قبل عام انتفض العراقيون بصورة غير مسبوقة في وجه فساد الطبقة السياسية التي تحكمت في مقاليد الأمور منذ الغزو الأمريكي، لكن لا يزال مئات القتلى وآلاف المصابين في انتظار العدالة بحق الجناة، ورغم تحقق إيجابيات محدودة فإنه يزال الإصلاح السياسي المأمول بعيد المنال، فإلى أين يتجه العراق؟
ثورة ضد الفساد وتردّي الخدمات العامة
منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، شهد العراق انتفاضة شعبية غير مسبوقة منذ الغزو الأمريكي للبلاد والإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، حيث خرج الآلاف في موجات احتجاجية مناهضة للطبقة الحاكمة التي اعتبروها "فاسدة"، وهو ما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، ليحل مكانه في مايو/أيار الماضي، مصطفى الكاظمي، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات.
وفي يوليو/تموز الماضي، أعلنت الحكومة أن نحو 560 من المحتجين وأفراد الأمن قتلوا في الاضطرابات والاحتجاجات المناهضة لها، وتعهد الكاظمي بالتحقيق في مقتل وسجن مئات المتظاهرين، لكن لم يتم تقديم الجناة للعدالة حتى الآن.
ويتهم المحتجون قوات مكافحة الشغب وحفظ النظام، بجانب عناصر الفصائل الشيعية المسلحة، بالوقوف وراء قتل المتظاهرين والناشطين في المدن العراقية، وسط تغاضٍ متعمد عن محاسبة الجناة.
ويقول أحد منسقي احتجاجات أكتوبر في بغداد، منجد السعدي، للأناضول إن "قوات مكافحة الشغب ومسلحين تابعين للأحزاب والفصائل المسلحة، هاجموا المتظاهرين بعنف بعد الفشل في احتواء الاحتجاجات الشعبية، بمعرفة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي"، موضحاً: "عبدالمهدي يتحمل وفقاً للقانون مسؤولية مقتل المتظاهرين خلال فترة حكمه (…)، الاحتجاجات استمرت لأن المتظاهرين ليسوا طيفاً واحداً، فهم من السنة والشيعة وأغلبهم من الطبقة المثقفة".
وأجبرت الاحتجاجات الشعبية عبدالمهدي على تقديم استقالته، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي اعتبرها مراقبون آنذاك "خطوة متأخرة لم تقو على احتواء الغضب".
الطرف الثالث قتل المتظاهرين
ورغم التعهد بملاحقة المتورطين في قتل مئات المحتجين وتقديمهم للعدالة، فإن الجناة لا يزالون مجهولين، إذ يعيب علي البياتي عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق (رسمية)، عدم تقديم الجناة للقضاء رغم مرور عام على الاحتجاجات.
ودعا البياتي، في حديث للأناضول، إلى تسلّم القضاء ملف قتل المتظاهرين من الحكومة، قائلاً: "من الصعب أن تتولى الحكومة التحقيق في مقتل المتظاهرين، وهي في الأساس متورطة في هذه الأحداث".
وأواخر يوليو/تموز الماضي، أعلنت الحكومة تشكيل لجنة تقصي حقائق، للكشف عن الجهات التي تقف وراء قتل وجرح مئات المتظاهرين في احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول، غير أنها لم تعلن نتائج حتى الآن، وأدان المجتمع الدولي جميع الانتهاكات التي تعرّض لها المحتجون، وحث حكومة بغداد على كشف القتلة، وإحالتهم إلى القضاء.
احتجاجات غير سياسية التوجهات
بدوره، يرى المحلل السياسي العراقي ماهر جودة، أن "الاحتجاجات الشعبية أربكت الكتل السياسية، وأجبرتها على الموافقة على تشكيل حكومة جديدة برئاسة الكاظمي، الذي قاد عملية إصلاح سريعة في مختلف المجالات"، موضحاً للأناضول أن "السياسيين باتوا يخشون التظاهرات، كما أن أي قانون أو قرار يناقش في البرلمان العراقي ويخالف توجهات المتظاهرين يتم رفضه على الفور".
وقبل أشهر، خفّت الاحتجاجات الشعبية في المدن العراقية على وقع تفشي فيروس كورونا في البلاد، إضافة إلى ميل مزاج الاحتجاجات الدائرة حالياً إلى منح الكاظمي فرصة لتحقيق المطالب، وفق مراقبين.
من جانبه، يؤكد علي الحسني، عضو اللجنة المنسقة لاحتجاجات أكتوبر/تشرين الأول في بغداد، للأناضول، أن التظاهرات لن تتوقف أو تتراجع حتى يتم تحقيق كافة المطالب الشعبية، أبرزها إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وتقديم قتلة المتظاهرين إلى العدالة، وإعلان محاكمة الفاسدين.
وحدد الكاظمي موعد إجراء الانتخابات البرلمانية، في يونيو/حزيران 2021، كما طالب البرلمان بإقرار تعديلات على قانون الانتخابات، ويخشى الحراك الشعبي من عمليات تزوير ترافق إجراء الانتخابات، قد تمكن الأحزاب الفاسدة مرة أخرى من السيطرة على روافد صناعة القرار السياسي بالعراق.
وتعتبر احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019، أكبر تجمع عراقي منذ عام 2003، لمواجهة الفساد المالي والإداري وسوء الإدارة والمحاصصة السياسية في المناصب، والذي بنيت عليه العملية السياسية في البلاد.