سياسات السعودية أضرت المصالح الأمريكية بالشرق الأوسط، وحان الوقت لتغييرها هكذا كتبت أنيل تشايلاين الباحثة في معهد كوينسي في مقال لها بموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
تقول تشايلاين في مقالها"منذ عامين، يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، قتلَ النظامُ السعودي جمال خاشقجي ذبحاً في القنصلية السعودية بإسطنبول. ومع ذلك، وعلى الرغم من ارتكاب عمل شنيع كهذا، إضافة إلى عدد لا يحصى من القرارات الأخرى التي تتعارض مع المصالح والقيم الأمريكية، أبقت إدارة ترامب على دعمها القوي لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان".
ويبدو أن ترامب سيظل ينظر إلى محمد بن سلمان على أنه حليف ثري، حريص على إنفاق المليارات على الأسلحة الأمريكية، (على الرغم من اعتراضات الكونغرس)، وصديق مفيد، حتى نهاية مدة ترامب الرئاسية في البيت الأبيض.
ومن ثم، من غير المرجح أن تتغير علاقة الولايات المتحدة بالسعودية في عهد ترامب. على الجانب الآخر، فإن إدارة بايدن، حال وصوله إلى الرئاسة، يجب أن تستخدم نفوذها لدفع السعودية بعيداً عن طريق العنف، ونحو القيام بدور أكثر إنتاجية في حل أزمات المنطقة.
كيف غير بن سلمان أسس السياسات السعودية التي بدأت قبل عقود؟
إن تأثير محمد بن سلمان على السياسات السعودية الأخيرة تأثيرٌ جدير بالملاحظة، إذ لطالما اتسمت سياسة السعودية الخارجية بالحيطة والحذر، وجرت العادة أن ترتكز عملية صنع القرار في المملكة على الوصول إلى إجماع بين الفروع القوية لعائلة آل سعود الحاكمة، وهو ما حفظ المملكة عادةً من اتخاذ قرارات متهورة.
غير أنه، ومنذ صعود الملك سلمان إلى سدة العرش في عام 2015 وقراره اللاحق بتنصيب ابنه محمد وزيراً للدفاع أولاً، ثم ولياً للعهد بعد ذلك في عام 2017، عكست السياسة الخارجية السعودية في كثير من الأحيان الروحَ الشابة المتهورة لمحمد بن سلمان، وغطرسته، ونزعته العدوانية، حسب تعبير كاتبة المقال.
ومع ذلك، فإن أسوأ اندفاعاته تلك حظيت بالدعم والتواطؤ من إدارة ترامب، وعلى رأسها دعم ترامب المستمر لحرب النظام السعودي على اليمن، وتغاضيه الأوليّ عن قرار فرض الحصار على قطر.
الأوراق التي تمتلكها واشنطن لدفع السعودية لتغيير سياساتها
واستجابة لهذا السياق، جاء تقرير جديد نشره "معهد كوينسي " Quincy Institute الأمريكي، من إعداد آنيلي شيلين وستيف سيمون، ليوصي بمسار العمل التالي للحكومة الأمريكية فيما يتعلق بالعلاقات مع السعودية: يجب على الولايات المتحدة الضغط على السعودية لإنهاء الحرب على اليمن؛ إنهاء الحصار المفروض على قطر؛ المشاركة في تطوير هيكل أمني إقليمي شامل؛ احترام سيادة الدول الأخرى وكذلك حقوق الإنسان للمواطنين السعوديين.
ولتشجيع السعودية على تبني هذه السياسات، يجب أن تبدي الولايات المتحدة استعداداً لدعم سبل التنويع الاقتصادي السعودي والاستثمار فيها ودعم تطوير الطاقة النووية السعودية، لا سيما لأغراض تحلية المياه. أما إذا لم تستجب السعودية لهذه الحوافز، فيجب على الولايات المتحدة إنهاء جميع عمليات بيع الأسلحة إلى السعودية والبحث عن شركاء إقليميين آخرين.
