أزمات ماكرون لا تقتصر على خلافاته مع المسلمين، فالرئيس الفرنسي دخل في أزمات عدة منذ وصوله، بدأت برئيس أركانه، مروراً بشعبه الذي أهانه ذات مرة، وإيطاليا، البلد الحليف لفرنسا والقريب منه ثقافياً، وصولاً إلى تركيا، وأخيراً العالم الإسلامي برمته.
جاء ماكرون إلى السلطة في فرنسا بخطاب تجديدي، تصالحي مع المهاجرين والمسلمين، ويطالب بعولمة ذات طابع إنساني تجمع معتدلي اليسار والليبراليين، وتعترف بماضي فرنسا الاستعماري.
ولكن سرعان ما فاجأ ماكرون المعجبين بخطاب حاد، ومتعجرف في كثير من المواقف، وتأكيده دوماً على فكرة استغلال القوة والسلطة التي تمنحها له رئاسة الجمهورية الفرنسية.
تحوّل خطاب ماكرون إلى خطاب تقريع دائم لمنافسيه وأصدقائه على السواء.
1- أولى أزمات ماكرون مع رئيس أركان جيشه
كانت أبرز المحطات التي ظهر فيها هذا الأسلوب مع رئيس أركان الجيش الفرنسي، بسبب الخلاف حول الميزانية.
وبسبب هذا الخلاف نُقل عن ماكرون قوله إنه ليس أمام رئيس الأركان سوى الموافقة على ما يقول، وذلك بعد أن انتقد رئيس الأركان خفض الإنفاق الدفاعى فى الميزانية.
وقال ماكرون، الذي يشغل أيضاً منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة بوصفه رئيساً للبلاد، "إذا وقع خلاف بين رئيس أركان الجيش والرئيس.. يذهب رئيس الأركان"، مشدداً على أنه لن يتهاون مع المعارضة العلنية من قِبل الجيش، بعد أن تردّد أن الجنرال بيير دو فيلييه أبلغ لجنة برلمانية بأنه لن يسمح للحكومة بأن "تعبث معه" فيما يتعلق بخفض الإنفاق مستخدماً لفظاً نابياً.
وكتب دو فيلييه في رسالة نُشرت على حسابه على فيسبوك آنذاك "ليس هناك من يستحق أن نتبعه ونحن مغمضي الأعين".
واللافت في هذا الخلاف هو تأكيد ماكرون على فكرة تسلسل القيادة وأنه القائد الأعلى للجيش الفرنسي، وهي مسألة تبدو صبيانية بالنظر إلى أن هذه بديهية في الثقافة الغربية، إذ قال ماكرون إن دو فيلييه لا يزال يتمتع "بثقته الكاملة"، شريطة أن يعرف رئيس الأركان "تسلسل القيادة وكيف تعمل".
وسرعان ما استقال رئيس الأركان من قيادة الجيش الفرنسي.
2- الخلاف مع إيطاليا البلد الذي منح فرنسا لغته
يعد الخلاف مع إيطاليا واحداً من أطول أزمات ماكرون في المدى الزمني، وأكثرها تعقيداً، خاصة أنها مع بلد أوروبي كبير وجار لفرنسا، وتربطه علاقات تاريخية بالفرنسيين، فإيطاليا هي مهد الإمبراطورية الرومانية، واللغة اللاتينية التي تفرعت منها اللغة الفرنسية، والبلدان يعتبران بشكل أو بآخر وريثاً للإمبراطورية الرومانية.
وكانت أبرز محطات الخلاف بين البلدين سجال وصل لتبادل الشتائم، وقع بسبب رفض إيطاليا استقبال المهاجرين في البحر.
ووصل الأمر إلى حرب كلامية، بعد رفض إيطاليا استقبال سفينة تجوب البحر الأبيض المتوسط وعلى متنها أكثر من 600 مهاجر، حيث وصفت باريس موقف الحكومة الإيطالية، بـ"المعيب وغير المسؤول" تجاه هذه المشكلة الإنسانية.
