من المرجّح اعتبار الأمر بمثابة أكبر "مفاجآت أكتوبر/تشرين الأول" في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لكن أيّ شخصٍ يُراقب باهتمام كان سيتوقع حدوث ذلك بكل سهولة، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
إذ ثبتت إصابة ترامب بفيروس كورونا بعد أن زعم أنّه "سيختفي"، وقال للصُحفي بوب ودوارد إنّه يُقلّل من شأن الفيروس عمداً، وفشل في تطوير استراتيجية اختبارات كورونا قومية، ورفض ارتداء قناع الوجه طيلة شهور، وطرح فكرة حقن المرضى بسائلٍ مُبيِّض، وأكّد لأحد حشود تجمعات حملته الانتخابية العديدة أنّ المرض "لا يُؤثّر على أحدٍ تقريباً". لدرجة أنّه في مناظرة يوم الثلاثاء 29 سبتمبر/أيلول، سخر من منافسه جو بايدن قائلاً: "يُمكنه أن يتحدّث واقفاً على بُعد 60 متراً، ولكنّه قرّر الظهور بأكبر قناع وجهٍ رأيته في حياتي".
"العدو الخفي" اخترق أسوار البيت الأبيض
وأوحت تصرفاته بإحساسٍ من لا يُقهر، حتى بعد موت أكثر من 200 ألف أمريكي. لكن الأيام تدور ولا صوت يعلو فوق صوت القدر، كما حدث مع رئيس الوزراء البريطاني المُتعجرف بالقدر نفسه بوريس جونسون، والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو. لقد اخترق كوفيد-19، الذي لقّبه ترامب بـ"العدو الخفي"، أسوار البيت الأبيض.
وقبل 32 يوماً من الانتخابات التي تُوصف عادةً بأنّها ستكون الأكثر أهميةً في الذاكرة الحية، تُغيّر هذه الأخبار كل شيء. إذ كان ترامب يفعل كل الأشياء التي يُحبها، بعقده تجمعات لحملته وفقاً لجدولٍ مزدحم خلال الأسابيع الأخيرة، ويُحاول إعادة خلق السحر المتصور لحملة عام 2016. ولكن لم يُعد من الممكن تصوّر المزيد من التجمعات أو حتى الرحلات الجوية على متن الطائرة الرئاسية لهذا الغرض، في ظل الحجر الصحي. وفي حال خسارة ترامب للانتخابات، فربما لن يعقد ترامب أي تجمعٍ آخر على الإطلاق.
هل سينقلب الأمر إلى حالة من التعاطف الشعبي مع ترامب؟
كما تُثار علامة استفهامٍ كبيرة حول المناظرة الرئاسية الثانية المقرر عقدها في الـ15 من أكتوبر/تشرين الأول، فربما يتمكّن ترامب من المشاركة فيها فعلياً إنّ صار بصحةٍ جيدة. وربما يكون من الأفضل والأرحم للجميع ألا تحدث المناظرة، بعد ما حصل يوم الثلاثاء.
ومن الناحية السياسية، كيف ستسير الأمور؟ في حال كانت إصابة ترامب بدون أعراض، فهناك خطورة بأنّه قد يحاول التقليل من شأن الفيروس مرةً أخرة، ويُحاول أن يُثبت لأنصاره: لماذا كل هذه الضجة حول الأمر؟ ولكن في حال صار مريضاً بشدة، فربما يستفيد من زيادة التعاطف العام معه كما حدث مع جونسون.
إذ قال الدكتور فين جوبتا، أخصائي أمراض الرئة والمساهم الطبي في شبكة MSNBC الأمريكية: "لقد تغيّر شكل السباق الرئاسي على نحوٍ كبير الليلة. يجب ألا تعقد المزيد من التجمعات على أرض الواقع لما تبقى من الموسم الانتخابي. وأعتقد أنّنا نخشى هنا، في حال ظل الرئيس بدون أعراض، أنّه قد يستغل ذلك للتقليل من شأن خطورة العدوى. لقد كانوا يسخرون من أقنعة الوجه في عدة مناسبات. لكن حقيقة حدوث ذلك وحدها تُمثّل إدانةً كافية، ويُمكن القول مع الأسف "إنّنا حذرناكم مسبقاً" بناءً على شهورٍ طويلة من تحريف ممارسات الصحة العامة الجيدة. كان بالإمكان تجنّب الأمر. وما كان ذلك ليحدث لو كانوا يتبعون إجراءات مناسبة، ولا يعقدون تلك التجمعات والفعاليات الفوضوية، حيث يُمكن بالطبع أن يحدث انتقالٌ للفيروس في الهواء -حتى وإن كان المكان في الهواء الطلق. إذ غابت أقنعة الوجه، وغاب التباعد الاجتماعي، فما الذي كانوا يتوقّعون حدوثه؟".
ترامب عاجز عن الحفاظ على سلامته الشخصية
لكن سيتعيّن على نقاد ترامب الحذر لتجنّب بعض العثرات. فأيّ نوعٍ من الابتهاج أو تمني المرض لترامب وزوجته سيُمثّل فرصةً يستغلها الجمهوريون باعتبارها علامةً على القسوة والانتهازية السياسية.
ونظراً لكونه في الـ74 من عمره ويُعاني من الوزن الزائد، فإنّ ترامب يندرج تحت الفئة المعرضة لأعلى المخاطر. إذ قال طبيب البيت الأبيض اليوم الجمعة، الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، إنّه بصحةٍ جيدة لمواصلة تأدية مهامه الرسمية حتى الآن. ومع ذلك، فإنّ كوفيد-19 يُمثّل أكبر تهديدٍ لصحة رئيسٍ أمريكي منذ إطلاق النار على رونالد ريغان أمام فندقٍ بواشنطن قبل أربعة عقود تقريباً.
وفي حال صار ترامب مريضاً بشدة لدرجةٍ تُعجزه عن العمل، فسوف يتولّى نائب الرئيس مايك بنس المسؤولية، عملاً بالإجراء المنصوص عليه في التعديل الـ25 للدستور الأمريكي. ولكن في حال إصابة بنس أيضاً -وهو الأمر الذي لم يتضح بعد-، فسنكون على مشارف أزمةٍ دستورية.
وبصفته رئيساً، كان يتعيّن على ترامب الحفاظ على سلامة الأمريكيين. ولكنّه في النهاية كان عاجزاً عن الحفاظ على سلامته الشخصية. ولكن هذا هو قدرنا كما يقولون.