وفي حين أن التقرير المشار إليه يقدم مزيداً من التفاصيل حول النقاط الموضحة أعلاه، يُعنى هذا المقال بالتركيز على سياستين سعوديتين محددتين تلحقان ضرراً كبيراً بالمصالح الأمريكية:
سياسات السعودية أضرت المصالح الأمريكية بالشرق الأوسط
الحرب على اليمن: لا يمكن للحرب التي تشنها السعودية على اليمن وقصفها المستمر لأراضيها أن تستمر على أي نحو إلا بالدعم المقدّم للمملكة من الولايات المتحدة. هذه الحرب تسببت في مقتل ما يقدر بنحو 127 ألف شخص، تُوفي منهم 13500 في عمليات "قصف مستهدفة"، وقد نفذت السعودية الغالبية العظمى من هذه العمليات بمساعدة مباشرة من الولايات المتحدة.
وبصرف النظر عن المطلب الأساسي بالعمل دائماً على عدم إتاحة الفرصة أمام عمليات القتل الجماعي، فإن حتى أي حساب براغماتي بارد للمصلحة البحتة للولايات المتحدة ذاتها يذهب إلى ضرورة إنهاء "الحرب السعودية الأمريكية"، كما تُعرف في اليمن، قبل أن تؤدي إلى مزيدٍ من تفاقم ردود فعل سلبية حيال الولايات المتحدة (يكفي التذكير هنا بأن التعاون العسكري السعودي الأمريكي في أفغانستان خلال الثمانينيات أنتج أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة). ومن ثم، يجب على الولايات المتحدة التراجع عن كل سبل الدعم لعمليات القصف السعودية في اليمن، والإصرار على أن توقف السعودية أعمالها العدائية هناك.
ومع ذلك، سيتطلب إنهاء الضربات الجوية السعودية على اليمن تواضعاً غير معهود من محمد بن سلمان، لأنه يعني اعترافاً ضمنياً بأن الطموحات العسكرية السعودية كانت متغطرسة ومغرقة في الوهم والافتراضات الزائفة بأن القوة السعودية أكبر وأن الحوثيين أضعف مما أبان عنه الواقع بعد ذلك. ومع ذلك، ولأن الإمارات سحبت معظم قواتها العسكرية من اليمن في ديسمبر/كانون الأول 2019، فعلى الأقل لن يخشى محمد بن سلمان من أن يتسبب الانسحاب السعودي في نهاية المطاف في إثارة غضب ومعاداة حليفه، محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات.
بن سلمان قد يكون مستعداً لإنهاء حصار قطر، ولكن المشكلة في حليفه بن زايد
في المقابل، فإن القرار الذي من المتوقع أن ينطوي على معارضة محمد بن سلمان لرغبات حليفه محمد بن زايد، هو قرار إنهاء الحصار المفروض على قطر. لهذا السبب، وعلى الرغم من أن محمد بن سلمان قد يشعر بميل إلى رأب الصدع الخليجي أكثر من الاعتراف بهزيمته في اليمن، فقد يكون القرار الثاني الخاص بالاعتراف بهزيمته في اليمن أخف وطأة وأكثر إمكاناً بسبب علاقاته الوثيقة مع محمد بن زايد. ومع ذلك، فإن هذه أيضاً خطوة إيجابية، إذ يمكن القول إن إنهاء الحرب على اليمن له فوائد إنسانية أعظم أثراً وامتداداً بكثير من إنهاء الحصار المفروض على قطر، وإن كان كلاهما مهماً لمصالح الولايات المتحدة.
حصار قطر: في 5 يونيو/حزيران 2017، قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر جميع العلاقات مع قطر، وأصدرت تلك الدول خلال الأيام التالية عريضة من 13 مطلباً لإنهاء الحصار. لم تمتثل قطر لهذه المطالب، بل تمكنت خلال السنوات الثلاث الماضية من تسيير أمورها وحتى الازدهار وتجاوز آثار المقاطعة. ومنذ ذلك الوقت، تواصلت قطر مع السعودية وبذلت الجهود لإعادة العلاقات. وعقب الهجوم على منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص في سبتمبر/أيلول 2019، أعرب القطريون عن تضامنهم مع السعودية.