كما قال المتحدث باسم حزبه "الجمهورية إلى الأمام" غابريال اتال، إن موقف إيطاليا بشأن أكواريوس "يثير الغثيان".
وفي المقابل هدَّدت روما آنذاك بإلغاء اللقاء المنتظر بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي، ما لم تعتذر باريس عن كلامها، واستدعت السفير الفرنسي لتسجل اعتراضها على الموقف "غير المقبول".
وهاجم وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني الرئيس الفرنسي قائلاً "ليوقف الوقح ماكرون شتائمه".
ماكرون قد يكون على حق في هذا الخلاف، ولكن الأمر أعمق مما يبدو
قد يكون ماكرون على حق جزئياً في انتقاده لرفض إيطاليا استقبال لاجئين على متن مركب في عرض البحر، ولكن المشكلة الأساسية في لهجة ماكرون الاستعلائية على إيطاليا، وهي بلد أوروبي كبير، لا يقل سكاناً ولا اقتصاداً بشكل كبير عن فرنسا.
الأهم أنه هذا الدور التوجيهي لا يصاحبه تحمّل فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية مسؤوليتها في تحمل عبء المهاجرين، الذي تحمل أغلبه إيطاليا ودول جنوب أوروبا.
كما أن ماكرون نفسه لم يلبث أن انقلب على سياسته المتعاطفة مع المهاجرين، وبدأ سياسات تقييدية بحق المسلمين في بلاده.
ويمكن النظر إلى هذا الخلاف بين ماكرون وإيطاليا باعتباره جزءاً من خلاف أكبر بين البلدين، سببه الرئيسي تعارُض مصالح البلدين في المتوسط، إضافة إلى شعور إيطاليا بأن فرنسا تُمارس دوراً أكبر من حجمها في الاتحاد الأوروبي، وتحول الاتحاد الأوروبي إلى أداة لتحقيق مصالحها.
إذ يوجد بين البلدين خلاف يتعلق بقضايا عديدة، منها الموقف من الهجرة، وشعور إيطاليا بأن باريس التي كانت يوماً مجرد مستعمرة رومانية تسمى Lutetia Parisiorum تعطيها دروساً في الأخلاق، بينما هي صاحبة الماضي الاستعماري الأسوأ في إفريقيا، وصولاً للخلاف حول الوضع في ليبيا، والذي سبق أن انتقد فيه نائب رئيس وزراء إيطاليا المواقف الفرنسية تجاه ليبيا ومصالح بلاده هناك.
وقد يكون من المفارقات أن الانتقادات الفرنسية للتدخل التركي كان أحد مسوغاتها أن ليبيا تقع على بُعد مئات الكيلومترات من سواحل إيطاليا، في حين أن روما لم تشكُ من هذا التدخل إن لم تكن سعيدة به، بل العكس، فإنها سبق أن شَكَتْ من التدخل الفرنسي الذي يريد استبعاد إيطاليا من كعكة النفط الليبية.
ويرفض الإيطاليون نمط الأخ الأكبر الذي تحاول أن تتعامل به فرنسا مع أوروبا وتحديداً معهم.
قد يقبل الإيطاليون مضطرين حقيقة القيادة الألمانية للاتحاد الأوروبي، بحكم الفارق في حجم السكان والاقتصاد ومستويات الدخل والتقدم التكنولوجي بين بلادهم وألمانيا، فالفارق كبير في الحجم السكاني والاقتصادي بين إيطاليا وألمانيا (الاقتصاد الإيطالي حجمه نصف الاقتصاد الألماني)، ولكن الفارق ليس كبيراً على الإطلاق بين إيطاليا وفرنسا.
فالفجوة في السكان والاقتصاد والتكنولوجيا بين ألمانيا وفرنسا أكبر من تلك الموجودة بين فرنسا وإيطاليا.
