يوم 8 ديسمبر/كانون الأول، وأعلن فوز بوش بالولاية والرئاسة.
قرار المحكمة العليا وقتها صدر بأصوات 5 قضاة ومعارضة 4، وكان القضاة المؤيدين لوقف الفرز يدوياً هم القضاة المحافظين، ومنهم القاضي أنطونين سكاليا الذي بنى رأيه ورأي زملائه على قاعدة "الضرر الذي لا يمكن إصلاحه" والذي قد يلحق برئاسة جورج بوش في حالة استمرار الفرز وتأكيد فوز الرئيس الجمهوري.
ما وجه الشبه مع الموقف الحالي؟
يرى البعض أن سيناريو الانتخابات الجارية حالياً يعيد إلى الأذهان سيناريو عام 2000، خصوصاً في ظل وفاة القاضية غينسبورغ وإصرار ترامب على تعيين إيمي كوني باريت القاضية المحافظة بديلاً لها وهو ما تم بالفعل رغم اعتراض الديمقراطيين، إضافة إلى حديث ترامب المتكرر عن حسم نتيجة السباق من خلال المحكمة العليا في نهاية المطاف.
موقع Axios الأمريكي تناول القصة في تقرير بعنوان "تكرار سيناريو بوش-جور غير محتمل"، رصد الاختلافات بين انتخابات عام 2000 والانتخابات الجارية حالياً، وأبرزها أن هناك بالفعل فرصة سانحة أمام جو بايدن لحسم الانتخابات من خلال المجمع الانتخابي في أي لحظة وبأكثر من سيناريو.
فطريق بايدن إلى تأمين 270 صوتاً في المجمع الانتخابي يبدو ممهداً أكثر، هو الآن حاصل على 264 صوتاً ويتقدم الفرز في نيفادا (6 أصوات) أي أن فوزه هناك يحسم الأمر، كما أن فرص المرشح الديمقراطي في الفوز في بنسلفانيا (20 صوتاً) لا يزال قائماً بشدة، في ظل كون البطاقات المتبقية للفرز كلها تصويت عبر البريد، والأمر نفسه يظل احتمالاً قائماً في جورجيا ونورث كارولينا وإن بنسبة أقل.
وهذه المؤشرات تجعل الخبراء يقولون ببساطة إنهم لا يرون بعد معطيات تكفي لتكرار سيناريو إلقاء مصير الانتخابات الرئاسية بالكامل على عتبة قضاة المحكمة العليا كما يحاول ترامب أن يفعل، فعملية فرز الأصوات نفسها لا تزال مستمرة وبالتالي من المستحيل التوصل لتوقعات مؤكدة، ناهيك عن توقع هذا السيناريو الخاص بوصول الحسم للمحكمة العليا.
ماذا يريد ترامب؟
وبالنظر إلى طبيعة الدعاوى التي رفعها ترامب بالفعل، يتضح أن السيناريو بالفعل مختلف هذه المرة. ففي جورجيا، قالت حملة ترامب مساء الأربعاء 4 نوفمبر/تشرين الثاني أنهم رفعوا دعوى قضائية يطالبون من خلالها المقاطعات في الولاية "بفصل أي بطاقات اقتراع وصلت متأخرة عن البطاقات الأخرى التي تم الإدلاء بها بطريقة قانونية"، على أساس أن مسؤولي إحدى المقاطعات قبلوا بالفعل 53 بطاقة اقتراع جاءت متأخرة وهذا غير قانوني، وفي ظل كون الفارق بين ترامب وبايدن ضيق للغاية، يصبح طلبهم قانونياً.
وفي ويسكنسون قالت حملة ترامب إنها ستطالب بإعادة الفرز، وقد حدث بالفعل إعادة فرز للأصوات في نفس الولاية الانتخابات الماضية 2016 بين ترامب وهيلاري كلينتون وجاءت نتيجة إعادة الفرز مختلفة عن النتيجة الأولى بفارق 131 صوتاً فقط، علماً بأن بايدن متقدم الآن في ويسكنسون بأكثر من 20 ألف صوت.
وفي ميشيغان رفعت حملة ترامب دعوى للسماح بممثليها بالوصول إلى مراكز فرز الأصوات وبوقف عملية الفرز حتى يتم البت في الدعوى، ورفعوا دعوى مشابهة في ولاية بنسلفانيا، لكن الدعوى الأبرز في تلك الولاية تخص قرار محكمة بنسلفانيا العليا بالسماح بعد البطاقات المرسلة عبر البريد والتي تصل حتى يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني طالما أنها مختومة يوم 3 نوفمبر على الأكثر، وهناك دعوى بالفعل مرفوعة أمام المحكمة العليا الأمريكية بهذا الشأن.
ورغم أن المحكمة العليا الأمريكية قد قررت بالفعل لصالح ذلك الإجراء في بنسلفانيا يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن أربعة من قضاة المحكمة قد عبروا بالفعل عن استيائهم من مد مهلة التصويت، وهو ما يعني أن قراراً بقبول مراجعة القرار في بنسلفانيا قد يصدر في أي لحظة.
لكن خبراء القانون يرون أن احتمال قبول مثل تلك الدعوى ربما يكون وارداً في حالة واحدة وهي أن تكون تلك البطاقات التي وصلت متأخرة هي الأصوات الفاصلة في حسم النتيجة في بنسلفانيا وإذا كانت تلك النتيجة في الولاية هي الحاسمة في تقرير مصير الرئاسة ككل، وكلاهما يبدو احتمالاً ضعيفاً للغاية، فرغم ملايين الأصوات المرسلة عبر البريد هذا العام بسبب ظروف الوباء، نسبة ضئيلة منها فقط هي التي وصلت متأخرة.