وقد حظيت هذه المبادرات بالتقدير من جانب السعودية، التي كانت لا تزال تعاني آثار الهجوم وكذلك ردود الفعل الصامتة من راعيها الأمني المعتاد، الولايات المتحدة. وحينها، اعتقد مراقبون أن السعودية قد تعلن إنهاء الحصار، ربما خلال قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض في ديسمبر/كانون الأول 2019، إلا أن ذلك لم يحدث واستمر الحصار السعودي. كل ذلك على الرغم من إنهاء الحصار المفروض على قطر يعدُّ أمراً حاسماً لمصالح الولايات المتحدة المتعلقة بدعم تطوير هيكل أمني إقليمي، وهو أمر ضروري لمزيد من الاستقرار الإقليمي، خاصة أن الولايات المتحدة متجهة إلى سحب قواتها من هناك.
علاوة على ذلك، فإن إنهاء الحرب على اليمن والحصار المفروض على قطر يتيح للسعودية تركيزَ مزيدٍ من مواردها وانشغالها على مستقبل الشباب السعودي. كما أن السعودية ذاتها تمر بمرحلة انتقالية حاسمة.
فعلى الرغم من سياسته الخارجية المتهورة، لا ينفك محمد بن سلمان ووالده يحدثان تحولاً اجتماعياً مستمراً في المملكة. والناظر إلى تغيّر الأوضاع الآن، يجب أن يذكر أن المواطنين الذكور في السعودية كان معظمهم توظّفهم الحكومة، كما كانت السلطات تمنع المواطنات من العمل أو القيام بأي نشاط من شأنه أن ينتهك الفصل الصارم بين الجنسين، الذي تمليه المؤسسة الدينية القوية في المملكة، في حين أن معظم العمل الفعلي كان يقوم به عمال أجانب.
من جهة أخرى، وفي سياق الانخفاض الحاد في أسعار النفط الذي بدأ في عام 2014، ومن المرجح أن يستمر بسبب انخفاض الطلب العالمي على الطاقة في ظل الإغلاق المرتبط بجائحة كورونا، فإن السعودية لم تعد قادرة على تحمل ترتيباتها الاجتماعية السابقة. ورغم أن الملك عبدالله (الذي حكم من 2005 إلى 2015) كان قد شرع في بعض الإصلاحات، فإن الملك سلمان وابنه محمد هما من مضيا في طريق تغيير القوانين والحض على تغيير الأعراف التي كان لها تأثير متجذر في الحياة الاجتماعية في المملكة. وقد عملت السياسات الحكومية في عهدهما على تشجيع الذكور والإناث على العمل، وفي الوقت نفسه فرضت ضرائب مكثفة على الأجانب، ما دفع ملايين من العمال الوافدين إلى مغادرة البلاد.
سبق هذا التحول الاجتماعي ما يمكن أن يكون تحولاً بالغ الأهمية للاقتصاد السعودي، لينحو بعيداً عن اعتماده التام على الوقود الأحفوري. إذ دعت رؤية محمد بن سلمان الطموحة "رؤية 2030" إلى زيادة الصادرات غير النفطية من 16% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 50%، وزيادة مساهمة القطاع الخاص من 45% إلى 65%، مع توسيع نطاق فرص العمل والاستثمار ومصادر الإيرادات غير النفطية.
وفي الوقت نفسه، تحث رؤية 2030 نظامَ التعليم السعودي على أن يصبح أكثر توجهاً وتركيزاً على السوق والضرورات الاقتصادية، بدلاً من التركيز على الواجبات الدينية. ويتوق الشباب السعوديون في المناطق الحضرية، وقد درس كثير منهم في الخارج في إطار برنامج منح الملك عبدالله للدراسة في الخارج، إلى التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي وعد بها محمد بن سلمان.
كما أن محمد بن سلمان، وإن كان قد كشف عن وجه قاتل لا يعرف الرحمة، (حسب تعبير الكاتبة) فإن المرجح أن يكون هو ملك السعودية خلال العقود القادمة. (وسواء أصبح محمد بن سلمان الملك أم لم يصبح، فهذا سؤال يخص آل سعود، ويتعلق بقدرة السعوديين على الصمود في وجه الجهود الموجهة لقمعهم). ومن ثم، فبغض النظر عن كل ذلك، يجب على الولايات المتحدة استخدام سبل الترغيب والترهيب كافة لتشجيع السعودية على التحرك نحو مزيدٍ من التعاون ودعم الاستقرار، ودفعها بعيداً عن منهج العنف والقمع.