بينما يتطلع العالم إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجري الشهر المقبل بحثاً عن شواهد على مستقبل المواجهة مع إيران، يستعد مرشحون آخرون لتصويت آخر قد يكون محورياً.
ففي يونيو/حزيران المقبل، سينتخب الإيرانيون أيضاً رئيساً جديداً لبلادهم، حيث ينتهي عهد حسن روحاني، الذي رهن حياته المهنية بإبرام الاتفاق النووي التاريخي مع القوى العالمية في عام 2015، وانقلب إرثه رأساً على عقب بقرارات اتخذها متشددون في الولايات المتحدة وفي داخل بلاده، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
كما هو الحال دائماً، يخضع المرشحون الرئاسيون في البداية للفحص من قبل "مجلس صيانة الدستور" الإيراني ذي النفوذ، والذي يعين أعضاءه المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. ومع ذلك، فإن ساحة الترشيح تبدو مهيأة لكي يهيمن عليها العسكريون السابقون أو الشخصيات المحافظة الصارمة التي تصاعد نفوذها منذ عام 2018، في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي كان روحاني قد تعهد بأنه سيكون تذكرة إيران للعبور إلى القبول الدولي والازدهار الاقتصادي.
هل سيُبقي الرئيس الإيراني الجديد على الاتفاق النووي؟
إلى الآن، وعلى الرغم من أن إيران تراجعت عن الامتثال للالتزامات الرئيسية في الاتفاق، وقررت استئناف عمليات التخصيب بما يتجاوز الحدود المتفق عليها مع إعادة ترامب للعقوبات وتشديدها، فإنها لم تتنصل رسمياً من الاتفاقية ولوحت بأنها يمكن أن تتخلى عن انتهاكاتها تدريجياً إذا رُفعت العقوبات عنها، خاصة بعد أن تسببت العقوبات الأمريكية المشددة في انخفاض حاد في صادرات النفط الإيرانية، علاوة على انخفاض إنتاج النفط الخام منذ منتصف عام 2018 إلى أقل من مليوني برميل يومياً.
مع كل ذلك، وحتى إذا تولى رئيس متشدد الحكمَ في إيران، فسيظل لديه حافز ضئيل للتخلي عن اتفاق يمكن أن يشكّل حتى الآن شريان حياة لاقتصاد إيران المدمَّر، لكنه قد لا يعود إلى طاولة المفاوضات بالشروط ذاتها التي كان عليها الاتفاق من قبل أو يبدي استعداداً تلقائياً لإعادة تفعيل الاتفاقية كما هي، وذلك حتى وإن جاءت نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، بالمرشح الديمقراطي جو بايدن إلى سدة الرئاسة، ومضى نائب الرئيس السابق قدماً فيما تعهد به من سعي إلى إحياء الاتفاقية حال وصوله إلى رئاسة البلاد.
من جهة أخرى، تمسّكت الدول الأوروبية والصين وروسيا بالاتفاق، منتظرة حدوث تغيير في اتجاه أو قيادة الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تتحوط إيران حيال رهاناتها. ومن ثم لا تستبعد إيران معتدليها بالكامل، لأن كثيرين منهم، مثل وزير الخارجية محمد جواد ظريف، لديهم مهارات فنية وخبرة دبلوماسية، ستشتدُّ الحاجة إليها في حالة استئناف المحادثات.
تعليقاً على ذلك، تقول الدكتورة سنام وكيل، نائب رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، "من المرجح أن نرى فصائل متشددة تتنافس على المنصب، وبالنسبة إلى تلك الفصائل، فإن فوز دونالد ترامب يمثل فرصة سانحة، لأنه يمنحها مجالاً لتوطيد سلطتها في الداخل الإيراني. أما إذا فاز بايدن، فسيُواجه النظام الإيراني باحتمال آخر، إذ سيكون وقتها بحاجةٍ إلى شخص يجلب نوعاً من الاستقرار ويحصل على صفقة جديدة، شخص لديه علاقات جيدة بمختلف الأطراف ويعرف تضاريس التفاوض".
وفيما يلي بعض الأسماء التي هيمنت على المناقشات العامة بشأن من قد يكون الرئيس المقبل لإيران:
1. محمد باقر قاليباف- "رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني"
هو قائد سابق لقوات الشرطة ومحارب قديم في الحرس الثوري الإيراني وعمدة طهران السابق، ويعد قاليباف شخصية متشددة بنزوعٍ براغماتي: فهو يقدم نفسه على أنه شخصية تحديثية وفي الوقت نفسه يسعى إلى إبقاء الطبقات الدينية مطمئنةً إلى تمسكه بالقيم المحافظة. ورغم أنه وُصِم إلى حد ما بسبب مزاعم فساد، وأيضاً لا يحبه الناخبون المؤيدون للإصلاح، فإنه أيّد الاتفاق النووي بدرجة كبيرة، وبصفته عمدة لمدينة طهران، أشرف على مشروعات كبرى تتضمن استثمارات أجنبية ضخمة، معظمها من الصين.
إضافة إلى ذلك، فإن قاليباف سياسي طموح خاض بالفعل ثلاث محاولات للوصول إلى منصب الرئاسة، وسعى في السنوات الأخيرة إلى تحسين صورته العامة.
2. حسين دهقان– مساعد خامنئي ووزير الدفاع الإيراني السابق
عمد دهقان إلى مبادرة نادرة بإعلانه الترشح علانية. ومن المحتمل أنها كانت محاولة لاختبار الفكرة وسط الناخبين والطبقة السياسية للبلاد، لاسيما الدوائر المحيطة بخامنئي، الذي يعمل مستشاراً له. وحقيقة أنه كان منفتحاً بشأن خططه للترشح في وقت مبكر جداً تشير إلى أنه إما حصل على موافقة ضمنية من المرشد الأعلى وإما أنه يعرف أنه سيحصل عليها.
خدم دهقان، الذي يعد شخصية مخضرمة في الحرس الثوري الإيراني منذ أيام الحرب الإيرانية العراقية، تحت إدارة رؤساء إصلاحيين ومتشددين. ملف خدمته العامة يُوعز بشخصية محافظة، إلا أن قربه من روحاني وخدمته في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي تمنحه بعض المصداقية في أوساط الناخبين المعتدلين. ويقول دهقان إنه يريد "إنقاذ الناس من الوضع الحالي"، ما يشير إلى أنه يريد إيجاد حلٍّ للأزمة المتفاقمة حالياً بين إيران والولايات المتحدة.
3. محمود أحمدي نجاد– رئيس سابق لإيران
بالنظر إلى كونه رئيس إيران السابق بين عامي 2005 و2013، والشخص الذي شهدت فترته الرئاسية ذروة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامج تخصيب اليورانيوم في البلاد، لا يزال أحمدي نجاد بعيداً عن أن يكون مرشحاً رئيسياً في الانتخابات. وتعتمد محاولته للعودة على نتيجة تدقيق مجلس صيانة الدستور الذي سبق أن رفض محاولته للترشح مرة ثالثة في عام 2017. وعلى الرغم من نبذه من جانب المؤسسة السياسية لهجماته المتكررة على القضاء، فإن أحمدي نجاد لديه قاعدة متماسكة من المحافظين الدينيين تراه حصناً وسنداً لها ضد الطبقات السياسية النخبوية.
وفي حال وصل أحمدي نجاد إلى الحكم، فإن المرجح أن تدخل علاقات إيران مع الولايات المتحدة وأوروبا إلى مرحلة أكثر توتراً وأشد عدائية.
4. سعيد محمد– قائد تكتل شركات "خاتم الأنبياء" للإنشاءات
سعيد محمد هو واحد من قدامى المحاربين في الحرس الثوري الإيراني، ويدير تكتل شركات إنشاءات خاصة به. وفي ظل وجود مئات من الشركات التابعة له ينظر عديد من الإيرانيين إلى "خاتم الأنبياء" على أنها مركز نفوذ للحرس الثوري على اقتصاد البلاد. وقد بذل سعيد جهوداً أكبر للتفاعل مع وسائل الإعلام وظهر إعلامياً أكثر من سابقيه، ما يشير إلى أنه يبذل جهداً نشطاً لبناء ملف تعريف خاص به.
خلال فترة ولايته، حصل تكتل شركات "خاتم الأنبياء" على مكافآت بمزيدٍ من عطاءات البناء من وزارة النفط الإيرانية، مكتسحاً الحصول على العقود التي تُخلي عنها أو لم تعد متاحة للشركات الأجنبية التي كانت حكومة روحاني تأمل في جذبها عقب الاتفاق النووي. وفي حين أنه يفتقر إلى الخبرة السياسية أو الكاريزما، فإن المتوقع أن يسعى سعيد، في حال توليه الرئاسة، إلى تعزيز نفوذ الحرس الثوري الإيراني على الاقتصاد الإيراني.
5. عزت الله ضرغامي
هو ضابط سابق آخر في الحرس الثوري الإيراني. ترك ضرغامي الجيش لمتابعة مسيرة مهنية قرر خوضها في السياسة والإعلام. اشتهر بأنه الرئيس السابق لإذاعة الدولة والمشرف على فترة من الرقابة المشددة وزيادة الأعمال الإنتاجية الدينية والمحافظة.
ضرغامي حليف مقرب لأحمدي نجاد، وشخصية نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، وكثيراً ما يدخل في نقاشات حول الحقوق الاجتماعية. كما أنه شخصية محافظة، حتى إنه ورد أنه اشتبك مع روحاني بشأن قوانين إلزامية غطاء الرأس واللباس الإسلامي للمرأة.