برزت خلافات بين الأحزاب المغربية حيال القوانين الانتخابية، على خلفية مشاورات تجريها وزارة الداخلية مع هذه الأحزاب استعداداً للانتخابات البرلمانية والبلدية لعام 2021.
ومنذ يونيو/حزيران الماضي، تجري الوزارة مشاورات مع الأحزاب حول مشاريع القوانين التي ستجرى من خلالها الانتخابات، سواء المتعلقة بمباشرة الحقوق السياسية وطريقة التصويت أو الدوائر الانتخابية وتقسيمها، قبل أن تحال هذه المشاريع إلى البرلمان لإقرارها.
وعقد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، اجتماعاً مع زعماء الأحزاب الثمانية الممثلة في البرلمان، استغرق أكثر من أربع ساعات، لكن لم يتمكن من تقريب وجهات النظر حول القضايا الخلافية.
القاسم الانتخابي
وبشكل أساسي طفا على السطح مطلبان لأحزاب المعارضة والأحزاب الصغيرة، الأول هو إعادة النظر في القاسم الانتخابي، الذي يتم على أساسه توزيع المقاعد البرلمانية بعد إجراء عملية التصويت.
ويقترح حزب "العدالة والتنمية" (مرجعية إسلامية)، قائد الائتلاف الحكومي، استمرار اعتماد الطريقة الراهنة في حساب القاسم الانتخابي، أي استخراجه بقسمة عدد الأصوات الصحيحة على عدد المقاعد.
بينما تطالب باقي الأحزاب، باستثناء "الأصالة والمعاصرة" أكبر أحزاب المعارضة، بقسمة مجموع الناخبين المسجلين في اللوائح الانتخابية على المقاعد في الدائرة الانتخابية.
العتبة الانتخابية
أما المطلب الثاني فهو تعديل العتبة الانتخابية، وهي الحد الأدنى من الأصوات المحصلة في الانتخابات البرلمانية، والتي تُمكن حزباً ما من الحصول على أحد المقاعد المتنافس عليها في أية دائرة انتخابية.
ويقترح حزب "العدالة والتنمية" رفع العتبة الانتخابية إلى 6%، وهو ما تعارضه الأحزاب الصغيرة والمتوسطة من حيث أدائها الانتخابي، خشية أن يحول دون تمثيلها في البرلمان، فيما تدعو أحزاب أخرى إلى إلغاء العتبة الانتخابية تماماً.
وأُجريت انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بعتبة بلغت 6%، ثم تم تخفيضها إلى 3% في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2016.
وفاز حزب "العدالة والتنمية" بانتخابات 2011 و2016، وهو يقود الحكومة منذ 2011، للمرة الأولى في تاريخ المملكة.
وفضلاً عن الخلاف حول هاتين الجزئيتين، يوجد خلاف أيضاً حول مطلب إلغاء اللائحة الوطنية للشباب (30 مقعداً)، حيث يتشبث بها حزبا "العدالة والتنمية" و"التجمع الوطني للأحرار" (عضو بالائتلاف الحكومي)، بينما تطالب بقية الأحزاب بلائحة للكفاءات من 90 مقعداً تضم الشباب والنساء، ويتم اعتمادها جهوياً.
إضعاف للشرعية
وبخصوص مطلبي إلغاء العتبة وتعديل القاسم الانتخابي، يقول عبدالحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الأول (حكومية) بسطات (شمال)، إن "الهدف من ورائهما هو المسّ بما تراكم في البلاد في الانتخابات الأخيرة من محاولة لعقلنة المشهد الحزبي والسياسي".
ويضيف اليونسي للأناضول، أن "إحداث التوازن داخل البنية السياسية والحزبية باللجوء كل مرة إلى تعديل تقنيات ومعطيات قانون الانتخابات، من شأنه خلق اللاستقرار في القاعدة القانونية المنظمة للانتخابات، ومن ثم إضعاف شرعية وفاعلية المؤسسات الناتجة عنها".
القراءة ذاتها يذهب إليها عباس بوغالم، محلل سياسي، بقوله للأناضول إن "مطلب إلغاء العتبة هو التفاف على مكتسبات العملية الانتخابية، ويُظهر أن الأحزاب الداعية إليه جعلت من محطة المشاورات فرصة لتحقيق بعض المكاسب تبعاً لاعتبارات مصلحية لكل حزب".
