الشرق الأوسط وكوريا الشمالية هما نقطتا الصراع الأكثر سخونة عالمياً، لكن تايوان التي نادراً من تتصدر الأخبار تمثل بؤرة التوتر الكامنة وأشبه ببركان قد ينفجر دون مقدمات، والنتيجة حرب بين أمريكا والصين قد تكون فيها نهاية العالم، فما القصة؟
مجلة The Atlantic الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "نظرة على المشهد في تايوان"، ألقى الضوء على طبيعة العلاقة بين تايوان والصين والتغير الحاصل في ديناميكية تلك العلاقة وخطورة الانشغال الأمريكي عما يحدث على الحدود الملتهبة هناك.
بؤرة توتر لم تشهد أي صراع
تايوان هي من ذلك النوع من بؤر التوتر التي لم تشهد أي توترات قط. كان من المحتمل أن يتحول النزاع حول مصير الجزيرة إلى صراع بين الصين والولايات المتحدة منذ عقود من الزمان. لكن الغزو الصيني الذي كان يُخشى حدوثه لم يأتِ قط. لوقتٍ طويل، ظل الوضع في حالة جمود، حتى إن المأزق الذي تعيشه تايوان كثيراً ما ينتقل تدريجياً إلى سياق القضايا الآسيوية، التي طغت عليها أمور تبدو أشد أهمية، مثل طموحات كوريا الشمالية النووية، والتوترات المتأججة بين الهند وباكستان في كشمير.
ليس الآن. مع تشتت انتباه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسبب جائحة فيروس كورونا، إضافةً إلى سوء حالته الصحية، وانسحابه بالفعل من القضايا الآسيوية، تصاعدت المخاوف بشأن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن المنطقة، وعلى النقيض، تؤكد الصين نفوذها بشكل متزايد، وذلك بعد تنفيذ حملة قمعية في هونغ كونغ -التي سنّت فيها الصين قانوناً صارماً وواسع النطاق للأمن الوطني- مع القليل من التداعيات الفعلية، إن وجدت، من جانب المجتمع الدولي. ونتيجة لهذا، يشعر بعض مراقبي المشهد في تايوان، والمسؤولون في الجزيرة أنفسهم، بالقلق إزاء تزايد احتمالات اندلاع الحرب بهدف السيطرة على الجزيرة، سواء اندلعت بشكل غير مقصود أو حتى أطلقتها بكين عن عمد.
أخبرني وزير خارجية تايوان، جوزيف وو، قائلاً: "لقد أصبح الأمر أكثر مدعاة للقلق". وقال إنه "يشعر بقلق بالغ" إزاء احتمالية استخدام بكين مطالبتها القديمة بتايوان باعتبارها "حجة جيدة جداً لشن هجوم". تومض الأضواء التحذيرية في واشنطن العاصمة؛ إذ قدم كل من السيناتور جوش هاولي وعضو مجلس النواب، مايك جالاغير تشريعاً في الأشهر الأخيرة لتعزيز تعهّد واشنطن (الملتبس بعض الشيء) بشأن حماية تايوان. وقال جالاغير في تصريح: "لم يعد بوسع أي أحد توهُّم أن الحزب الشيوعي الصيني قد يتّحد سلمياً مع تايوان".
ما أصل التوتر بين تايوان والصين؟
في صدام قديم ومتوتر كهذا، مع هذا الكمّ الهائل من الندوب والمخاوف، قد يصعب تحديد الوقت المناسب لإطلاق الإنذار، إذ يرجع تاريخ التوترات المتعلقة بتايوان إلى عام 1949، عندما نجح الشيوعيون بقيادة ماو تسي تونغ في إلحاق الهزيمة بالقوميين الذين كانوا تحت قيادة شيانغ كاي شيك في حرب أهلية دموية وأجبروهم على الفرار من البر الرئيسي للصين إلى جزيرة تايوان، وهناك أعاد القوميون تأسيس جمهورية الصين المنافسة في العاصمة تايبيه، ولم تتخلّ جمهورية الصين الشعبية قط عن مطالبتها بتايوان، التي لا تعتبرها بكين سوى إقليم متمرد، ما يجعل احتمالات اندلاع حرب تخيّم على المنطقة. ولعل موجة التوتر الحالية تلك ليست سوى جولة أخرى من اتخاذ موقف سياسي وتهديداً باستخدام القوة العسكرية.
ولكن من الواضح أن الصين تعمل على زيادة الضغوط على تايوان، ففي الأسابيع الأخيرة، أجرى الجيش الصيني مناورات وتدريبات قريبة على نحو غير معتاد من تايوان، في الجو والبحر. وفي الشهر الماضي، أعلنت بكين بوضوح إنكارها وجود حدود غير رسمية في مضيق تايوان والتي كفلت قدراً من الاستقرار على طول المجرى المائي شديد التحصين. ومؤخراً، حذَّر متحدث باسم وزارة الدفاع الصينية تايوان قائلاً: "من يلعبون بالنار حتماً سيحترقون".
