كانت المقاتلة سو-27 أفضل طائرة حربية لدى الجيش السوفييتي ورغم انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي ذاته، لا يزال حلف الناتو يحسب حساباً كبيراً لتلك الطائرة بالتحديد، فما قصتها ولماذا تحظى بكل هذا الاحترام؟
مجلة The National Interest الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "ربما تكون مقاتلات "سوخوي-27″ الروسية قديمة.. لكن الناتو لا يزال يخشاها لسبب قوي"، تناول نشأة الطائرة ومراحل تطورها وأسباب تمتعها بتلك السمعة المخيفة.
النشأة
بالنسبة للغرب، تعتبر مقاتلة سوخوي من طراز "سو-27″- التي يلقبها الناتو بـ"الفلانكر" أو حامي جناح الجيش- أفضل مقاتلة سوفييتية في الحرب الباردة. وكان الهدف من نشرها هو إلحاق الهزيمة بالمقاتلات الأمريكية فوق وسط أوروبا في نزاع بين حلف الناتو وحلف وارسو، وحماية المجال الجوي للاتحاد السوفييتي ضد غارات القاذفات الأمريكية. ونجت "سو-27" من نهاية الحرب الباردة لتصبح واحدة من المقاتلات الرائدة عالمياً في معدلات التصدير.
ظهرت "سو-27" ضمن الفئة العالية مرتفعة التكلفة من مزيج المقاتلات الذي تبنته الولايات االمتحدة والاتحاد السوفييتي في السبعينيات والثمانينيات، الذي كان يضم مقاتلات عالية المستوى محدَّدة المهام وأخرى منخفضة متعددة المهام، وفي القوات الجوية الأمريكية، تمثَّل هذا المزيج في مقاتلات "إف-15" و"إف-16″، وكذلك "إف-14″ و"إف إيه-18" في البحرية الأمريكية، فيما أسهمت مقاتلات "ميغ-29″ -التي لقبها الناتو بـ"فالكروم" أو نقطة الارتكاز- بدور المقاتلات الخفيفة منخفضة التكلفة في المزيج السوفييتي.
عَمِلَت شركة سوخوي الروسية على تصميم "الفلانكر" وهي تضع نصب عينيها قدرات "إف-15 إيغل"؛ لذا جاءت المقاتلة الوليدة شبيهة في نواحٍ كثيرة بالطائرة الأمريكية "إيغل" السريعة وطويلة المدى. وفي حين تتمتع "إيغل" بهيكل يبدو بصحة جيدة ويتغذى جيداً، فإنَّ "فلانكر" لها مظهر جائع وهزيل، وعلى الرغم من تصميمها لتكون طائرة تفوق جوي، أثبتت "سو-27" -على غرار "إيغل"- أنها مرنة بما يكفي للتكيف مع مهام الاعتراض والضربات الأرضية. وطوَّرت سوخوي أيضاً عائلة متنوعة من المقاتلة، والمُخصَّصة لمهام معينة، لكنها تحتفظ جميعاً بالقدرات الشاملة والأدوار المتعددة.
ودخلت "سو-27" الخدمة بوتيرة أبطأ من نظيراتها من الجيل الرابع في الولايات المتحدة (أو تحديداً "ميغ-29")، وأفسدت سلسلة من الاختبارات الكارثية السنوات الأولى لبرنامج دخولها الخدمة؛ إذ مات العديد من الطيارين في الإصدارات المبكرة من "فلانكر"، ثم مع دخولها الخدمة في منتصف الثمانينات، أدت مشكلات الإنتاج إلى إبطاء انتقالها إلى الخطوط الأمامية، وبالطبع، أدت نهاية الحرب الباردة إلى تقليص الإنتاج الكلي للطائرة.
قدرات قتالية مذهلة
وتتمتع "سو-27" بقدرات مذهلة. ويمكن أن تحلق "فلانكر" بسرعة 2.35 ماخ (1234 كيلومتراً) مع نسبة قوة دفع إلى وزن أعلى من واحد (حسب حمولة الوقود). ويمكنها حمل ما يصل إلى ثمانية صواريخ جو-جو (عامة ذات مدى من قصير إلى متوسط، ويوجد أنواع أخرى من هذه الطائرة متخصصة في القتال بصواريخ يتجاوز مداها الرؤية البصرية) أو مجموعة من القنابل والصواريخ. وفي يد طيار متمرس، يمكن للطائرة "سو-27" تنفيذ مجموعة مُربِكَة من المناورات، وقد أسعد الكثير منها جمهور العروض الجوية في أنحاء روسيا وأوروبا.
