رغم احتمالات إنفاذ صفقة بيع مقاتلات F-35 الأمريكية لدولة الإمارات بعد موافقة الكونغرس، إلا أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تخرج عن مبدأ الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
واستناداً على قانون مراقبة تصدير الأسلحة الصادر في ستينيات القرن الماضي، تضمن اتفاقية أمريكية إسرائيلية وقعت عام 2008، احتفاظ إسرائيل بتفوقها العسكري النوعي على جميع دول المنطقة، وتشكل هذه الاتفاقية أولوية متقدمة لجميع رؤساء الولايات المتحدة والكونغرس.
وبموجب الاتفاقية الملزمة للإدارات الأمريكية، يجب على الرئيس تقديم تقييم وافٍ للكونغرس يحدد فيه ما إذا كانت أي صفقة تسليح في الشرق الأوسط تهدد التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، وأن تكون الدولة المستفيدة لم ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان وليس لها سجل في نقل أسلحة أمريكية إلى جماعات إرهابية أو منظمات من خصوم الولايات المتحدة وإسرائيل.
الكونغرس متحفظ
ولا يخفي بعض أعضاء الكونغرس مخاوفهم من تمرير صفقة مقاتلات الجيل الخامس الأحدث في العالم والأكثر تقدماً، واحتمالات استخدامها في الحرب باليمن أو ليبيا، حيث يعاني البلدان من تدخلات الإمارات في الحرب الأهلية بهما، وما يرافقها من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
وتواجه الإمارات اتهامات بارتكابها جرائم حرب في ليبيا بعد هجوم على مركز احتجاز لاجئين ومهاجرين غير شرعيين قرب العاصمة طرابلس، ومسؤوليتها عن مقتل طلاب عسكريين مطلع هذا العام، في أحد مراكز التدريب، إضافة إلى اتهامات من منظمات حقوقية دولية بممارسة التعذيب على نطاق واسع ضد خصوم لها في مراكز تعذيب خاصة في عدن جنوبي اليمن.
رغبة إماراتية قديمة
وتعود رغبة الإمارات بشراء مقاتلات F-35 لأعوام سابقة حسب مجلة "أخبار الدفاع" الأمريكية، التي نشرت في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 تقريراً تحدث عن رفض واشنطن طلبات متكررة من أبوظبي منذ عام 2014 للحصول على هذا الطراز المتقدم من المقاتلات.
ويعتقد خبراء أمريكيون أن بدايات موافقة الولايات المتحدة على الصفقة ضمن مباحثات سرية تعود إلى فترة الحرب على تنظيم "داعش" بين عامي 2014
و2017، وحاجة واشنطن إلى دعم أبوظبي، لتلعب دوراً في الحملة الجوية للتحالف الدولي ضد التنظيم.
وأبلغ البيت الأبيض في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الكونغرس أنه يعتزم المصادقة على بيع 50 مقاتلة من طراز F-35 للإمارات.
وتأمل الولايات المتحدة وأبوظبي التوصل إلى اتفاق مبدئي على الصفقة بحلول ديسمبر/كانون الأول المقبل، في حال نجح الرئيس الأمريكي في إقناع الكونغرس بتمرير الصفقة المشروطة بعدم استخدامها ضد إسرائيل أو في أي نشاط يهدد أمنها أو مصالحها.
وقد يستغرق تسليم الدفعة الأولى من هذه المقاتلات عدة سنوات، قياساً على صفقة أُبرمت مع بولندا أوائل هذا العام لتوريد 32 مقاتلة، على أن تتسلم الدفعة الأولى منها بحلول 2024.
وستبلغ تكلفة الصفقة مع شركة لوكهيد مارتن المصنعة لهذه المقاتلات، 10.4 مليار دولار.
وفي حال إتمام الصفقة وتمريرها بعد موافقة الكونغرس، ستصبح الإمارات ثاني دولة شرق أوسطية بعد إسرائيل تحصل على هذا الطراز من المقاتلات المتقدمة.
"التفوق" الإسرائيلي
وإسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تحوز مقاتلاتF-35، وهي السلاح الأقوى في مهاجمة مئات الأهداف الإيرانية في سوريا، منذ أواخر 2017. وتمتلك إسرائيل 27 مقاتلة فقط من هذا الطراز، وتطمح إلى امتلاك 75 مستقبلاً.
في البداية اعترض مسؤولون إسرائيليون على الصفقة، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لكن توقيع الإمارات وإسرائيل في واشنطن منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، اتفاقية لتطبيع العلاقات بينهما خفف هذه الاعتراضات. وأصبحت الإمارات ثالث دولة عربية، بعد الأردن ومصر، تقيم علاقات "طبيعية" مع إسرائيل، ثم لحقت بها البحرين.
