9 أيام فقط تفصلنا عن يوم الانتخابات الأمريكية، جو بايدن ما زال متقدماً، لكن تقلّص الفارق، دونالد ترامب حقق تقدماً ملموساً بعد المناظرة الأخيرة، التي يبدو أنه فاز بها، أكثر من 57 مليون أمريكي أدلوا بأصواتهم، في مؤشر على إقبال قد يكون تاريخياً هذه المرة.
كم أمريكياً صوّتوا حتى الآن؟
حتى صباح الأحد، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أدلى نحو 57.5 مليون أمريكي بأصواتهم بالفعل من خلال التصويت المبكر، منهم 17.8 مليون ناخب صوتوا بأنفسهم في مراكز الاقتراع على مستوى الولايات الخمسين، و39.5 مليون صوتوا من خلال البريد، وهذا يمثل 41.7% من إجمالي عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الماضية 2016، وكانوا أقل قليلاً من 139 مليون أمريكي يمثلون 55.5% من إجمالي مَن لهم حق التصويت، بحسب موقع مشروع الانتخابات.
ماذا يعني ذلك بالنسبة للمرشحين؟
لا توجد أداة لتوقع إذا ما كان الإقبال غير المسبوق يصب في صالح الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الساعي للفوز بفترة ثانية أو منافسه الديمقراطي جو بايدن، وعلى الجميع انتظار يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو يوم الانتخابات، حيث ينتهي التصويت وتبدأ عملية فرز الأصوات.
لكن المؤشرات في الأيام الثلاثة الماضية تُظهر بوضوح أن ترامب تمكن من تقليل الفارق مع منافسه بايدن، وبصفة خاصة بعد المناظرة الأخيرة بينهما، والتي أقيمت مساء الخميس 22 أكتوبر/تشرين الأول، حيث أعلنت حملة الرئيس أنها جمعت تبرعات قياسية أثناء وبعد المناظرة، وركز الجمهوريون على تصريح بايدن أثناء المناظرة بأنه يسعى لإنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري.
هذه الملاحظة تحديداً، والتي قالت حملة بايدن إنها تم إخراجها عن سياقها، قد يكون لها تأثير واضح على ولايات مثل تكساس، التي تعتمد في الأساس على صناعة النفط، ويمكن هنا أن نتوقف عند الموقف الانتخابي في تكساس حتى اليوم.
أدلى نحو 7 ملايين ناخب بأصواتهم بالفعل في تكساس، منهم 6 ملايين صوتوا بأنفسهم في مراكز الاقتراع ونحو مليون صوتوا عبر البريد، وهو ما يعني أن نحو 80% من إجمالي من أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الماضية قد صوتوا بالفعل، ما يجعل المراقبين يتوقعون إقبالاً تاريخياً في الولاية، فقد أدلى نحو 9 ملايين ناخب في الولاية بأصواتهم في انتخابات 2016.
تكساس ولاية جمهورية تقليدياً، لكن الديمقراطيين يأملون في الفوز بها هذه المرة، وسط استطلاعات الرأي التي تظهر تنافساً شديداً بين ترامب وبايدن، فماذا يعني الإقبال القياسي بالنسبة لكل منهما؟ لا يتم تسجيل الناخبين في الولاية على أساس حزبي، أي أنه من غير المعلوم نسبة الجمهوريين أو الديمقراطيين أو المستقلين، وبالتالي لا أحد لديه معلومة مؤكدة عن اتجاهات التصويت، ولن يظهر ذلك إلا يوم الانتخابات، بحسب تقرير لشبكة ABCNews.
فالديمقراطيون يعولون على الإقبال الكبير على التصويت، ويؤمنون أنه يصب في صالحهم، خصوصاً أن نحو 50% من ناخبي تكساس إما لم يصوتوا أبداً أو يصوتون بشكل متقطع، وبالتالي يرى البعض أن الإقبال القياسي على التصويت المبكر مؤشر جيد للديمقراطيين، بينما يقول الجمهوريون إن منافسيهم يتعلقون بأوهام، ويكررون أخطاء الانتخابات الماضية، التي فاز بها ترامب على حساب هيلاري كلينتون.
ماذا عن الموقف في فلوريدا؟
لكن لا يبدو أن تكساس تمثل مشكلة لكل من ترامب وبايدن، حيث يركز كل منهما على ولاية فلوريدا، التي أدلى فيها ترامب بصوته أمس السبت، 24 أكتوبر/تشرين الأول، فماذا عن موقف التصويت المبكر في الولاية التي يراها كثير من المراقبين ولاية الحسم؟ أدلى نحو 5.3 مليون ناخب بأصواتهم حتى اليوم، منهم 1.7 مليون صوتوا بأنفسهم، ونحو 3,5 مليون صوتوا عبر البريد، وهو ما يمثل أكثر من 50% من إجمالي تصويت الولاية في الانتخابات الماضية، والذي بلغ نحو 9.3 مليون صوت.