بعض خبراء تايوان غير مقتنعين بأن هدف الرئيس الصيني هو حرب شاملة وصريحة. سيكون شي جين بينغ مجازفاً إلى حدٍّ كبير عند غزو تايوان. إذا أخفقت إحدى الهجمات، أو استمرت لمدة طويلة وكانت باهظة التكلفة، فقد تأتي هذه الخطوة بنتائج عكسية.
استراتيجية شي لا تحبذ الحرب
ويرى ريتشارد بوش، وهو باحث كبير غير مقيم في مؤسسة بروكينغز وخبير قديم في شؤون تايوان، أن الضغوط المكثفة التي يمارسها شي جين بينغ ليست تمهيداً للحرب، بل هي جزء من استراتيجية طويلة الأجل وأقل مجازفةً تهدف لزعزعة الثقة بحكومة تايوان وقدرتها على الصمود في مواجهة الصين، وأخبرني قائلاً: "أنت بذلك تمارس ضغطاً قوياً على كل من ينبغي عليك ترهيبهم".
ورغم ذلك تكشف حالة القلق المتزايد عن حالة عدم اليقين التي تحيط بالأمن العالمي الناتجة عن تغيُّر موازين القوى وانهيار النظام العالمي الأمريكي، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية في منطقة المحيط الهادئ، كانت الأوضاع الآسيوية، وإن لم تكن هادئة طوال الوقت، كانت على الأقل متوقعة إلى حد ما: إذ شكّلت واشنطن نظاماً من التحالفات، مدعوماً بالمبادئ المتسقة للسياسة الخارجية والوجود العسكري الأمريكي، ما رسّخ النفوذ الأمريكي في المنطقة ومنح الاستقرار الكافي للدول الآسيوية -بما فيها الصين- لكي تزدهر.
يواجه هذا النظام صعوبات في الوقت الراهن. تنافس الصين، التي استعادت قوتها من جديد، الهيمنة الأمريكية في آسيا وتحاول إعادة تأكيد مكانتها التاريخية باعتبارها القوة المهيمنة في المنطقة. وفي واشنطن، يشكك الانعزاليون، بقيادة ترامب، في غرض وأهمية الوفاء بالتزامات حقبة الحرب الباردة في آسيا ومختلف أنحاء العالم. ويعمل هذا المزيج على تعزيز الشكوك في أن النظام الأمني الأمريكي قادر أو سوف يتمكن من الصمود.
ساحة سهلة لتأكيد صعود التنين
تايوان هي إحدى طبقات هذا النظام التي قد تنقسم تحت وطأة هذا الارتباك الجغرافي السياسي. تشهد كل من بكين وواشنطن صراع قوى أشد مما كان عليه الأمر منذ عقود، مدفوعتين بالتغيير السياسي في الداخل. كانت التغيرات الأكبر في الصين التي عمل فيها الرئيس شي جين بينغ على إعادة تشكيل الحكومة الشيوعية من خلال حشد أكبر قدر من السلطة مقارنةً بأي زعيم آخر منذ ماو ذاته. أخبرني وو أنه يرى أن هذا التطور كان سبباً رئيسياً وراء التوترات الجديدة، وقال: "لقد تغير النظام السياسي الصيني.. لقد استقرت السلطة السياسية في يد شخص واحد، وينطوي ذلك على جميع أنواع المخاطر".
ولتبرير استيلائه على السلطة، قدّم شي نفسه لأنصاره في الداخل على أنه المدافع الأعظم عن المصالح الوطنية للصين وبصفته الرجل الذي سيجعل الصين عظيمة مرة أخرى على الصعيد الدولي. كذلك أوجد حكم الفرد الواحد لشي وضعاً لا تقع فيه المسؤولية على أي شخص غيره. عندما تسير الأمور على ما يرام، يمكنه الفوز بالثناء كله، وعندما تسير الأمور بشكل خاطئ سيقع كل اللوم عليه وحده. في الوقت الحالي، تُعدُّ الأوضاع في الصين أبعد ما يكون عن الصواب؛ إذ تركت جائحة فيروس كورونا البلاد مزعزعة بشدة وغارقةً في أسوأ انكماش اقتصادي تشهده الصين على الأرجح منذ بدأت الإصلاحات الاقتصادية الداعمة للسوق في أوائل ثمانينيات القرن العشرين. قد تجعل هذه المشاكل تايوان هدفاً جذاباً بشكل خاص، وهي طريقة لتعزيز مكانة شي في الداخل وصقل مقوِّماته بصفته مناصراً للنظام القومي.