انتخابات برلمان في مصر.. يراها مؤيدو السلطة “عرساً ديمقراطياً”، لكن أين المعارضة؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/10/29 الساعة 09:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/01 الساعة 05:04 بتوقيت غرينتش
انتهت المرحلة الأولى من انتخابات البرلمان/ رويترز

كشفت انتخابات مجلس النواب في مصر عن حفاظ أنصار النظام على "وجبتهم الدسمة"، التي "تُطبخ" على "موقد" السلطة كل 5 سنوات، لكنها هذه المرة تخلو من "ملح" المعارضة بشكل لافت.‎

وطفت على سطح الانتخابات، منذ انطلاق اقتراع مرحلتها الأولى في 14 محافظة السبت والمؤمنة من تداعيات فيروس "كورونا"، اتهامات لمعارضة الداخل بـ"الضعف"، ولأنصار النظام باستخدام "المال السياسي".

ويقام اقتراع مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) بعد وقت قصير من انتخابات لمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية) أظهرت سيطرة واسعة لمؤيدي النظام، ويقام اقتراع المرحلة الثانية في انتخابات مجلس النواب يومي 7 و8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في 13 محافظة، بينها العاصمة القاهرة، بعد أن أظهرت المرحلة الأولى سقوط أسماء كبيرة من مؤيدي النظام، مثل الصحفي عبدالرحيم علي.

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي

وهذه ثاني انتخابات للبرلمان منذ إقرار دستور 2014، وكان قد تم انتخاب المجلس الأول في 2015، وسط مقاطعة لافتة من قوى معارضة، ويحق لنحو 63 مليون ناخب من أصل 100 مليون نسمة التصويت في هذه الانتخابات، لاختيار 568 نائباً من أصل 596 عضواً في مجلس النواب، على أن يقوم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتعيين النواب الباقين.

ويتنافس أكثر من 4 آلاف مرشح على 284 مقعداً من أصل 568 بالنظام الفردي، فيما تتنافس 8 قوائم على 284 مقعداً بنظام القائمة الحزبية، وتتنافس قائمتان رئيسيتان هما "من أجل مصر" و"نداء مصر"، وأغلبهما من الأحزاب الموالية للسلطة، غير أن الأولى هي الأقرب للنظام والأكثر حظاً، فيما تحدثت الثانية، مع خسارة أولية، عن ما سمّته "خروقات فجة"، حسب تقرير لوكالة الأناضول.

ويعني الانتخاب بنظام القائمة المغلقة أن يفوز أعضاؤها جميعاً بجميع مقاعد القائمة في الدائرة الانتخابية إذا ما حصلت على أكثر من 50% من أصوات المقترعين، وأفرزت المرحلة الأولى من الانتخابات حتى الآن ملامح أولية ربما تتكرر، وفق مراقبين، بشكل كبير في مرحلتها الثانية، خاصة أن التفاصيل متشابهة ومعظم المتنافسين من خندق الموالاة للنظام.

"شراء أصوات"

بشكل لافت، برزت كلمتا "المال السياسي" بين صفوف المؤيدين للنظام خلال المرحلة الأولى في صورة بدت وكأنها تشكيل لمعارضة من داخل النظام، لاسيما أنها ترددت بقوة في صفوف شخصيات ذات ثقل مؤيدة للنظام، لملء إناء انتخابي فارغ من معارضين بارزين.

فقبل أكثر من أسبوع، وعبر صفحته في فيسبوك، ارتدى الصحفي المقرب من النظام عبدالرحيم علي على ما يبدو ثوب المعارضة قائلاً: "دعواتكم فإني أواجه أكبر حملة من مستخدمي المال السياسي جرت في تاريخ مصر الحديث".

عبد الرحيم علي

وخاض علي في دائرة الدقي (غربي القاهرة) مواجهة بارزة مع رجل الأعمال، المقرب من السلطة، محمد أبو العنيين، وأحمد مرتضى منصور، وفاز أبو العينين بمقعد كان يشغله علي، الذي غادر إلى باريس في رحلة عمل وعلاج، وفق موقع "البوابة" الإلكتروني، الذي يترأسه.

وبحسب وسائل إعلام محلية، بينها "اليوم السابع" (خاصة)، تم إلقاء القبض على 6 من أفراد حملة النائبة السابقة مي محمود، بتهم بينها توزيع أموال على ناخبين ليصوتوا لصالحها، بعد تداول هاشتاغ (وسم) مي_محمود_تهين_الشعب، على "تويتر"، عقب وقت قصير من انتقاداتها هي نفسها تلك الظاهرة.

وتوجهت قائمة "نداء مصر" بأكثر من بيان إلى "الشعب المصري والقيادة السياسية"، تشكو فيه من استخدام "المال السياسي" لـ"شراء الأصوات"، و"خروقات فجة"، مشيرة إلى تقديم بلاغ للجنة الانتخابات بالتجاوزات.

