ربما لم تواجه أي حملة انتخابية في تاريخ الولايات المتحدة موقفاً أسوأ من ذلك الذي تواجهه حالياً حملة الرئيس دونالد ترامب، والسبب الواضح هو إصابة المرشح نفسه بفيروس كورونا، الذي أرادت الحملة ألا يكون محور الانتخابات، لكنه أصبح الملف الأبرز وربما الأوحد، فهل حُسمت الانتخابات أم أن مفاجآت أخرى لا تزال على الطريق؟
صحيفة Washington Post الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "ليس فقط بسبب الفيروس.. حملة ترامب تمر بأسوأ أيامها"، تناول الموقف الصعب الذي تواجهه حملة الرئيس الجمهوري الساعي للفوز بفترة ثانية.
الموقف الأسوأ على الإطلاق
ربما لم يمر بأي حملة انتخابية في تاريخ الولايات المتحدة الطويل يوم أسوأ من 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020، على حملة إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب.
المشكلة التي حدثت يومها هي أن المرشح نفسه أصيب بكوفيد-19، المرض الذي يسببه فيروس كورونا المستجد، والذي تسبب في جائحة عالمية، وهذا ليس حدثاً بسيطاً، فكوفيد-19 لا دواء له ولم يثبت وجود علاجات مجدية. والأسوأ أنه يضر أكثر بكبار السن والرجال والمصابين بالبدانة المفرطة، وكل هذا ينطبق على الرئيس. ومع أن الغالبية العظمى من الأمريكيين يتعافون من المرض، حتى كبار السن منهم، فهناك دائماً احتمالية حدوث تطورات سلبية خطيرة.
يعني مرض ترامب أنه سيظل منعزلاً في البيت الأبيض نحو أسبوعين، ومن ثم لن يشارك بنشاط في الحملة الانتخابية، لطالما رأى الرئيس مؤتمراته الحاشدة أداة جوهرية في نجاحه السياسي، وهذا من الأسباب التي دفعته إلى بدئها مبكراً هذا العام، لكن حتى تتحسن حالته الصحية وتقل مخاطر نقل العدوى لآخرين لن يعقد ترامب أي فعاليات، فضلاً عن مؤتمرٍ حاشد بين أنصاره.
وكما نقلت صحيفة واشنطن بوست، ليس من الواضح متى أصيب ترامب بالفيروس، ومتى كان معدياً وبالإمكان أن ينقله إلى آخرين، فعلى مدار هذا الأسبوع سافر ترامب والتقى بأفراد من عائلاته ومساعدين بالحملة الانتخابية ومسؤولين منتخبين بالدولة. ومن قبيل الحرص، ألغت حملته الفعاليات التي تتضمن أفراد عائلته، وهؤلاء كانوا ينقلون رسالته بنشاطٍ لأنصاره، وليس من الواضح إلى متى سيستمر ذلك الحظر، لكنه يعني بكل تأكيد خسارة عددٍ من الفعاليات قبل شهرٍ أو أقل قليلاً من يوم الانتخابات.
إن الجائحة من بين الأسباب الرئيسية التي جعلت ترامب يتذيل نائب الرئيس السابق جو بايدن في استطلاعات الرأي، نتيجةً لذلك حاولت حملة ترامب أن تحول انتباه الناخبين عن الجائحة وإلى معدلات الجريمة أو الاقتصاد. لكن تشخيص ترامب بكوفيد-19 يهدم كل هذه المحاولات. على المدى القصير، ومادام ترامب يظل بعيداً عن مسار حملته الانتخابية، فستكون الجائحة أهم القضايا في الحملة الانتخابية بفارقٍ كبير.
تذكير بالفشل في حرب الوباء
والأمز يزداد سوءاً لحملة ترامب، فتركيز السباق الانتخابي لم يكن فقط على الجائحة، بل بالأخص على قرار ترامب بأن يهون مراراً وتكراراً من مخاطر الفيروس، ويدفع باتجاه عودة البلاد إلى الأوضاع الطبيعية. والجهود التي بذلها ترامب ليشير إلى أن الجائحة قد انتهت تسببت في أن تعاملها بعض الولايات وعشرات الآلاف من الأمريكيين كما لو أنها قد انتهت بالفعل. وعلى مدار فصل الصيف تسببت هذه الطريقة في زيادة كبيرة في أعداد الإصابات في الجنوب، وإصابة ترامب بالعدوى تبدو نموذجاً مصغراً لاستراتيجيته الوطنية تحت شعار "تجاهل الأمر وسيرحل من تلقاء نفسه".
