تقترب ساعة الحسم سريعاً للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد تكون المناظرة القادمة فرصته الأخيرة، إذا ما أُجريت بالفعل، للحاق بالقطار المتجه سريعاً نحو البيت الأبيض، ويبدو أن جو بايدن راكبه الوحيد حتى اللحظة، فأي عصا سحرية قد تنقذ الرئيس؟
تغيير لا يعجب ترامب
المفترض أن تقام المناظرة الثالثة والأخيرة بين دونالد ترامب وجو بايدن، الخميس 22 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في ناشفيل بولاية تينيسي، بعد أن تم إلغاء المناظرة الثانية بينهما الخميس الماضي، بسبب إصابة الرئيس بمرض كوفيد-19 الناتج عن الإصابة بعدوى فيروس كورونا المستجد، وما صاحب ذلك من اقتراح إقامة المناظرة افتراضياً، وهو ما رفضه ترامب.
ومع انطلاق التصويت المبكر بالفعل والإقبال القياسي عليه، والذي يميل بنسبة واضحة لصالح الديمقراطيين بحسب تحليل البيانات حتى الآن، تُظهر استطلاعات الرأي أن المرشح الديمقراطي بايدن لا يزال متقدماً بفارق واضح ومريح على منافسه الجمهوري ترامب، وهو ما يضيف مزيداً من الأهمية للمناظرة الأخيرة بالنسبة لترامب.
لكن هيئة المناظرات الرئاسية فاجأت ترامب بالإعلان مساء الإثنين 19 أكتوبر/تشرين الأول، عن إجراء تغيير مهم على أسلوب إدارة المناظرة، وهو إضافة "زر الصمت"، ليستخدمه مدير المناظرة في أوقات معينة؛ لمنع الصوت عن المرشح الذي يحاول مقاطعة منافسه في الوقت المخصص له.
ترامب عبَّر بالفعل عن امتعاضه من قرار اللجنة، لكنه قال إنه سيشارك في المناظرة: "سوف أشارك، لكنني أعتقد أن هذا الإجراء غير عادل بالمرَّة"، في رده على سؤال حول قرار اللجنة إضافة "زر الصمت"، الذي اعتبره ترامب وحملته تغييراً للقواعد، حسب تقرير لشبكة CNN.
لكن اللجنة من جانبها قالت إن الإجراء ليس تغييراً للقواعد؛ بل إضافة لأداة تضمن تطبيق القواعد التي اتفق عليها المرشحان وحملتهما بالفعل، والهدف هو تفادي ما حدث بالمناظرة الأولى، في إشارة إلى المناظرة الوحيدة التي أُجريت بين ترامب وبايدن أواخر الشهر الماضي، وتم وصفها بأنها الأسوأ على الإطلاق في تاريخ المناظرات الرئاسية.
تلك المناظرة شهدت مقاطعة ترامب لبايدن وأيضاً لمديرها كريس والاس المذيع المخضرم في شبكة Fox News، أكثر من 145 مرة خلال المناظرة التي استمرت 90 دقيقة، بمعدل نحو مقاطعتين في الدقيقة الواحدة، بينما قاطع بايدن ترامب أيضاً ولكن بدرجة أقل كثيراً، في حين لم يقاطع المرشحُ الديمقراطيُّ والاس ولا مرة تقريباً.
وكان واضحاً من مؤشرات استطلاعات الرأي، أن ترامب خرج خاسراً من تلك المناظرة، حيث أظهرت تلك الاستطلاعات اتساع الفارق الذي يتقدم به بايدن بصورة متسارعة، كما تمكنت حملة بايدن من جمع تبرعات قياسية أثناء المناظرة وبعدها، رغم أن حملة ترامب كانت تراهن على المناظرات لتقليل الفجوة لصالح ترامب، الذي يعشق الظهور أمام الكاميرات عكس بايدن الذي يبدو أكثر ارتباكاً.
لماذا قد لا نشهد مناظرة أخيرة؟
هناك 3 أسباب، من وجهة نظر محللين ومراقبين، تجعل إقامة المناظرة الأخيرة محل شك؛ أولها اشتراط بايدن أن يُجري ترامب اختبار فيروس كورونا وأن تكون النتيجة سلبيةً يوم إجراء المناظرة ذاتها، وهو ما لا يُتوقع أن يقوم به ترامب قياساً على تعامل الرئيس مع إصابته بالعدوى وتعافيه منها خلال عدة أيام، والانتقادات الموجهة إلى فريق الأطباء في البيت الأبيض بشأن عدم الشفافية فيما يخص تلك الفترة.