ويتصدر حزب "مستقبل وطن"، وفق المؤشرات الأولية، سباق الانتخابات، ويبدو أنه، وهو القريب من السلطة، سيكون الأكثر حظاً لتشكيل أغلبية المجلس المقبل، وبحسب تقارير صحفية، حصد الحزب نحو 70% من مقاعد مجلس الشيوخ، ومن ثم فهو مرشح ليكون ظهيراً سياسياً مؤيداً بقوة للنظام الذي يرفض علناً تشكيل أحزاب.

ويقدم الظهير خدمات منها تسهيل كل الأمور الإجرائية الخاصة بتشكيل رئاسة البرلمان وهيئاته، وتمرير أو اقتراح تشريعات "تعزز من استقرار الدولة في هذه المرحلة الحرجة"، بحسب ما يراه المناصرون للنظام.

أين المعارضة؟

سؤال بات ترديده في الانتخابات الراهنة مقبولاً، خاصة مع تراجع المشاركة الجادة، وعجز أسماء من المعارضة "المستأنسة" داخلياً عن حسم مصير المقاعد التي تتنافس عليها من الجولة الأولى.

ودخل هيثم الحريري، وهو معارض يساري، جولة إعادة في الدائرة الرابعة بمحافظة الإسكندرية (شمال)، ولا يمكن الجزم بحظوظ وافرة للحريري، وإن كانت ليست مستحيلة، فليس من مصلحة النظام أن يأتي ببرلمان خالٍ تماماً من المعارضة، كذلك الذي كان أحد أسباب ثورة شعبية أطاحت بنظام الرئيس الأسبق الراحل محمد حسني مبارك.

ومن المحتمل أن يتواجد أكثر من اسم معارض في البرلمان المقبل، حتى لو استدعى الأمر أن يعين السيسي معارضين، لاستكمال ما يراه مؤيدون "عرساً ديمقراطياً لم يشهد خروقات"، ورفضاً للنظام الحالي، تغيب عن هذه الانتخابات جماعة الإخوان المسلمين، التي يعتبرها النظام تنظيماً إرهابياً ومثلت الظهير المعارض القوي في انتخابات سابقة.

السيسي وعلي عبدالعال في مجلس النواب المصري/ رويترز

واعتبر أحمد موسى، وهو إعلامي مقرب من السلطة، في حديث متلفز، أن الانتخابات الراهنة تمثل "دفناً" للجماعة، التي ترفض الإطاحة بالرئيس الأسبق الراحل محمد مرسي، المنتمي إليها، صيف 2013، وفي كل جولة انتخابية تتكرر اتهامات لمعارضة الداخل بالضعف وعدم القدرة على تنظيم صفوفها في مواجهة النظام، بينما يرد معارضون بأن المناخ العام لا يساعد على إيجاد عملية ديمقراطية، وهو ما تنفيه السلطة عادة.

تراجُع السلفيين وسقوط الكبار

التيار الديني يخوض هذه الانتخابات في ثوب حزب النور السلفي، وباتت فرصه، وفق مراقبين، ضعيفة وأقرب لتكرار "صفر" مجلس الشيوخ، الذي جناه رغم أنه عادة لا يُحسب على المعارضة، فهو أقرب للنظام، وفي برلمان 2012، حاز الحزب على 96 مقعداً وحل في المرتبة الثانية، وربح 45 مقعداً في انتخابات مجلس الشورى (الغرفة الثانية آنذاك) في العام ذاته.

وتراجعت مقاعده في برلمان 2015 إلى 12 فقط، قبل أن يحصد "صفراً" في انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية) مؤخراً.

كما أظهرت الجولة الأولى سقوط أسماء كبيرة مؤيدة للنظام، خاضت منافسة مع موالين كبار أيضاً، وأبرزهم عبدالرحيم علي، الذي ظهر له تسريب صوتي عشية الانتخابات يهاجم فيه رأس النظام ويقلل من هيبة القانون والدولة، قبل أن ينفي صحته ويقول إنه مفبرك.

مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك
مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك

وكذلك خرج من السباق أحمد، نجل مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك، فيما ينتظر الأب خوض انتخابات المرحلة الثانية، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وسط شكوك حول فرصه في الحفاظ على مقعده، بحسب مراقبين.

وبصفة عامة، لا يزال النظام يشعر بأنه مستقر، والمعارك الانتخابية، في غياب مفاصل المعارضة الرئيسية، لا تصبغ الاقتراع بطابع المشاركات الجادة على نحو انتخابات سابقة، لاسيما في 2012، وبالتالي لا يُنتظر أن يتغير شكل البرلمان المقبل عن نظيره عام 2015.

علامات:
تحميل المزيد