الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يزايد على اليمين في الموقف من الإسلام الراديكالي، فعندما قتل جهادي 3 أشخاص في كنيسة في إقليم كوت دازور الفرنسي، دعت الزعيمة اليمينية المتطرفة مارين لوبان لترحيل الأجانب المُشتبَه في أنهم متطرفون وفرض حظر على الجماعات التي تدعم الأيديولوجية المتطرفة.
ولم تكد تصريحاتها تلفت الانتباه، حتى سبقها إليه إيمانويل ماكرون، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
ومباشرة عقب هجمات الأسبوع الماضي، أرادت لوبان إعلان "حالة الحرب"، لكن في هذا لم تتفوق على ماكرون أيضاً.
فمنذ مارس/آذار الماضي، أشار ماكرون إلى أنَّ فرنسا في حالة حرب لحشد الدولة لمحاربة فيروس كورونا المستجد. وأعلن رفع درجة التأهب الأمني ضد الإرهاب لأقصى درجاتها، وتحدث عن "معركة وجودية" من أجل الحفاظ على أسلوب حياة البلاد.
لوبان تتصاعد شعبيتها لأسباب أخرى
ومن شأن عودة ظهور مشكلة فرنسا مع الإسلام الراديكالي، قبل 18 شهراً على موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية، أن يُوفِر مثل العادة فرصة أمام زعيمة التجمع الوطني المناهض للهجرة، مارين لوبان، في الوقت الذي تسعى فيه إلى التنافس مرة أخرى مع خصمها اللدود ماكرون.
ويرى مستشارو ماكرون أنَّ مارين تمثل تهديداً خطيراً، وأظهر استطلاع حديث للرأي ارتفاع انجذاب الفرنسيين للشخصيات المناهضة للمؤسسة. ويقول مستشاروه إنَّ الرئيس لا يتحدث عن القضايا التي تمس حياة الشعب اليومية، مثل الأمن وعلاقة فرنسا بالإسلام، لاستمالة مؤيدي مارين، بل لمعالجة المخاوف الحقيقية في المجتمع الفرنسي. ومع ذلك، أقروا أنه من المهم عدم ترك هذه المواضيع لها.
وفي هذا السياق علَّق أوس سنيغير، الأستاذ بمعهد الدراسات السياسية في ليون "يحتاج ماكرون إلى إظهار أنه يتخذ خطوات بشأن قضايا الأمن، وأنه لن يترك هذا المجال لليمين المتطرف".
ومع ذلك لا توجد ضمانات بأنه سينجح. إذ قال سنيغير: "عادة ما يتولى اليمين أو اليسار المتطرف ملف غياب الأمن الثقافي. ولم يُحسَم بعد تمتع ماكرون بالأفضلية لأنه سبقهم في مخاطبة هذه القضايا".
إذ لا يزال أمام ماكرون طريق طويل ليقطعه.
بدأ برؤية ليبرالية تصالحية
فحين جاء ماكرون إلى الرئاسة، قدَّم رؤية ليبرالية للتعايش بين المجتمعات الدينية والعرقية المتنوعة في البلاد، وأعرب عن أمله في مصالحة المواطنين مع الاتحاد الأوروبي. لكن الصورة المأخوذة عنه في الخارج بوصفه شاباً تقدمياً تتعارض مع موقفه المحافظ بشأن بعض القضايا ومنهجه التنازلي في إدارة شؤون الدولة (انتقال الأوامر من أعلى إلى أسفل).
إضافة إلى ذلك، لم يتمكن ماكرون حتى الآن من مداواة المجتمع المنقسم والساخط بشدة الذي ورثه. وشكَّلت خططه لزيادة ضريبة الوقود ضربة قوية له؛ إذ أشعلت حركة الاحتجاج الشعبية المعروفة باحتجاجات السترة الصفراء. وتعرض حزبه لانتقادات شديدة في الانتخابات البلدية في يونيو/حزيران، وفشل في الفوز بمدينة كبيرة واحدة. وعانى كذلك للحفاظ على الشعبية التي حظى بها في البداية بين الجماعات اليسارية.
ماكرون يزايد على اليمين في الموقف من الإسلام الراديكالي
وعلى الصعيد الانتخابي، من المنطقي اتباع استراتيجية للوصول إلى بعض الساخطين على السلطة. لكن البعض يتساءل عن التكلفة التي ستتحملها الجمهورية الفرنسية في سبيل ذلك.