وجاء تشخيص ترامب بكوفيد-19 بالتزامن مع إصابات أخرى مؤكدة، من بينها عضو مجلس الشيوخ الجمهوري مايك لي، وهو واحد ممن تأكدت إصابتهم بالفيروس بعد أن كان في البيت الأبيض يوم السبت، 26 سبتمبر/أيلول، من أجل ترشيح القاضية إيمي كوني باريت لعضوية المحكمة العليا، ما أثار تساؤلات بشأن تلك الفعالية، خاصة أن الصور تظهر أن أغلب الحضور جلسوا على مقربة من بعضهم البعض دون كمامات، كما تُظهر مقاطع الفيديو الكثير من المصافحات والعناق بين الحضور.
غير أن عدوى لي تثير تساؤلاتٍ أوسع: هل سيمضي الجمهوريون قدماً بترشيح باريت المخطط له؟ لي عضوٌ باللجنة القضائية بمجلس الشيوخ، التي ستصوت على عرض ترشيح القاضية على مجلس الشيوخ بأكمله. وهذه اللجنة يترأسها السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي تعهد بأن يمضي قدماً في الجدول المعلن. لكن هذا قد يخرج عن سيطرته، وتأخير ترشيح باريت قد يمثل ضربة لخطط ترامب بخصوص نتيجة الحملة الانتخابية.
وزادت احتمالية تأجيل ترشيح باريت حين عرفنا، مساء الجمعة، أن السيناتور الجمهوري طوم تيليس أصيب بكوفيد-19 أيضاً. حضر تيليس الفعالية بالبيت الأبيض هو الآخر، وهو أيضاً عضو باللجنة القضائية. وإن لم يتمكن لي وتيليس من المشاركة في عملية ترشيح باريت فسيفقد الجمهوريون الأغلبية في اللجنة القضائية، ومعها نظرياً القدرة على عرض الترشيح على مجلس الشيوخ.
مزيد من الأخبار السيئة
وتحت أخبار فيروس كورونا تختبئ أخبار سيئة أخرى لحملة ترامب، زادت الوظائف في الاقتصاد الأمريكي بواقع 661 ألف وظيفة في سبتمبر/أيلول، وهذا أقل من المتوقع. والأكثر إثارة للقلق هو أن أعداد من فقدوا وظائفهم بشكلٍ دائم زادت بواقع 345 ألف شخص. وقد ذهب ترامب وحملته إلى الاحتفال بالانخفاض في عدد الأشخاص العاطلين منذ بداية الجائحة قبل أشهر، لكن العديد من حالات فقدان الوظائف كانت مؤقتة. على مدار الأشهر السبعة الماضية زاد عدد الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بشكل دائم كل شهر.
هناك الآن زيادة تصل إلى 2.5 مليون شخص خسروا وظائفهم بصورة دائمة، مقارنةً بفبراير/شباط الماضي. وعدد الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بشكل دائم أعلى في سبتمبر/أيلول من أي نقطة أخرى منذ مايو/أيار 2013. وهذه الزيادة خلال سبعة أشهر هي أعلى زيادة منذ مايو/أيار 2009، عند قمة الركود الاقتصادي، وهذه ليست أخباراً جيدة للاقتصاد، وبالتالي ليست أخباراً جيدة لحملة ترامب.
هل يعني هذا حسم الأمر؟
لا يعني بالطبع يوم واحد سيئ، حتى وإن كان من أسوأ الأيام في التاريخ، أن الحملة قد انتهى أمرها، إذ يسهل أن نرى كيف يمكن أن ينتفع ترامب من التقاطه العدوى.
قد يحصل ترامب على بعض التعاطف من المصوتين، لكن هذا من المستبعد أن يحدث على نطاقٍ واسع، نظراً للمشاعر القوية التي يكنها المعارضون لرئاسته، وربما ينتفع ترامب أكثر من تغلبه على العدوى سريعاً والعودة بكامل طاقته في غضون أيام، ما سيمثل استعراضاً مباشراً لإصراره على أن الفيروس ليس بالخطير على أغلب الأشخاص.