وأثبت إطار "سو-27" الأساسي مرونة ملحوظة. وحدَّثت القوات الجوية الروسية معظم أسطولها الحالي من طراز "فلانكر" بإدخال مجموعة متنوعة من إلكترونيات الطيران المتقدمة؛ مما أدى إلى تحسين قدرتها الجوية ومنحها قدرة هجوم أرضي فعالة إضافية. وحصلت العديد من نسخ "فلانكر" على تصنيفات خاصة بها، وتحديداً فيما يخص التصدير.
التصدير
حظيت النسخة الأصلية من "فلانكر" بنجاح هائل في التصدير الأول، ولا تزال تحلق ضمن إحدى عشرة قوة جوية في أنحاء العالم. لكن أكبر سرب منها يحلق في الخدمة الروسية بعدد 359 طائرة، ثم الصينية بعدد 59 طائرة. وفي بعض النزاعات المشتعلة (روسيا وأوكرانيا، وإثيوبيا وإريتريا، وفيتنام والصين) يُسيِّر كلا الجانبين "سو -27". وإجمالاً، دخلت 809 مقاتلات "فلانكر" الخدمة، بالإضافة إلى أوامر إنتاج ضخمة للعديد من نسخها.
تسبب نقل مقاتلات "سو-27" إلى الصين في حدوث قدر مفاجئ من الاحتكاك بين موسكو وبكين. وقد اشترت الصين بعض طائرت "فلانكر" الجاهزة، ووافقت على الإنتاج المشترك لمجموعة أخرى، وحصلت على ترخيص لإنتاج طائرات إضافية. ومع ذلك، سرعان ما اتهمت روسيا الصين بانتهاك شروط الاتفاقية من خلال تثبيت إلكترونيات الطيران الخاصة بها على الطائرة الصينية من طراز "جي-11" (وعيَّن الصينيون طائرات فلانكر خاصة بهم)، والاستيلاء على الملكية الفكرية الروسية وتطوير ناقل بديل (التي أصبحت في النهاية مقاتلة "جي-16"). وأدى الخلاف إلى إخماد الحماس الروسي لتصدير الأسلحة إلى الصين، وهو الوضع الذي لا يزال مستمراً حتى اليوم.
القتال
بالنسبة لطائرة تتمتع بهذه القدرات الرائعة، لم تشارك "سو-27" في القتال إلا مرات قليلة نسبياً. وقد نفذت مهام قتالية في العديد من المسارح في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أنها لم تخدم بعد في حملة تفوق جوي متواصلة. وحلقت طائرات "فلانكر" في بعض الحروب التي شابت تفكُّك الاتحاد السوفييتي، وشكَّلت جوهر القوة الجوية الروسية في حروب إعادة توحيد روسيا. وفي الواقع، حلَّقت طائرات "سو-27" على جانبي الصراع المُتقَطِّع في أوكرانيا. وتطير "سو-27" أيضاً في الخدمة الروسية حالياً في سوريا. وفي الخدمات الخارجية، حلَّقَت الطائرة "سو-27" في الحرب الأهلية الأنغولية والحرب الإثيوبية-الإريترية، وفي هذه الأخيرة، سجلت انتصاراتها الجوية الوحيدة (على طائرات ميغ -29 الإريترية).
كانت "سو-27" هي آخر مقاتلات الجيل الرابع الرئيسية التي دخلت الخدمة، وقد أثبتت أنَّ تصميمها ناجح للغاية. ونظراً لأنها كبيرة وقوية بما يكفي لتحمل عدداً من التعديلات والتحسينات، يجب أن تستمر "فلانكر" في المشاركة في الخدمة (وحتى مواصلة إنتاجها) لبعض الوقت. وهذا صحيح تحديداً في ظل الشكوك المرتبطة بمستقبل المقاتلات الشبحية من الجيل الخامس "باك فا"، التي يُعتزَم أن تكون البديل لطائرات "ميغ-29″ و"سو-27".