أثناء لقائه المتلفز على شبكة ABC News الخميس الماضي، أجاب بايدن عن سؤال: "هل ستطلب أن يجري الرئيس ترامب اختباراً (للكشف عن الفيروس) في ذلك اليوم، وأن تكون نتيجته سلبية؟"، بالقول: "نعم. على فكرة قبل أن آتي إلى هنا أجريت ذلك الاختبار.. وأُجريه قبل أي حدث انتخابي أو تجمُّع، لأنني لا أريد أن أعرِّض صحة المشاركين للخطر".
وإذا كان ترامب طوال مدة إصابته بالعدوى وبعد إعلان تعافيه منها، لم يُظهر أياً من نتائج الاختبارات التي يُفترض أنه أجراها كما قال وكما قال طبيب البيت الأبيض شين كونلي مراراً، وإذا كان الرئيس قد أجبر الأطباء المعالجين له على توقيع "اتفاق السرية"؛ حتى لا يكشف أيٌّ منهم أي شيء يخص إصابته بالعدوى، فإن الأرجح أنه سيرفض إجراء الاختبار بناء على طلب بايدن.
السبب الثاني هو ما قد يراه ترامب تغييراً في القواعد من جانب لجنة إدارة المناظرات الرئاسية، ورغم إعلانه أمس أنه سيشارك رغم "زر الصمت"، لا يستبعد كثير من المحللين المستقلين أن ينسحب ترامب من المناظرة في اللحظات الأخيرة، متذرعاً بتغيير اللجنة للقواعد، خصوصاً أنه وحملته يتهمون اللجنة بأنها منحازة إلى بايدن.
أما السبب الثالث فهو شخصية ترامب ذاتها التي لا تخضع للقواعد المعروفة سواء للانتخابات أو للعمل السياسي بشكل عام، وهو ما يجعل كثيراً من المحللين يرجحون أنه قد لا يشارك في المناظرة، مفضلاً مواصلة جولاته المكثفة وتجمعاته الانتخابية الحاشدة، لأنها الساحة التي وصل من خلالها للبيت الأبيض قبل أربع سنوات من الأساس.
هل أصبحت فرصته مستحيلة؟
بعيداً عن تلك المناظرة الأخيرة وما يصاحبها من جدل، ورغم التقدم الواضح للمرشح الديمقراطي في السباق الشرس قبل أيام من يوم التصويت، لا يزال ترامب يراهن على إثارة حماسة أنصاره وقاعدته الانتخابية وحشدهم للتصويت يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني، خصوصاً في الولايات الحاسمة مثل ويسكونسن وفلوريدا وجورجيا وغيرها.
ومن الواضح أن ترامب يلجأ إلى الاستراتيجية نفسها التي سار عليها في الانتخابات الماضية، حين حقق فوزاً مفاجئاً على هيلاري كلينتون، التي كانت جميع استطلاعات الرأي تضعها في المقدمة بشكل واضح، وهذه النقطة تحديداً أصبحت أبرز نقاط تركيز ترامب في تجمعاته الانتخابية، حيث يردد: "دعونا نهزم استطلاعات الرأي والخبراء والإعلام المزيف مرة أخرى".
وهناك مؤشرات بالفعل على أن ترامب استطاع، خلال الأسبوع الماضي، تحقيق بعض التقدم في بعض الولايات وقلل الفارق ولو بنسبة ضئيلة، على مستوى البلاد، وهو ما يشير إلى أن المفاجآت واردة، خصوصاً مع تركيز حملة ترامب على الفضيحة المزعومة لهانتر بايدن- نجل جو بايدن- وتعاطيه الممنوعات؛ لتحويل الأنظار عن ملفَّي الوباء والاقتصاد، إضافة إلى سعي ترامب للتركيز على السياسة الخارجية ونجاحه في دعم إسرائيل بصورة غير مسبوقة.
وانعكس ذلك في تصريحات ترامب وحملته بشأن المناظرة الأخيرة وكيف أنها يجب أن تركز فقط على قضايا السياسة الخارجية، متهمين لجنة إدارة المناظرات بالانحياز إلى بايدن، من خلال عدم قصر ملفات تلك المناظرة على السياسة الخارجية فقط، فهل ينجح ترامب في تحقيق المعجزة والبقاء في البيت الأبيض فترة ثانية؟