بايدن يتقدم السباق وفرصه في الفوز تبدو محسومة، وهذه النقطة تحديداً تنشر التفاؤل بين أنصار ترامب، قياساً على ما حدث قبل أربع سنوات، كلها تحليلات وتوقعات لا يمكن الوثوق بها في ظل الاستقطاب غير المسبوق، فلنقرأ في أرقام التصويت المبكر لأنها حقائق.
كم ناخباً صوّتوا مبكراً؟
بحسب بيانات مشروع الانتخابات الأمريكية، أدلى أكثر من 44 مليون ناخب بأصواتهم حتى مساء الأربعاء 21 أكتوبر/تشرين الأول، منهم نحو 12 مليون شخص صوتوا بأنفسهم، وأكثر من 32 مليوناً أرسلوا أصواتهم عبر البريد وتم تسلمها بالفعل، وتعتبر هذه الأرقام قياسية وغير مسبوقة بالنسبة للتصويت المبكر أو التصويت عبر البريد في تاريخ الانتخابات الأمريكية.
وبمقارنة تلك الأرقام مع مجموع الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الماضية التي تنافس فيها الرئيس الحالي دونالد ترامب ضد هيلاري كلينتون، نجد أنها تمثل أقل قليلاً من الثلث؛ فقد أدلى نحو 139 مليون ناخب بأصواتهم في انتخابات 2016، بنسبة إقبال بلغت 55.5% من الأمريكيين الذين يحق لهم التصويت، وكان عددهم وقتها 250 مليون ناخب، وهذا يعني أن 31.9% قد صوّتوا بالفعل في الانتخابات الحالية مقارنة بأرقام 2016.
وتُظهر البيانات أن 51.8% من الذين صوتوا بالفعل ينتمون للحزب الديمقراطي، مقابل 21% مسجلين كجمهوريين، بينما 26% منهم سُجلوا كناخبين مستقلين، وتتسق هذه النسبة بشكل عام مع ما يحيط بتلك الانتخابات من حيث إجرائها في أجواء وباء كوفيد-19 أو فيروس كورونا، فالديمقراطيون يشجعون على التباعد الاجتماعي وإجراءات الوقاية، وبالتالي يطلبون من ناخبيهم التصويت مبكراً أو التصويت عبر البريد.
وعلى الجانب الآخر، يهون ترامب وحملته من خطر الوباء، ويطالبون ناخبيهم بالخروج للتصويت يوم الانتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني، ويشكك الرئيس في نزاهة التصويت عبر البريد بصورة متكررة، وهو ما يبدو جلياً أن أنصاره وقاعدته الانتخابية مقتنعون به، وهذا منعكس في قلة إقبالهم على التصويت المبكر، سواء بالتوجه لمراكز التصويت أو بإرسال بطاقات الاقتراع عبر البريد.
ما أوجه الشبه بين هذه وتلك؟
إذا كانت هذه هي أرقام التصويت المبكر واتجاهاتها حتى اليوم، أي قبل 12 يوماً فقط من اليوم الكبير، أو يوم الامتحان نفسه، أو يوم الانتخابات، فكيف كان موقف ترامب في الانتخابات السابقة مقارنة بموقفه الآن؟ وكيف كان موقف هيلاري مقارنة بموقف بايدن الآن؟
وجه الشبه الأساسي بين تلك الانتخابات الماضية وهذه الجارية هو أن استطلاعات الرأي تضع المرشح الديمقراطي في المقدمة في كلتا الحالتين على مستوى الولايات وعلى مستوى البلاد ككل، لكن نسبة التقدم في تلك الاستطلاعات تختلف من هيلاري إلى بايدن؛ ففي نفس الفترة من عمر السباق عام 2016 كانت استطلاعات الرأي تُظهر تقدماً لهيلاري على ترامب، بفارق يتراوح بين نقطتين إلى 4 نقاط، بينما بايدن يبدو متقدماً بفارق أكبر يصل إلى 16 نقطة في بعض الاستطلاعات، وإن كان بشكل عام قد يكون الفارق 10 نقاط في أغلب تلك الاستطلاعات.
لكن توجد نقطة اختلاف رئيسية فيما يخص استطلاعات الرأي نفسها هذه المرة، بحسب قراء لموقع Vox الأمريكي، تتعلق بكيفية إجراء تلك الاستطلاعات نفسها، بعد أن استفاد القائمون عليها من الأخطاء التي وقعوا فيها المرة الماضية، وأبرزها نوعية الشريحة المستطلع رأيها ومقارنتها بنوعية الناخبين في المقاطعة أو في الولاية، بمعنى أن بعض الاستطلاعات كانت تأخذ رأي نسبة كبيرة من خريجي الجامعات، وتبني عليها نموذج التوقع بالنسبة للولاية، بينما نسبة الخريجين في الولاية أقل كثيراً من النسبة داخل العينة التي تم استطلاع رأيها، وبالتالي تأتي النتائج الفعلية مختلفة عن نتيجة الاستطلاع.