لذا ليس من الطبيعي أن تعتبر ألمانيا وفرنسا نفسيهما قادة الاتحاد الأوروبي وإيطاليا من دول الصف الثاني.
وسبق أن قال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي إن ألمانيا وفرنسا تستهزئان بإيطاليا والاتحاد الأوروبي بتوقيعهما معاهدة للعمل على منح ألمانيا مقعداً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
3- أزمة ماكرون مع الفرنسيين، لماذا غضبوا من وصفهم لهم بقبائل الغال؟
كان من أغرب أزمات ماكرون وصفه للفرنسيين بأنهم "قبائل بلاد الغال المقاومة للتغيير"، وما زاد من الاستياء أنه قال ذلك خلال زيارته للدنمارك، في وقت أبدى إعجابه بتقبل الشعب الدنماركي للتحولات الأخيرة.
وتسبب هذا التصريح في ردود فعل غاضبة إزاء هذا الوصف الكاريكاتوري للشعب الفرنسي من رئيسه، الذي يعتبر نفسه "إصلاحياً".
إذ عبّر في كوبنهاغن عن إعجابه بـ"المرونة" في طرد العمال وتأمينهم (على الطريقة الدنماركية)، ما اعتبره غير ممكن في فرنسا بسبب فوارق ثقافية.
وقال: "كثيراً ما تصطدم رغبته في "تغيير" فرنسا بجمود مفترض لدى الفرنسيين، "هذا الشعب (الدنماركي) اللوثري الذي عاش تحولات السنوات الأخيرة ليس تماماً مثل (قبائل الغال) المقاومة للتغيير".
وتبعت هذه التصريحات مواقف غاضبة، إذ قال رئيس حزب الجمهوريين (يمين) لوران فوكييز "ليس من المقبول سماع رئيس للجمهورية الفرنسية يصور بشكل كاريكاتوري الفرنسيين وهو في الخارج".
وإزاء الجدل، أكد ماكرون أن الأمر لا يعدو أن يكون "دعابة"، مؤكداً حبه لـ"قبائل بلاد الغال"، في إشارة إلى السكان الذين كانوا يعيشون في فرنسا الحالية قبل وصول الرومان، ويفترض أنهم (الغال) أجداد الفرنسيين.
4- السترات الصفراء.. خضع لهم
في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، خرج مئات الآلاف من المحتجين الغاضبين في شوارع فرنسا وهم يرتدون السترات الصفراء، للتظاهر ضد ضريبة وقود جديدة فرضتها حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون.
والحركة التي بدأت وفقاً ليورونيوز بـ280 ألف شخص اتفقوا عبر فيسبوك على ارتداء سترات صفراء أثناء التظاهر، في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لا ترتبط بأي حزب سياسي أو نقابة ولا زعيم يحركها.
ورغم أن الاحتجاجات كانت في البداية ضد ضريبة الوقود، فإنها سرعان ما تحولت إلى احتجاجات أوسع ضد عدم المساواة الاجتماعية، وارتفاع تكاليف المعيشة وسياسات ماكرون، خاصة ما يتعلق منها بالإصلاحات الضريبية.
ورغم تراجع ماكرون في ديسمبر/كانون الأول 2018، وإلغاء ضريبة الوقود، لم يكن هذا كافياً لإخماد الاحتجاجات، ما اضطر الرئيس الفرنسي إلى إعلان رفع الحد الأدنى للأجور بمقدار 100 يورو، وخفض الضرائب على أرباب المعاشات.
وأنتجت المشاورات العامة تخفيضات ضريبية بقيمة 17 مليار يورو وغيرها من الحوافز المالية.
في فبراير/شباط 2019، اعترف وزير المالية الفرنسي برونو لومير بأن الاحتجاجات كلفت اقتصاد البلاد نحو 5.7 مليار دولار.
5- إحراج رئيس بوركينافاسو أمام شعبه
وضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نظيره في بوركينافاسو مارك كريستيان كابوري في موقف محرج، أمام حشد من الطلبة، فاضطره إلى مغادرة القاعة خلال زيارة ماكرون لبوركينافاسو، في ديسمبر/كانون الأول 2017.