من جانبها، قالت ريم-سارة علوان، باحثة قانونية فرنسية، في تغريدة على تويتر: "أمضى اليساريون واليمينيون وقتهم في تنفيذ سياسات اليمين المتطرف، باستخدام خطاب اليسار المتطرف، وبمشاركة سردهم. تذكروا كلماتي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، من المرجح أن يصل اليمين المتطرف إلى الجولة الثانية وسيطلب منّا جميع السياسيين التصويت على النحو الذي ينقذ الجمهورية".
وبالفعل يتضح منذ وقتٍ أنَّ ماكرون يحاول استمالة الناخبين من تيار اليمين.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أجرى ماكرون مقابلة مطولة مع مجلة Valeurs Actuelles الفرنسية اليمينية المتطرفة، قال فيها إنَّ السلطات كانت متساهلة في ترحيل أولئك الذين دخلوا إلى فرنسا خلافاً للقانون. وأضاف: "هدفي هو طرد كل شخص ليس لديه سبب ليكون هنا".
إضافة إلى ذلك، اتصل ماكرون بشخصيات مناهضة للمؤسسة مثل إريك زمير، بعد أن تعرض المعلق السياسي لهجوم في الشارع بسبب آرائه. وكان زمير، الشهير بلقب مشجع "فوكس نيوز الفرنسية"، قد وصف ذات مرة المهاجرين، بمن فيهم القُصّر غير المصحوبين بذويهم، بأنهم "لصوص، وقتلة، ومغتصبون. هذا كل ما هم عليه. يجب إعادتهم من حيث جاءوا".
ولكن فرنسا كلها ستدفع الثمن
وعلى الرغم من أنَّ ماكرون لا يستخدم صراحةً مثل هذه المصطلحات العدوانية، فإنَّ وزير داخليته الجديد لا يتردد في فعل ذلك.
إذ تحدث جيرالد دارمانان عن محاولة منع العودة إلى "الهمجية"، وهو مصطلح يستخدمه اليمين المتطرف للإشارة إلى العرب والأفارقة. ويصر طوال الوقت على أنه لا يستهدف دين الإسلام بل الأيديولوجيا الإسلاموية.
وحين أزاح ماكرون الستار عن مقترحه لمحاربة الإسلام الراديكالي في 2 أكتوبر/تشرين الأول، حَمَل خطابه الكثير من لمحات الوسط الليبرالي.
فقد تحدث عن السيطرة على الأئمة ووصف الإسلام بأنه دين يمر بأزمة، ومع ذلك، اعترف بدور الاستعمار وقال إنَّ الحكومات الفرنسية المتعاقبة خذلت المواطنين المسلمين. وتعهد بتحسين أوضاع وفرص المهاجرين الذين يعيشون في العشوائيات. ولقي الخطاب استحساناً عاماً من القادة المسلمين المعتدلين، ولكن زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلينشون انتقد خطاب ماكرون وقال إنه يستهدف المسلمين.
بيد أنَّ لهجته العامة ازدادت حدة منذ جريمة قتل المدرس المروعة، وموجة الرعب والخوف التي اجتاحت فرنسا.
ووفقاً لجان إيف كامو، الذي يكتب عن أقصى اليمين في فرنسا، يهدف ماكرون في الحقيقية إلى تبني لغة أكثر مصداقية من خصومه الجمهوريين التقليديين المنتمين ليمين الوسط.
وقال كامو: "جذب ماكرون تأييد يمين الوسط، لكنه ليس اليمين الأكثر تحفظاً. لذا، ما يمكنه فعله بل وينبغي عليه، هو الظهور بمظهر حازم مثلهم. وهذا ما يفعله الآن".
يضفي الشرعية على السياسات اليمينية المتشددة، والنتيجة قد تكون صادمة له
من ناحية أخرى، يعرب بعض المقربين من ماكرون عن عدم ارتياحهم من تطور حزبه بعيداً عن الوسط. وهناك أيضاً خطر إضفاء ماكرون الشرعية على المواقف السياسية اليمينية المتشددة من دون أن ينجح في استمالة هذه الفئة من الناخبين.
علاوة على ذلك، فإنَّ رهانه محفوف بالمخاطر، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من رئيس الوزراء الاشتراكي السابق ليونيل جوسبان.
فقد بنى جوسبان حملته الرئاسية لعام 2002 حول قضايا السلامة، ومع ذلك فشل في الوصول للجولة الثانية من التصويت على الرغم من الاقتصاد المزدهر.