نقطة الاختلاف الرئيسية الثانية تتعلق بالديمقراطيين أنفسهم هذه المرة؛ ففي الانتخابات السابقة كانت ثقة الليبراليين والديمقراطيين في فوز هيلاري كلينتون مطلقة، وهو ما أدى، بحسب مسؤولي بايدن والمراقبين المستقلين، إلى حالة من التراخي وعدم دراسة الموقف بدقة، فجاءت النتيجة صادمة، وخصوصاً فيما يخص المجمع الانتخابي الذي كانت التوقعات تشير إلى أنه أكثر ميلاً للمرشحة الديمقراطية، لكن اتضح أن العكس تماماً هو ما حدث.
هذه المرة، ورغم تقدم بايدن في الاستطلاعات بصورة ثابتة، منذ يوليو/تموز الماضي، يدرك الديمقراطيون جيداً أن المجمع الانتخابي أكثر ميلاً إلى الرئيس ترامب، ويتحسبون لتلك الحقيقة من خلال مواصلة العمل على مستوى الولايات بصورة مكثفة لحشد ناخبيهم لضمان فوز مريح في التصويت الشعبي، يفوّت الفرصة على مندوبي المجمع الانتخابي في الولايات، على أن يكرِّروا نمط تصويتهم في الانتخابات الماضية التي فازت فيها كلينتون بالفعل بالتصويت الشعبي بفارق 2%، لكنها خسرت في المجمع الانتخابي.
ويظل ترامب العقبة الأساسية
هناك عدة نقاط تجعل نتيجة السباق مفتوحة على الاحتمالين، أي فوز ترامب أو خسارته، أولها مستوى الإقبال على التصويت، وإذا ما كان سيرتفع عن المرة الماضية أم سيكون في نفس مستواها؛ ففي الانتخابات الماضية أدلى نحو 139 مليوناً بأصواتهم بنسبة 55.5%، وقياساً على الإقبال على التصويت المبكر والتصويت عبر البريد من الممكن أن ترتفع نسبة الإقبال، وإن كانت ظروف الوباء وإجراءات الوقاية في مراكز الاقتراع قد تكون عاملاً سلبياً في هذه النقطة.
ولا يمكن توقع المستفيد من ارتفاع نسبة الإقبال هذه المرة مقارنة بالمرة الماضية، إذا ما حدث ذلك، حيث تتوقف هذه النقطة على عدة متغيرات، منها استطلاعات الرأي والتوقعات العامة التي قد تكون سبباً إما في حالة من التراخي لدى الطرف الذي يبدو أقرب للفوز، أو أن تكون دافعاً لحشد أكبر لدى الطرف الذي يبدو خاسراً، وفي هذه النقطة ربما يدفع الديمقراطيون ثمناً باهظاً لتركيزهم على التصويت المبكر وعبر البريد، في مقابل حشد ترامب لأنصاره ليخرجوا يوم الانتخابات دون خوف من الوباء.
النقطة الأخرى هي أن غالبية من لهم حق التصويت في الولايات المتحدة تنتمي للبيض، الذين يمثلون نحو 70%، في مقابل نحو 30% من الأقليات، ولا يعني هذا أن جميع البيض يصوتون للجمهوريين، أو أن الأقليات يصوتون لبايدن بالطبع، لكن قاعدة ترامب الانتخابية تنتمي للبيض، وفي ظل الانقسام المجتمعي الحاد في هذه الانتخابات لا أحد يمكنه توقع تأثير الاحتجاجات التي اندلعت في أعقاب مقتل جورج فلويد ضد التمييز العنصري على مزاج التصويت.
وأخيراً يظل دونالد ترامب نفسه عصياً على التوقع أو التنبؤ بشكل عام؛ فالرجل ليس سياسياً تقليدياً، بل يمكن القول إنه ليس سياسياً من الأساس، ومن الواضح أن وجوده في البيت الأبيض كرئيس للقوة الأبرز في العالم لم يغيّر شيئاً في أسلوبه وشخصيته، اللذين كانا سبباً رئيسياً في فوزه في المرة الأولى، وهو ما يجعل تكرار الفوز بالنسبة له وارداً بنفس قدر احتمال أن تتسبب فترته الأولى الفوضوية في خسارته، وكل هذا مؤجل ليوم الامتحان إن جاز التعبير، أي يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني.