حافظت سلطنة عُمان على سياسة الحياد والدبلوماسية في منطقة تعج بالصراعات على مدار عقود، لكن السلطان الجديد يواجه كارثة اقتصادية قد تضطره للقبول بشروط الإمارات للمساعدة، فهل إرث السلطان قابوس مهدد بالخطر؟
صحيفة The Financial Times البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "سويسرا الشرق الأوسط: كارثة اقتصادية تهدد حيادية عُمان"، تناول الوضع الصعب الذي تواجهه السلطنة في ظل كارثتي كورونا وانخفاض أسعار النفط، والخيارات الصعبة التي يواجهها السلطان الجديد.
بداية قاسية للسلطان الجديد
جاهدت عمُان، المحصورة بين السعودية وإيران، طويلاً للحفاظ على حياديتها؛ ما جعلها تشتهر باسم سويسرا الشرق الأوسط، لكن قدرة الدولة الخليجية على البقاء بعيداً عن صراعات القوى الإقليمية مُهدَّدة بسبب المشكلات الاقتصادية التي تفاقمت مع جائحة فيروس كورونا المستجد وانهيار أسعار النفط، ويتوقع صندوق النقد الدولي انكماش اقتصادي في السلطنة بمقدار 10% هذا العام، وهو أقل بكثير من متوسط الشرق الأوسط.
وتمثل هذه الأزمة بداية قاسية للسلطان هيثم بن طارق آل سعيد، الذي خلف السلطان قابوس بن سعيد في يناير/كانون الثاني عقب وفاة الزعيم الذي رسم ملامح السلطنة خلال نصف قرن من الحكم.
ويواجه السلطان هيثم، البالغ من العمر 65 عاماً وكان يشغل منصب وزير الثقافة سابقاً، فقاعة عجز موازنة وارتفاع المديونية، وعليه أن يقرر ما إذا كان سيلجأ لدول الجوار الثرية لانتشال السلطنة من هذه الأزمات، أم سيسعى لموازنة حساباتها عبر سبل أخرى والحفاظ في الوقت نفسه على الاستقرار الاجتماعي.
وإذا أجبره الوضع الاقتصادي المتدهور على اللجوء للخيار الأول، فإنَّ ذلك يهدد بانزلاق السلطنة في صراع مرير يضع السعودية والإمارات في مواجهة مع قطر؛ ما يُقوِّض قدرة عُمان على الاضطلاع بدور الوسيط الإقليمي.
وفي هذا السياق، قال جون سفاكياناكيس، أستاذ بجامعة كامبريدج: "بالنظر إلى العبء النقدي، ستضطر عُمان للجوء إلى دول الجوار الخليجية للحصول على دعم نقدي مباشر أو غير مباشر"، واستطرد سفاكياناكيس: "لكن هذا يمثل معضلة، فقد يخاطر أخذ الأموال من الإمارات بحيادية عمان؛ لأنَّ ذلك سيقربها من تحالف أبوظبي-الرياض".
خيارات مُرة وضغوط أكثر قسوة
ولطالما سعت عُمان، الحليف المقرب من الغرب، لاتباع سياسة خارجية حيادية؛ ما ساعدها في الحفاظ على علاقات طيبة مع إيران، العدو اللدود للسعودية، وفي الوقت نفسه مساعدة قطر على تفادي الحظر التجاري الذي تقوده المملكة عليها.
إلى جانب ذلك، استضافت السلطنة المحادثات السرية التي انتهت بصياغة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 وانفتاح مسقط على طهران؛ ما أثار استياء جيرانها الخليجيين؛ الأمر الذي جعلها محطة متكررة في المفاوضات السعودية مع المتمردين اليمنيين المتحالفين مع إيران. وأصبحت هذا الشهر أول دولة خليجية تعيد سفيرها إلى دمشق بعد الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري خلال الحرب الأهلية الوحشية.
ولطالما كانت العلاقات الإماراتية العُمانية مشحونة لبعض الأسباب، على رأسها اكتشاف ما يُزعَم أنها شبكة تجسس لصالح الإمارات داخل الديوان الملكي العماني قبل عقد من الزمن، وتحرص أبوظبي على إقامة علاقة أفضل مع الحاكم الجديد، الذي يقود أحد أكثر الاقتصادات هشاشة بين دول الخليج الغنية بالنفط.
ومن المتوقع أن يصل عجز ميزانية السلطنة إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بعد تراجع الإيرادات، ونظراً لأنها تمتلك موارد هيدروكربونية متواضعة، لدى عمان نحو 16 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي و16 مليار دولار أخرى من الأصول الخارجية المتاحة بسهولة، لكن قيمة العجز المالي والسندات العالمية المُستحقَّة تصل إلى أكثر من 13 مليار دولار سنوياً على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
موقف اقتصادي متأزم للغاية
وستحتاج السلطنة، التي اقترضت ملياري دولار من البنوك العالمية في أغسطس/آب، إلى السحب من الودائع المحلية بما في ذلك صندوق الثروة السيادية، وبيع الأصول واقتراض المزيد من أجل تحقيق استقرار الميزانية. وهي تدرس العودة إلى أسواق السندات لجمع ما بين مليارين و4 مليارات دولار.
وقال كريس-جانيس كريستنز، مدير الثروات السيادية في وكالة Fitch للتصنيف الائتماني: "حتى قبل جائحة فيروس كورونا المستجد، وآخر صدمة لأسعار النفط، كانت تعاني عمان لموازنة حساباتها. لكنها الآن في وضع يستوجب عليها خفض الإنفاق بدرجة هائلة، وإلا ستنفَد منها الأموال".
وقدمت دول الخليج الثرية، في العام الماضي، حزمة مساعدات مالية قيمتها 10 مليارات دولار للبحرين، بعدما فشلت في الحصول على قرض آخر من الأسواق الدولية، ووفقاً لمسؤول غربي، تجري مفاوضات بشأن استثمارات إماراتية في مشروعات عمانية، بدلاً من وديعة مالية، حتى حدود اللحظة.
لكن يراود الكثير من العمانيين شكوكاً عميقة حول نوايا الإمارات، وقد ترفض القيادة الشروط المسبقة للدعم الذي قد يقوض استقلال مسقط الثمين، ويقول مصرفيون أيضاً إنَّ هناك محادثات سرية مع قطر بشأن المساعدة المالية؛ إذ تحرص الدوحة على سداد المقابل لدعم عمان اللوجستي في "التغلب على الحصار".
وفي غضون ذلك، وسَّعت الصين عملياتها في الموانئ العمانية واشترت حصة قدرها مليار دولار في شبكة توزيع الكهرباء العام الماضي، وفي عام 2017، أقرضت بنوك صينية رائدة سلطنة عمان 3.5 مليار دولار. ويقول جوناثان فولتون، الأستاذ المساعد في جامعة زايد في أبوظبي: "بالنظر إلى العلاقات الاقتصادية العميقة، قد تكون الصين فرصة جيدة، لكن من المرجح أن يكون للولايات المتحدة اعتراضات".
وأياً كانت الدولة التي سيتوجه لها السلطان لطلب المساعدة، ستمثل الأزمة الاقتصادية اختباراً للتأييد العام للسلطان الجديد، الذي ترك بصمته بالفعل بإصلاح شامل للبيروقراطية، وخفض السلطان هيثم الإنفاق العام بنسبة 8% في النصف الأول من العام، وخفض الإنفاق على المشاريع الكبيرة والدفاع، مع الحفاظ على فاتورة رواتب القطاع العام الضخمة في السلطنة. وأعلنت الحكومة هذا الأسبوع خططاً لفرض ضريبة مبيعات بنسبة 5% العام المقبل، وهي مقامرة لزيادة الإيرادات تنطوي على مخاطر إثارة استياء الشعب.
وقبل عقد من الزمان، اجتاحت المظاهرات عمان خلال الربيع العربي، وأخمد السلطان الراحل قابوس الاضطرابات بإقالة الوزراء وإطلاق يد الحكومة للإنفاق بسخاء، لكن هذه المرة، قد يكون الأمر أكثر صعوبة. وقال أحد المراقبين العمانيين: "هيثم مسيطر بقوة على الوضع ولديه الكثير من النوايا الحسنة". ومع ذلك، قال كريستنز: "الاضطرابات السياسية أو الاجتماعية المحتملة عامل سيُثقِل حتماً كاهل القيادة العمانية.. لا بد أن يكون هناك القليل من الرقابة الذاتية فيما تفعله الحكومة بشأن الإصلاح المالي".