ازداد التفاؤل الحذر بشأن إمكانية حل الأزمة الليبية، ولكنه في الوقت ذاته لوحظ تعدد مسارات التفاوض الليبية، إضافة إلى القلق مما يخطط له اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر الذي يتعرض للتهميش جراء التقدم في العملية السياسية.
كما لوحظ وجود خلافات بين بعض مسارات التفاوض رغم الإعلان عن تحقيق تقدم لافت في أغلبها.
تعرف على مسارات المفاوضات الليبية الثلاثة
مسار ألمانيا سويسرا: تفاؤل حذر بشأن إمكانية حل الأزمة الليبية
هو المسار المتمخض عن مؤتمر برلين، وهو المسار الذي عبرت الحكومة الألمانية عن "تفاؤل حذر" بشأنه مشيرة إلى تزايد فرص التوصل إلى حل سياسي للنزاع في ليبيا، إثر مؤتمر دولي عبر الفيديو عقد الإثنين 5 أكتوبر/تشرين الأول (عرف باسم برلين 2).
وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في مؤتمر صحافي في برلين "هناك أسباب لإبداء تفاؤل حذر"، لافتاً إلى أن ثمة "مؤشرات (لدى طرفي النزاع) للانتقال من المنطق العسكري إلى المنطق السياسي".
ومن هذا المسار انطلقت "مشاورات" بين الليبيين في مونترو بسويسرا التي فتحت الطريق أمام تسجيل تقدم جديد من خلال التوصل إلى اتفاق بشأن تنظيم انتخابات في غضون 18 شهراً.
في أعقاب المشاورات، استقالت حكومة الشرق "الموازية" في 13 أيلول/سبتمبر، وأعلن رئيس وزراء حكومة الوفاق فايز السراج أنه مستعد للتنحي بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول، وهي تطورات رأى فيها غوتيريش "دوافع" لاستئناف الحوار.
ولـ"أسباب لوجستية"، بينها استخراج تأشيرات الدخول، فإن اجتماع لجنة الحوار السياسي، المزمع عقده في جنيف منتصف الشهر الجاري، قد يُعقد في جزيرة جربة التونسية، برعاية الأمم المتحدة، وبمشاركة أطراف من غربي وشرقي ليبيا، ومن المنتظر أن يحسم هذا الاجتماع قضية اختيار خليفة للسراج، بالإضافة إلى نائبي رئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة.
مسار المغرب: تقدم لافت
وفي أعقاب لقاء مونترو، توصل برلمانيون من المعسكرين المتخاصمين أيضاً في العاشر من سبتمبر/أيلول في المغرب إلى اتفاق شامل على طرق تقاسم المناصب على رأس مؤسسات الدولة بالإضافة إلى إعادة توحيد هذه المؤسسات.
ويبدو أن هذا المسار حقق نجاحاً لافتاً، إذ قال مسؤول بوزارة الخارجية المغربية، إن وفدي الحوار الليبي سيوقعان مساء الثلاثاء، اتفاق معايير اختيار المناصب السيادية.
وأضاف المسؤول، للأناضول، مفضلاً عدم نشر اسمه، أن التوقيع سيتم اليوم في مدينة بوزنيقة حيث يجري الحوار بعد التوافق بين وفدي المجلس الأعلى للدولة الليبي ومجلس النواب بطبرق، دون ذكر أي تفاصيل أخرى.
والإثنين، أعرب وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، عن أمله بتوقيع الاتفاق الليبي الذي يهم المناصب السيادية "في القريب العاجل".
جاء ذلك في كلمة له خلال إحدى جلسات الجولة الثانية من الحوار الليبي الذي يعقد في بوزنيقة.
وأضاف بوريطة أن "طرفي الحوار على وشك إنهاء وتثبيت اتفاق تطبيق المادة 15 من اتفاق الصخيرات (الموقع في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015)، وهي أحد الأمور الأساسية لتوحيد المؤسسات".
وتنص المادة على أن يتشاور مجلس النواب مع مجلس الدولة خلال 30 يوماً (من توقيع الاتفاق)؛ بهدف التوصل إلى توافق حول شاغلي المناصب السيادية.
مسار مصر: المفاوضات العسكرية
كما بدأت المفاوضات في مصر بين ممثلين عسكريين من الطرفين في نهاية سبتمبر/ أيلول 2020 بتمهيد الطريق لوقف دائم لإطلاق النار.
وعقدت في مدينة الغردقة المصرية المحادثات الأمنية والعسكرية بين وفد من ميليشيات حفتر ووفد عسكري من حكومة الوفاق وخرجت بعدة توصيات كشفت عنها بعثة الدعم للأمم المتحدة التي رعت المحادثات تضمنت الإسراع بعقد اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 بلقاءات مباشرة، والإفراج الفوري عن كل من هو محتجز على الهوية من دون أي شروط أو قيود.
هل هناك صدام بين هذه المسارات؟
كثرة المبادرات قد تؤدي إلى تصادمها، مثلما هو الأمر بالنسبة لمشاورات جنيف التي تقودها الأمم المتحدة لاختيار مجلس رئاسي جديد ورئيس حكومة، والتي تتقاطع مع مشاورات بوزنيقة، التي لا تعد المنظمة الدولية طرفاً فيها، ما يعني أن كلاً منهما تشوش على الأخرى، فضلاً عن تنافس بين دول شمال إفريقيا (المغرب ومصر والجزائر وتونس) لاحتضان المشاورات الرئيسية لحل الأزمة الليبية.
واللافت أن المغرب أعلن الإثنين 5 أكتوبر/تشرين الثاني 2020، عدم المشاركة في "مؤتمر برلين 2" حول الأزمة الليبية، الذ عقد في وقت لاحق من اليوم الإثنين عبر تقنية التواصل المرئي، برعاية ألمانيا والأمم المتحدة.
في المقابل، قالت القائمة بأعمال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا ستيفاني وليامز الإثنين إن الأمم المتحدة تعد الآن "لسلسلة من الاجتماعات والمشاورات" لتسهيل استئناف المحادثات بهدف التوصل إلى "اتفاق سياسي شامل"، في ختام جولة ثانية من المحادثات في بوزنيقة قرب الرباط.
وقال مصدر تابع للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق إن ستيفاني وليامز، نائب رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تدعم بشكل مباشر التحضيرات التي تتم من أجل إنجاح الحوار الذي سيتم في جنيف خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وقال المصدر لـ"عربي بوست": "إن ستيفاني أجرت العديد من المقابلات التحضيرية مع العديد من الكتل السياسية الليبية التي ترتبط بشكل مباشر بالمشكلة السياسية الليبية، وعلى رأسها حزب العدالة والبناء وممثلون عن رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح وممثلون عن أنصار النظام السابق وممثلون عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق".
إذ أبلغت رئيس المجلس الأعلى للدولة –خالد المشري– والحكومة المغربية أن اجتماعات المغرب غير ملزمة بقرارات، وأنها ستكون بمثابة فرصة لتقريب وجهات النظر، مؤكدة أن المسار السياسي الوحيد المعترف به لدى البعثة هو مسار سويسرا فقط.
وأشار المصدر إلى أن الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة لوَّحت بورقة فرض عقوبات دولية على كل الأطراف السياسية التي تسعى لعرقلة المسار السياسي الذي ترعاه بعثة الدعم في ليبيا، مشيرة إلى رئيس المجلس الأعلى للدولة الذي يحاول الاستمرار في إنشاء حوار ليبي-ليبي موازٍ في مدينة الزنيقة المغربية.
ويظهر تعدد المسارات حجم التفتت داخل كل فريق، فقد رفض مجلس النواب في العاصمة طرابلس تهميشه في محادثات المغرب، رغم أنه يضم أغلبية النواب (أكثر من 80 نائباً من إجمالي 188)، مقارنة بمجلس النواب في مدينة طبرق (شرق)، برئاسة عقيلة صالح (نحو 26 نائباً)، والموالي لحفتر.
وفضل المجلس الأعلى للدولة الليبي (نيابي استشاري مقره طرابلس) إرسال وفد إلى المغرب، للتشاور مع وفد من برلمان طبرق، من دون أن يكون لبرلمان طرابلس أي دور مباشر في المحادثات.
كما عبر قادة عسكريون كبار لحكومة الوفاق عن رفضهم لما وصفوه بتقاسم المناصب بين برلمان طبرق والمجلس الأعلى للدولة، وانتقدت غرفة عمليات سرت-الجفرة العسكرية المشاورات بشأن ما سمته تقاسم المناصب، وأصرت على أن "تبقى طرابلس عاصمة لليبيا"، بدلاً من نقل مقرات السيادة مؤقتاً إلى مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، كما رفضت "الحكومات الانتقالية"، ودعت إلى الاستفتاء على الدستور وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية مباشرة.
خطة عقيلة صالح لإقصاء حفتر والجلوس على مقعد القذافي
خلال الاجتماعات التحضيرية لم يُذكر اسم حفتر على طاولة المفاوضات، لكن على الأغلب فإنه سيطرح كونه يملك قوة عسكرية تسيطر على مناطق شرق ليبيا وسرت والجفرة.
ومن جانب آخر، أشارت مصادر إلى أن صالح يضغط بقوة على تعيينه رئيساً للمجلس الرئاسي الجديد والمكون من 3 أعضاء ومقره مدينة سرت، مؤكداً أن بعض الأطراف السياسية المحسوبة على حكومة الوفاق والمشاركة في الحوار وافقت على طلبه، شريطة أن تكون الحكومة منفصلة عن المجلس الرئاسي الجديد.
وأشار المصدر إلى أن رئيس برلمان طبرق -عقيلة صالح- يرغب في إزاحة خليفة حفتر من المشهد السياسي والعسكري القادم، شريطة تبنِّي طرف حكومة الوفاق ذلك الموقف بحسب مندوبيه في المفاوضات.
ويسعى عقيلة إلى اقتسام السلطة مع الغرب باسم المنطقتين الشرقية والغربية، من دون أن يملك ما يمكن أن يقدمه لقادة المنطقة الغربية وللاستقرار في البلاد، فحفتر مسيطر بالكامل على إقليم برقة (شرق) وبدرجة أقل على إقليم فزان (جنوب)، وميليشياته لا تستمع لأوامر عقيلة، سواء تلك المتعلقة بوقف إطلاق النار أو إنهاء إغلاق حقول وموانئ النفط.
وتدعو أطراف نافذة في الغرب الليبي إلى إنهاء المراحل الانتقالية، التي يدعو إليها عقيلة صالح، ومن بين هذه الأطراف السراج، إذ سبق أن دعا إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس/آذار 2021، لكنه رضخ للأمر الواقع الذي يسعى عقيلة لفرضه على الجميع، من خلال تقاسم المناصب السيادية على أساس مناطقي.
وكذلك الأمر بالنسبة لخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، حيث كان أكثر المتحمسين لتنظيم استفتاء على الدستور في أقرب وقت، لكنه تنازل للتمسك بآخر أمل لتحقيق السلام، لكن القيادات العسكرية في المنطقة الغربية ترفض التنازل لرئيس برلمان طبرق، الذي "لا يملك سلطة على الأرض، وإنما يملكها حفتر"، على حد قول وزير الدفاع الليبي، صلاح الدين النمروش.
خطر الانهيار مازال ماثلاً
رغم وصف الأمين العام للأمم المتحدة للتطورات الأخيرة بأنها تمثل فرصة نادرة لإنجاز تقدم حقيقي سعياً لتحقيق السلام والاستقرار في ليبيا، إلا أن خطر الانهيار كذلك مازال كبيراً.
ففي ظل توارد التقارير الدولية عن استمرار قوات فاغنر تعزيز تواجدها ورفض روسيا على لسان وزير خارجيتها لدعوات خروج القوات الأجنبية سيكون من الصعب التحدث عن دعم المسار السياسي وفرض وقف إطلاق النار، حسب المحلل السياسي عمر التهامي.
وقبل عدة أسابيع عززت روسيا دعمها لحفتر.. وأفادت تقارير بأنها تستعد لإرسال 1000 مرتزق من مناطق النظام السوري إلى ليبيا.
وعلى الرغم من التقاربات الأمريكية الأوروبية والتصريحات المتفائلة فإنها تفتقر إلى آليات واضحة وفعلية على الأرض تجبر الجانب الروسي، وكذلك حفتر على التراجع خطوات للوراء؛ لإفساح المجال لتشكيل مجلس رئاسي جديد يوحد البلاد.
في ظل هذا الزخم الدولي الذي يحاول التوصل إلى اتفاق جديد، بديل عن اتفاق الصخيرات الموقع في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، حذر الجيش الليبي من تحركات "مشبوهة" لميليشيات حفتر في سرت (250 كلم شرق مصراتة) وجنوب بلدة الشويرف (400 كلم جنوب طرابلس).
هذا الوضع على الأرض يعيد للأذهان ما حدث العام الماضي عندما كانت الأمم المتحدة تحضر لعقد مؤتمر حوار جامع لليبيين، في 14 إبريل/نيسان من ذلك العام، وقبل 10 أيام من هذا التاريخ هاجمت ميليشيات حفتر العاصمة طرابلس (غرب)، مقر الحكومة، بشكل مباغت، ما نسف شهوراً من التحضيرات الأممية لهذا المؤتمر.
لذلك فإنه من غير المستبعد أن يُقدم حفتر على مغامرة جديدة لاستهداف مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) من الغرب، والعاصمة من الجنوب، خاصة أن الدعم العسكري الأجنبي له بالأسلحة والمرتزقة لم يتوقف منذ هزيمته بطرابلس، في يونيو/حزيران الماضي، بحسب مراقبين للوضع.
وربما يكون حفتر اقترب من استكمال تحشيداته لبدء هجوم جديد، خاصة أن أغلب القادة السياسيين والعسكريين في المنطقة الغربية يرفضون أي دور مستقبلي له في قيادة البلاد بعدما أجهض كل فرص السلام وارتكب الكثير من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.