مسألة إيجابية.. ولكن
ويعتبر اليونسي أن "المشاورات بخصوص المنظومة الانتخابية في حد ذاتها مسألة إيجابية". ويضيف أن "الجانب الإيجابي يتجلى في عنصرين اثنين، أولهما الانتظامية في إجراء الاستحقاقات الانتخابية، بعد إتمام الولاية التشريعية والولاية الحكومية والجماعات الترابية (المجالس البلدية) لزمنها الدستوري".
"وثانيهما هو منهجية الإعداد المتمثلة في الحوار والتوافق على النقاط الخلافية المتعلقة بهذه المنظومة"، بحسب الأكاديمي المغربي.
ويستدرك: "لكن التركيز في كل مرة على الجوانب التقنية في هذه المنظومة ليس بمصلحة استدامة محاولة المغرب في الانتقال الديمقراطي، فالمفروض اليوم في الأحزاب أن تكون لها المبادرة بتقديم الأجوبة على تحديات وإكراهات المرحلة في زمن جائحة كورونا اجتماعياً واقتصادياً واستراتيجياً أيضاً".
ويتابع: "وهو أمر (معالجة تداعيات الجائحة) متروك للجنة معينة لا أحد يعلم طبيعتها الدستورية، ولا مدى إلزامية مخرجاتها، وموقع هذه المخرجات في العلاقة مع الوظائف الدستورية للمؤسسات الوطنية".
ويردف: "بالاستناد إلى المذكرات الحزبية بخصوص هذه المشاورات وما يرشح من أخبار من داخلها، يتضح أننا أمام رهانات رقمية تعكس الواقع الحزبي وليس السياسي".
تضييق على العملية الانتخابية
ووفق بوغالم فإن "أجواء المشاورات وما رشح عنها تعكس أننا إزاء نية مبطنة في اتجاه مزيد من التضييق على آلية وبنية ممارسة العملية الانتخابية، ليس من الجهة المسؤولة عن الانتخابات، وإنما من بعض الأحزاب السياسية أيضاً".
ويردف: "في إطار الدفاع عن بعض المصالح الذاتية، يوجد نزوع إلى التضييق على مجريات العملية الانتخابية من خلال التحكم في الانتخابات عبر الآليات القانونية للتأثير في جوهر العملية الانتخابية".
ويرى أن "الغائب في المشاورات هو الحرص على أجواء الانتخابات التنافسية، بمعنى أنه ليس هناك إصرار وحرص على ضمان شروط التنافس السياسي الحقيقي من خلال المقترحات التي تبديها الأحزاب".
ويزيد بقوله: "هناك غياب للحرص على توفير الشروط المحفزة على المشاركة السياسية الواسعة، لاسيما أن التحدي الرئيسي لانتخابات 2021، إذا ما أُجريت في وقتها هو العزوف السياسي".
ويرى بوغالم أن "نتائج المشاورات إلى الآن لا تكرّس إلا انعدام الثقة بالنسبة للمواطنين، وربما تذهب في اتجاه نزع ما تبقى من المصداقية في العملية الانتخابية والعملية السياسية عموماً".
ويتابع: "أجواء المشاورات تؤكد القناعة شبه الراسخة بأن الانتخابات في الزمن السياسي المغربي لا تعدو مجرد سيرورة تفاوضية على التحكم القبلي في مخرجات العملية الانتخابية".
ويضيف أنه "بدل استحضار التحديات الناجمة عن آثار كورونا، تظل الأحزاب وفيّة للحرص على خدمة مصالحها الذاتية، بعيداً عن احترام الإرادة العامة للمواطنين في التعبير عن رهاناتهم".
ويختم بأن "المشاورات لا تعطي أي مؤشر إيجابي على أننا سنخطو خطوة إلى الأمام في إطار العمليات الانتخابية، بقدر ما تؤشر على نوع من الارتداد بالعملية الانتخابية للوراء، لاسيما إذا تمت الاستجابة لبعض المقترحات".