وأجاب ماكرون عن سؤال حول مشكلة الكهرباء في بوركينافاسو "لن أتحدث عن انقطاع الكهرباء في جامعات بوركينافاسو… هذه مهمة رئيس البلاد، أنا لست رئيس بوركينافاسو".
ثم حاول ماكرون تلطيف الأجواء بعد انسحاب نظيره البوركيني، ودعاه إلى أن يبقى في القاعة، وواصل مازحاً: "لقد ذهب كي يصلح التكييف".
وقد أثار ما فعله ماكرون جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ وصف سياسيون ونشطاء كلامه بالمهين.
6- ضرب الطاولة أمام قادة أوروبا الذي تعاملوا بسخرية مع فقدانه لأعصابه
ضرب ماكرون بيَده على الطاولة في القمّة الأوروبّية في بروكسل، الأحد 19 يوليو/تموز 2020، والتي عُقدت بهدف التوصّل إلى اتّفاق على خطة أوروبية موحّدة للنهوض الاقتصادي لمرحلة ما بعد وباء كوفيد-19، وذلك احتجاجاً على تعنّت بعض نظرائه، حسبما كشف دبلوماسي فرنسي.
وجاء ذلك خلال انتقاد ماكرون لدول أوروبية، يُطلَق عليها اسم "مقتصدة" (هولندا، السويد، الدنمارك، والنمسا) إضافة إلى فنلندا، وهي دول تتبنّى مقاربة متحفّظة للغاية إزاء خطة الإنعاش الاقتصادي.
ونقل عم مستشار في الوفد الفرنسي قوله إنّ ماكرون "كان قاسياً إزاء تناقضاتهم".
الرئيس الفرنسي كان قد انتقد بشكل خاص معارضة هذه الدول لمطلبه بتخصيص جزء كبير من أموال خطة الإنعاش لمواجهة تداعيات كورونا، التي ستموّل بقرض مشترك من الاتحاد الأوروبي، لتقديم إعانات للدول الأعضاء.
كما انتقد ماكرون سلوك المستشار النمساوي سيباستيان كورتز، الذي نهض وغادر الطاولة لإجراء مكالمة هاتفية، وبحسب مصدر أوروبي فإنّ المستشار النمساوي شعر "بالإهانة" من ملاحظة ماكرون.
ووصفت تقارير غربية ما حدث بأن ماكرون فقد أعصابه وضرب الطاولة أمام قادة أوروبا!، وأن وفود الدول الحاضرة تعاملت بسخرية مع موقفه
7- ميركل سئمت "لصق الفناجين التي يكسرها"
سئمتُ من "لصق الفناجين التي تكسرها يا ماكرون"، هذا ما قالته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للرئيس الفرنسي، رغم أنها تعد أقرب حلفائه.
وجاء في مقال لآنّا يورانتسيف، في صحيفة "غازيتا رو" الروسية: تسبب إعلان ماكرون عن "موت الناتو" باستياء أنجيلا ميركل. فخلال مأدبة في الذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين، أخبرت المستشارة الألمانية نظيرها الفرنسي بأنها سئمت من "لصق الفناجين التي يكسرها".
وأشارت إلى أن التناقضات بين الزعيمين لا تقتصر على مسألة الحفاظ على التحالف العسكري.
القضية الأخرى التي يتخذ فيها الرئيس الفرنسي موقفاً مستقلاً هي العلاقات مع روسيا. فقد سبق أن قال ماكرون إن الوقت قد حان لكي "تستيقظ" أوروبا وتتوقف عن التبعية للولايات المتحدة، وعلى وجه الخصوص في بناء الحوار مع موسكو.