ولا يزال بعض المسؤولين الإسرائيليين يعارضون إتمام الصفقة، لكن نتنياهو ووزير دفاعه بيني غانتس، قالا عبر بيان مشترك، في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن إسرائيل لن تعارض بيع هذه المقاتلات إلى الإمارات، طالما أن الولايات المتحدة تعمل على تطوير قدراتنا العسكرية وتحافظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.
ولا يستبعد محللون أن تنزع الولايات المتحدة الكثير من الميزات المتقدمة من هذه المقاتلات، للحفاظ على تفوق سلاح الجو الإسرائيلي على نظرائه في المنطقة.
المخاوف الإسرائيلية الحقيقية
ليس لدى إسرائيل مخاوف أمنية مصدرها الإمارات، لكنها تتخوف من سباق تسلح في المنطقة يطيح بتفوقها العسكري الجوي، إضافة إلى تخوفات مستقبلية تتعلق بالمتغيرات الجيوسياسية المحتملة في مواقف دول المنطقة، حيث يبلغ العمر الافتراضي لمقاتلات F-35 نحو 40 عاماً.
ومن بين الأسباب التي "قد" تدفع الكونغرس لتمرير الصفقة هي الرغبة في تعزيز القدرات العسكرية الجوية الإماراتية، وربما السعودية أيضاً في المستقبل، لمواجهة إيران العدو المشترك للولايات المتحدة والإمارات والسعودية وإسرائيل.
فالإدارة الأمريكية تولي اهتماماً أكبر بمواجهة التهديدات في المحيط الهندي وبحر الصين، مع احتمالات سحب المزيد من قواتها من الشرق الأوسط، لتعزيز وجودها العسكري هناك.
واشنطن تخشى التقارب الإماراتي الروسي
كما تتخوف الولايات المتحدة من احتمال خسارة التحالف مع الإمارات لصالح روسيا، بعد أن باتت أبوظبي ضالعة بدعم النظام السوري، حليف موسكو، وميليشيات اللواء المتمرد في ليبيا خليفة حفتر.
ويمكن لمثل هذه الصفقة أن تشجع الصين وروسيا على تعزيز القدرات الدفاعية الإيرانية لمواجهة التفوق الجوي الإماراتي، وهو ما تخشاه قيادات عسكرية أمريكية وإسرائيلية.
ووقعت الإمارات في يونيو/حزيران 2018، أول اتفاقية شراكة استراتيجية مع روسيا، تعززت بشكل أكبر بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للإمارات في أكتوبر/تشرين الأول 2019، كما وقعت اتفاقيات تجارية بقيمة تتعدى 1.3 مليار دولار.
وتحاول الولايات المتحدة، عبر تمرير صفقة المقاتلات، دفع الإمارات باتجاه فض الشراكة مع روسيا، خشية نقل التقنيات الروسية المتطورة إليها، خاصة ما يتعلق بتطوير منظومة الدفاع الصاروخية S-400 في مواجهة المقاتلات الأمريكية المتقدمة F-35.
وتطمح الإمارات إلى لعب دور إقليمي وعالمي يفوق قدراتها الحقيقية، سواء البشرية أو العسكرية، إذ دخلت بشكل مباشر أو غير مباشر، في معظم الصراعات الداخلية بالمنطقة العربية والشرق الأوسط والقارة الإفريقية، ومنها ليبيا واليمن وأفغانستان ودول الساحل الإفريقي وغيرها.
وبشكل غير قانوني، تقدم الإمارات، وفق بيانات للأمم المتحدة، أسلحة لميليشيا حفتر في ليبيا، بالتنسيق مع روسيا، التي وفرت للإمارات متعاقدين أمنيين من مجموعة "فاغنر"، لدعم ضربات الطائرات المسيرة الإماراتية.
الضغط على الكونغرس
وسيكون من المفيد لإسرائيل أن تستثمر الصفقة الإماراتية في ممارسة ضغوط عبر مجموعات الضغط في الكونغرس، للحصول على مزيد من الدعم فيما يتعلق بالاعتراضات على بناء المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة، أو إعادة العمل بقرارات ضم أراضٍ فلسطينية "المعلقة مؤقتاً"، وهي في حقيقتها من بين بنود مبادرة السلام الأمريكية (صفقة القرن)، التي يرفضها الفلسطينيون.
وتعد الإمارات شريكاً أساسياً لكل من إسرائيل والولايات المتحدة والدول الحليفة لها في السعي لكبح جماح التهديدات الإيرانية، وتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة.
ويعتقد الأمريكيون أن حصول الإمارات على مقاتلات F-35 سيشكل رادعاً لأي عمل أو تهديد عسكري مصدره إيران يستهدف المصالح الأمريكية ومصالح الدول الحليفة والشريكة في الخليج العربي والشرق الأوسط.
كما يمكن لمثل هذه المقاتلات المزودة بتقنيات استطلاع متطورة، أن توفر للولايات المتحدة مزيداً من المعلومات عن شبكات الدفاع الجوي الإيرانية والمواقع الحيوية للقوات الإيرانية وقوات الحرس الثوري الإيراني.