ومنذ انطلاق التصويت المبكر في الولاية قبل ثلاثة أسابيع تقريباً، بدا واضحاً أن الديمقراطيين نجحوا في حشد ناخبيهم من خلال التصويت عبر البريد، وبدرجة أقل التصويت بصفة شخصية، وعلى الرغم من استمرار ذلك الزخم حتى صباح أمس السبت، فإن هامش التقدم تآكل بشكل واضح ليصبح 21% فقط مع إقبال ضخم من جانب الجمهوريين للتصويت المبكر بصفة شخصية، ومع تبقي 9 أيام على يوم الانتخابات تصبح الأمور أكثر تنافسية في الولاية التي تمتلك 29 صوتاً في المجمع الانتخابي، بحسب تقرير لمجلة Politico بعنوان "الجمهوريون يحشدون للتصويت المبكر في فلوريدا، ويقلصون هامش تقدم الديمقراطيين".
الموقف الانتخابي إعلامياً
من يتابع الانتخابات الأمريكية من خلال وسائل الإعلام التقليدية، وخصوصاً شبكة CNN، التي تقف بشكل معلن ضد ترامب وشبكة Fox News اليمينية التي تدعم ترامب، يمكنه أن يلاحظ تغيراً في المزاج العام لدى الشبكتين منذ انتهاء المناظرة بين ترامب وبايدن مساء الخميس، حيث CNN أصبحت تغطيتها أقل تفاؤلاً بفوز بايدن، مقابل حماس أكثر تعكسه شاشة Fox News.
فعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي لا تزال تظهر بايدن في المقدمة، فإن تكرار سيناريو الانتخابات الماضية، حين فاز ترامب عكس جميع التوقعات، أصبح الآن أكثر وضوحاً، بعد الظهور المكثف لترامب وتجمعاته الانتخابية الحاشدة رغم تسجيل البلاد أرقاماً قياسية لحالات الإصابة بوباء كوفيد-19، ثم جاءت المناظرة الأخيرة التي أدى فيها ترامب بصورة متزنة إلى حد ما مقارنة بأدائه في المناظرة الأولى، إضافة للإقبال الكبير على التصويت المبكر من جانب الجمهوريين، ليمثل مؤشرات إيجابية للمعسكر الجمهوري في توقيت حاسم من الانتخابات الأشرس في التاريخ الحديث للبلاد.
وكان لافتاً، اليوم الأحد، أن تنشر CNN في صدر موقعها الإلكتروني تحليلاً بعنوان "إلى أين تتجه الأخبار المزيفة؟" يناقش مصطلح "الأخبار الكاذبة" الذي أطلقه ترامب منذ ترشحه للرئاسة في الانتخابات الماضية، في إشارة للمؤسسات الإعلامية التقليدية من قنوات تلفزيونية وصحف عريقة، مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز وغيرهما، والتحذير من خطورة استمرار هذا التوجه وترسخه في حالة فوز ترامب بفترة رئاسية ثانية.
وفي السياق ذاته، نشرت مجلة The National Interest الأمريكية تحليلاً جاء عنوانه لافتاً "سبب فوز ترامب في 2016 هو نفس سبب فوزه في 2020"، ألقى الضوء على وقوف غالبية وسائل الإعلام التقليدية بشكل معلن وواضح في المعسكر المعادي لترامب، وتخليها عن الموضوعية في أداء وظيفتها الإعلامية.
وركّز التقرير على نقطة هامة تتمثل في تعميق "المظلومية" لدى أنصار ترامب، ما يُشعل حماستهم أكثر للحشد والتصويت في هذا التوقيت الحساس من الحملة، ما يشير إلى أن الإقبال القياسي على التصويت المبكر حتى الآن، والمتوقع أن يزداد زخماً في الأيام التسعة المتبقية حتى يوم الانتخابات، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، قد لا يكون مؤشراً إيجابياً للديمقراطيين كما تبرز وسائل الإعلام المعادية لترامب.
وهذه النقطة بالتحديد، بحسب التحليل، كانت السبب الرئيسي وراء فوز ترامب المفاجئ في الانتخابات الماضية، حيث إن العداء الصارخ له من جانب وسائل الإعلام التقليدية التي تميل نحو اليسار والحزب الديمقراطي بشكل عام أعمى الجميع عن طبيعة الأمور على الأرض، وتغير الأغلبية الصامتة من الناخبين الأمريكيين لأسباب متنوعة، جعلت الأرض ممهدة لأن تصل إليهم رسالة ترامب، بغض النظر عن موضوعية أو صدق ما يقوله.
والسياق ذاته يبدو أنه يتكرر هذه المرة وبصورة أكثر عمقاً، بسبب الوباء من ناحية، وتراث ترامب في البيت الأبيض في السنوات الأربع الماضية من ناحية أخرى، وهو ما يجعل سيناريو الفوز المفاجئ للرئيس مرشحاً للتكرار بصورة تزداد وضوحاً كلما اقترب موعد الحسم، فهل هذا السيناريو وارد بالفعل؟ علينا جميعاً الانتظار حتى ما بعد 3 نوفمبر/تشرين الثاني لنعرف الإجابة.