كما أن لدى زعيمي الدولتين نظرة مختلفة جذرياً إلى سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية. فالرئيس الفرنسي الطموح، الذي وصل إلى السلطة على وعود بتغيير يتجاوز بلده ليشمل الاتحاد الأوروبي بأسره تبدو عليه علامات نفاد الصبر. بينما رسخت أنجيلا ميركل صورتها كسياسة عملية وحذرة للغاية.
وكما لاحظ المعلق السياسي في صحيفة نيويورك تايمز ستيفان إيلانغير، فـ"هناك أيضاً مخاوف بين الحلفاء من أن يفكر السيد ماكرون في إنشاء ردع نووي في أوروبا، حتى لا يعتمد على الأمريكيين. وهذه الفكرة سوف تضاعف غضب برلين والأوروبيين الوسطيين بدرجة ما، لأنه لا أحد يثق في قدرة فرنسا النووية على تغطية القارة، ولأن الردع النووي البريطاني يعتمد بالكامل تقريباً على الصواريخ النووية الأمريكية".
استغلال صبر الخالة الثرية
وتمثل ميركل الشريك القوي والحذر لماكرون، والتي باتت تقوم بدور الخالة الغنية والعاقلة، التي تحاول حل المشكلات التي يقوم بها ابن أختها المشاغب الصغير.
يقدم ماكرون نفسه على أنه قائد لأوروبا، ولكن الواقع أن ألمانيا بتفوقها الاقتصادي والتكنولوجي الكبير، وموقعها المركزي بين غرب أوروبا والدول التي انضمت حديثاً في الشرق، هي الزعيم الفعلي لأوروبا، ولكن تسمح لفرنسا بالقيام بدور الزعيم المشارك تجنباً لإيجاد شكل من أشكال الهيمنة الألمانية على أوروبا، ولكن ماكرون يريد تحويل هذه الفسحة التي تركتها له ميركل ليورط أوروبا في نزاعات فرنسا أو حتى نزاعاته الشخصية، مثلما فعل مع تركيا، واليوم مع العالم الإسلامي كله.
ولكن ليس هذا الخلاف الوحيد، فهناك خلاف أعمق يتعلق بجغرافيا وسياسات الدولتين، ففرنسا تريد التقارب مع روسيا، والابتعاد عن أمريكا وتركيا والتحالف مع المستبدين العرب، وهي سياسات تخالف مصالح ألمانيا التي ترى بحكم مجاورتها لشرق أوروبا أن روسيا هي الخطر الأكبر على أوروبا، ولذا يجب الحفاظ على العلاقة مع أمريكا، كما أنه يجب حل المشاكل مع تركيا، إضافة إلى أنها تعطي للاعتبارات الأخلاقية أهمية أكثر من فرنسا في مسألة التحالف مع المستبدين العرب وتصدير السلاح لهم.
8- التدخل في ليبيا وصل لبيع صواريخ أمريكية إلى حفتر رغم الحظر
رغم نفي الرئيس الفرنسي مساندة الجنرال الليبي خليفة حفتر، فإن كل الخبراء المعنيين بالأزمة يتعاملون مع الدعم الفرنسي لحفتر باعتباره بديهيات، والأسوأ أن أسلحة أمريكية مصدرة لفرنسا وجدت في حوزة قوات حفتر، واعترف الجيش الفرنسي بأنها كانت تعود ملكيتها له، وتم شراؤها من الولايات المتحدة، لكن قال إنها "غير صالحة للاستعمال".
ويعلق موقع دويتش فيليه الألماني على موقف فرنسا في ليبيا قائلاً "من يكتفِ بمتابعة الأخبار المنتشرة في الإعلام، بخصوص سياسة فرنسا في ليبيا، لن يفهم فعلياً طبيعة الدور الفرنسي في هذا البلد ومصالح باريس الحقيقية. فماكرون يبدو تارة مع الجهود الأممية من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة، وتارة يؤكد دعمه لحكومة طرابلس ويستقبل السراج ويبحث معه عن حل الأزمة، لكن فرنسا في الوقت نفسه من أبرز الدول الداعمة للجنرال خليفة حفتر.
