بعد أسوأ مناظرة رئاسية في تاريخ الولايات المتحدة، تعالت أصوات تطالب بإلغاء بقية المناظرات؛ تفادياً لمزيد من الإحراج للبلاد، فخرجت هيئة إدارة المناظرات بتصريحات تقول إنها تدرس إدخال تعديلات تضمن مزيداً من الانضباط، فماذا يمكن أن تفعله الهيئة لمنع الرئيس دونالد ترامب من مقاطعة منافسه جو بايدن أو حتى مدير المناظرة؟
عدد قياسي من المقاطعات
اتسمت المناظرة التي أُجريت بين ترامب وبايدن بإدارة مذيع شبكة FOX المخضرم كريس والاس، مساء الثلاثاء 29 سبتمبر/ أيلول، بالإهانات الشخصية والمقاطعات المتكررة من ترامب، وكانت الفوضى والتشاحن حاضرين بقوة طوال الدقائق الـ90 مدة المناظرة.
وجاءت ردود الفعل سلبية تماماً، ووصفها البعض بالأسوأ على الإطلاق في تاريخ المناظرات الرئاسية، وأصبح هناك شعور عام بالخجل من تدني مستوى الحوار بين المتنافسين على الرئاسة؛ وهو ما دفع لجنة المناظرات الرئاسية إلى إصدار بيانٍ أمس الأربعاء، قالت فيه إن ما شهدته المناظرة الأولى "أوضح أنه يجب وضع قواعد إضافية في المناظرات المتبقية؛ لضمان مناقشةٍ منتظمةٍ ومنظَّمةٍ أكثر للقضايا المطروحة".
وتظل هناك مناظرتان رئاسيتان ومناظرة بين نائبي المرشحين؛ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، ستجري مناظرة بين نائب ترامب، مايك بنس، ونائبة بايدن، كامالا هاريس، بينما ستكون المناظرة الثانية بين ترامب وبايدن يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول، والثالثة والأخيرة يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول، أي قبل نحو 10 أيام فقط من يوم التصويت المقرر 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وسيكون على لجنة المناظرات الرئاسية أن تجد وسيلة لمنع أو على الأقل تقليل مقاطعة مرشح للآخر؛ إذ أظهر تحليل لقناة FOXNEWS، أن بايدن قاطع ترامب 59 مرة وقاطع والاس 18 بإجمالي 67 مقاطعة أثناء المناظرة الأولى، بينما قاطع ترامب منافسه الديمقراطي 71 مرة وقاطع والاس 74 مرة بإجمالي 145 مرة.
هل يمكن إضافة زر كتم الصوت؟
بيان لجنة المناظرات الرئاسية لم يذكر أي تفاصيل بشأن طبيعة تلك القواعد الجديدة التي يمكن إضافتها إلى نظام إدارة المناظرة؛ لضمان انتظامها أكثر وتقليل المقاطعات، وهذا فتح الباب على مصراعيه أمام المحللين والمراقبين وأيضاً مسؤولي الحملتين المتنافستين، ليدلي كل منهم برأيه في القصة.
فقد اقترح السيناتور تشاك شومر (ديمقراطي عن نيويورك) إضافة "زر كتم الصوت" إلى قواعد إدارة المناظرات، مضيفاً أن ذلك ضروري في حالة إقامة مناظرة أخرى، بحسب تقرير لقناة FOXNEWS.
وقال شومر في مؤتمر صحفي، الأربعاء، إن المشكلة تكمن في أن ترامب لا يلتزم بأي قواعد، وهو ما يجعل مهمة مدير المناظرة شبه مستحيلة: "ربما يجب أن نتيح لمدير المناظرة زر كتم الصوت، في ضوء مقاطعات الرئيس ترامب التي لا تتوقف"، مضيفاً أن لُبَّ المشكلة هو أن "ترامب لا يلتزم بأي قواعد، لذلك لابد أن تتخذ اللجنة (لجنة المناظرات الرئاسية) موقفاً أكثر حزماً".
ترامب وحملته يرفضان تغيير القواعد
المناظرة الأولى بين ترامب وبايدن شاهدها نحو 73.1 مليون شخص عبر 16 شبكة، أي أقل من الرقم القياسي البالغ 84 مليوناً الذين شاهدوا مناظرة ترامب والسيدة الأولى السابقة هيلاري كلينتون منافسته في انتخابات عام 2016، وفق بيانات "نيلسن" التي أظهرت انخفاضاً بنسبة 13% بين المناظرتين، وتتضمن أرقام "نيلسن" الأشخاص الذين يشاهدون من المنزل وفي أماكن مثل الحانات والمطاعم، كما تضمنت بعض المشاهدات الرقمية من خلال أجهزة التلفزيون المتصلة بالإنترنت.
ورحبت حملة بايدن ببيان لجنة المناظرات الرئاسية، وقالت كيت بادينجفيلد نائبة مدير الحملة، للصحفيين، إنهم سيُجرون نقاشات مفتوحة مع لجنة المناظرات بشأن "الفورمات والقواعد" الخاصة بالمناظرات القادمة، دون أن تحدد أي تغييرات يمكن أن تحدث.
لكن مدير الإعلام في حملة ترامب، تيم مورتو، قال لشبكة CNN في بيان، إن لجنة المناظرات الرئاسية "يجب ألا تغير أي شيء من القواعد في وسط المباراة"، مستخدماً تشبيهاً رياضياً يخص تحريك مكان المرمى أثناء المباراة، ومضيفاً: "إنهم يفعلون ذلك، فقط لأن رجُلهم تعرَّض لهزيمة ساحقة ليلة أمس. كان الرئيس ترامب مسيطراً، والآن يحاول جو بايدن أن يؤثر على الحكام".
وعلى طريقة ترامب، جاء رد الرئيس على بيان لجنة المناظرات الخاص بالنظر في إضافة مزيد من القواعد، ساخراً، حيث غرد قائلاً: "حاولوا تغيير المذيع والمرشح الديمقراطي"!
هل يمكن فعلاً منع ترامب من أن يكون "ترامب"؟
شبكة CNN نشرت تحليلاً بعنوان "المشكلة ليست في القواعد، بل في ترامب نفسه"، ألقى الضوء على أن المناظرة التي شاهدها الأمريكيون وبقية العالم ومثَّلت إحراجاً قومياً، كانت تحكمها قواعد بالفعل، وأن مسؤولي الحملتين الجمهورية والديمقراطية، قضوا وقتاً طويلاً مع منظمي المناظرات الرئيسية حتى تم الاتفاق على تلك القواعد، لكن ذلك لم يمنع ترامب من عدم الالتزام بها، فهذه طبيعته؛ الرجل لا يلتزم بأي قواعد على الإطلاق.
وعلى الرغم من أن الموقف المعادي لـ"سي إن إن" وصحف مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست، واضح ومعروف، وترامب يسمي وسائل الإعلام التقليدية "الإعلام الزائف" ويستثني فقط قناته اليمينية المفضلة FOXNEWS في هجماته المتكررة على الإعلام، فإن أسلوب ترامب الذي يفتقد احترام منافسيه ويركن إلى إلقاء التهم جزافاً وقول أنصاف الحقائق، لا يمكن أن يتغير قبل موعد المناظرة الثانية، أي بعد أسبوعين، وهو ما يطرح تساؤلاً بالفعل بشأن ما يمكن أن تفعله لجنة المناظرات الرئاسية كي لا تتكرر فوضى المناظرة الأولى.
وفي ظل اختلاف فورمات أو هيكل المناظرة القادمة التي ستكون عبارة عن وجود ناخبين في القاعة يوجهون أسئلة إلى ترامب وبايدن وكل منهما سيكون لديه وقت محدد للإجابة عن كل سؤال، يأمل المحللون أن تكون المناظرة أكثر انضباطاً وتقل المقاطعات والمشاحنات بين المرشحين.
لكن في ظل أن نقاط قوة بايدن تظهر أكثر في وجود جمهور يتحدث إليه المرشح الديمقراطي بشكل مباشر، عكس ترامب الذي لا يكون بأفضل حالاته في مواجهة أسئلة مباشرة من الناخبين، يخشى بعض المراقبين المحايدين من أن تكون المناظرة الثانية أكثر فوضوية من الأولى.