وسبق أن أعلنت تونس ضبط مجموعة تتكون من 13 فرنسياً، قدموا إلى تونس عبر 6 سيارات رباعية الدفع، تحت غطاء دبلوماسي ومعها أسلحة وذخيرة. ونقلت تقارير إعلامية في تونس أن العناصر الفرنسية كانت تقدم الاستشارة والدعم للواء المتقاعد خليفة حفتر.
9- الخلاف مع تركيا.. مَن البادئ، ماكرون أم أردوغان؟
يعد خلاف ماكرون مع أردوغان أشهر خلافات الرئيس الفرنسي، ولكن بعيداً عن حدة مواقف الرئيس التركي، فإنه يجب ملاحظة أن ماكرون هو الذي بدأ هذه الخلافات، ويظهر ذلك واضحاً في موقفه الحاد من التدخل التركي في شمال شرقي سوريا، حيث تسيطر المجموعات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني -المصنف إرهابياً- على حياة ملايين العرب، مؤسِّسة دويلة انفصالية تهدد الأمن القومي السوري والتركي.
واللافت أن ماكرون وغيره من القادة الأوروبيين انتقدوا بشدة العملية العسكرية التركية التي استغرقت بضعة أيام، والتي جاءت رداً على مخالفة الأمريكيين لتعهداتهم بانسحاب الأكراد من مناطق متفق، بل إن الأوروبيين علقوا صفقات السلاح لتركيا، بينما نادراً ما يتكلمون عن حرب اليمن التي مر عليها سنوات، ولم يعلقوا السلاح للسعودية الذي تسبب في أكبر أزمة إنسانية في العالم، والمفارقة أيضاً أن الأوروبيين والناتو أيدوا الحملة العسكرية التركية في إدلب في مواجهة قوات النظام السوري والروس، كأنه مسموح لتركيا والمعارضة السورية الموالية التدخل في شمال غربي سوريا، ومحرم عليها التدخل في شمال شرقي سوريا (علماً أن القلق من العناصر الكردية مسألة أكثر حساسية من منظور الأمن القومي التركي أكثر من النظام السوري، وهذا متفق عليه من كل الأحزاب التركية).
وتشير "واشنطن بوست" الأمريكية، إلى أن لدى ماكرون دوافع محلية واضحة أيضاً، إذ إن تحركاته لتنظيم ممارسة الإسلام داخل فرنسا قد تساعده على الالتفاف على اليمين المتطرف الفرنسي المعادي للأجانب، وفي الوقت نفسه فإن ظهوره كخصم رئيسي لأردوغان قد يدعم الصورة التي يرغب في إظهارها عن نفسه، كمدافع عن المصالح الأوروبية على المسرح العالمي.
ووصل هوس ماكرون بالعداء لتركيا لدرجة أنه يطالب حزب الله التابع لإيران الدولة المعادية للغرب، والتي تسببت سياستها في خراب لبنان، بضرورة التنسيق لمواجهة النفوذ التركي في أوساط سنة لبنان، خاصة في الشمال اللبناني.
كأنه يريد تشكيل حلف شيعي فرنسي في مواجهة تركيا، والأخطر أنه يفوض حزب الله فعلياً في الوصاية على سنة لبنان، وهم الذين يشكون أصلاً من سيطرة حزب على البلاد واختراقه للطائفة السنية.
المفارقة أن حزب الله لم يهتم كثيراً بكلامه، لعلمه بأنه ينم عن عدم فهم للتركيبة اللبنانية.
والآن أكمل ماكرون أزماته التسع بأزمة عاشرة مع العالم الإسلامي، وبدلاً من أن يضمّد جراح المسلمين بكلمات دبلوماسية بسيطة كما طالبه رئيس باكستان عمران خان، فإنه رد على دعوات المقاطعة بعبارات استفزازية، والأهم أن خارجيته تصف من يدعون للمقاطعة بأنهم أقلية متطرفة.