"إسرائيل تحاول محاصرة إيران عبر دول الخليج"، هكذا نظر القادة الإيرانيون إلى التطبيع الإسرائيلي مع الإمارات والبحرين.
فقد دقَّ التطبيع الخليجي أجراس الخطر في إيران.
ففي حين أن طهران كانت قد تمكنت خلال السنوات الأخيرة من تأمين حضورٍ قوي لقوات موالية لها في محيط إسرائيل، انقلب الأمر لتصبح تل أبيب هي التي تطوّق إيران الآن أكثر من أي وقت مضى، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
يأتي ذلك بعد أن استضاف البيت الأبيض، في 15 سبتمبر/أيلول 2020، قادة إسرائيل والإمارات والبحرين، للإعلان رسمياً عن تطبيع العلاقات بين الدولتين الخليجيتين الصغيرتين وإسرائيل.
وحتى قبل الاجتماع كان المسؤولون الإيرانيون قد أبدوا انتقادات حادة لقرار الدول العربية إقامة علاقات تطبيع مع إسرائيل.
حتى أنه في 1 سبتمبر/أيلول الماضي، قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، إن الإمارات خانت العالم الإسلامي والفلسطينيين باتفاقها مع إسرائيل.
يُضاف إلى ذلك، أنه مقارنة بالسنوات السابقة، فإن الأوضاع في غزة ولبنان اختلفت عما كانت عليه، ويبدو أن ميزان القوى قد بدأ يتغير لمصلحة إسرائيل.
إسرائيل تحاول محاصرة إيران عبر دول الخليج
علاوة على أنه ومع تكثيف إدارة ترامب حملتها للضغط الأقصى على طهران، انتهز نتنياهو الفرصة السانحة خلال السنوات الأخيرة لتطويق الوجود الإيراني في الشرق الأوسط.
كما أن مضي واشنطن قدماً في إعادة فرض العقوبات الاقتصادية المكثفة على إيران جعل من الصعوبة بمكان على الأخيرة الاستمرار في تنفيذ خططها السابقة في المنطقة.
ومع ذلك، يبدو أن إيران لن تستسلم بسهولة للضغوط الإسرائيلية، وما زالت لديها خيارات متاحة لمواجهة تل أبيب.
ورغم أن إسرائيل تمكنت من شنِّ ضربات عسكرية ضد مصالح إيرانية في سوريا، ونجحت في الإفلات دون عقاب أو إثارة لانتقادات دولية، فإن طهران على ما يبدو تعدُّ استراتيجية جديدة للرد على التهديدات الأمنية الإسرائيلية.
توازن التهديد
يقول التقرير إن تحركات إسرائيل الحالية ضد طهران لا تشكّل "خطراً عملياً" على إيران ذاتها، وتقتصر على تشديد الحصار المفروض في الخليج حول إيران.
وهي السياسة ذاتها التي يمكن أن تنتهجها إيران في سوريا، ويمكن أن يُسمي المرء هذه التحركات بسياسة "توازن التهديد" بين طهران وتل أبيب، وهو الاسم الذي أطلقه عليها أستاذ العلاقات الدولية ستيفن والت.
تُعنى أطروحة "توازن التهديد" بالبحث في التحالفات التي تشكلها الجهات الفاعلة من زاوية مختلفة، وتذهب نظرية ستيفن والت إلى أن تشكيل هذه التحالفات يهدف إلى الاستجابة للتهديدات الخارجية، ومن أجل مواجهة هذه التهديدات تُشكَّل هذه التحالفات الجديدة.
وعليه، فإننا عندما ننظر إلى موضوع العلاقات الإيرانية الإسرائيلية من منظور "توازن التهديد"، فإننا نكتشف جوانب أخرى للمسألة.
من الناحية الأخرى، فإن حلفاء تل أبيب في الخليج هي دول تدّعي أن إيران تهدد أمنها القومي، ودائماً ما نظرت نظرة سلبية إلى برنامج طهران النووي. وبحسب هذا المنظور، فإن ذلك التهديد هو السبب الذي دفع الإمارات والبحرين إلى المضي قدماً نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
موقف تركيا
وثمة زاوية أخرى يجب الالتفات إليها، وهي الخاصة بتركيا.
فعلى الرغم من علاقاتها الوثيقة مع إسرائيل، فإنها على الجانب الآخر كانت تشهد منذ عدة سنوات -خاصة بعد تطورات ما يعرف بانتفاضات الربيع العربي عام 2011 وفشل مشروعها لتغيير النظام في سوري- علاقاتٍ باردة مع دول الخليج العربي، السعودية والإمارات على وجه الخصوص.
وقد اشتدت برودة هذه العلاقات بدرجة كبيرة بعد الانقلاب الفاشل ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2016. وتعتقد أنقرة أن بعض هذه الدول العربية الصغيرة الثرية كان لها يد في الانقلاب الفاشل.
واستناداً إلى هذا المنظور، فإن ثمة توازن آخر يرتبط بالتهديد القائم بين إيران وتركيا ضد دول الخليج العربية. فقد أصيبت أنقرة بالإحباط، خاصة في السنوات الأخيرة، من حدوث تغيير ما في المعادلة السورية عبر بوابة الدول العربية، وهكذا اتجهت إلى التقارب مع إيران وروسيا لمتابعة تأمين أهدافها على الحدود الجنوبية الشرقية مع سوريا.
وفي هذا السياق، جاء البيان الختامي الصادر عن لقاء افتراضي مشترك عقدته إيران وتركيا وسط جائحة كورونا، إذ شدد البيان الصادر في 8 سبتمبر/أيلول الماضي على ضرورة تعاون البلدين لتجاوز المخاطر الأمنية المحيطة بالمنطقة، لاسيما في سوريا والعراق، كما أكد الرئيسان مجدداً التزامهما بدعم القضية الفلسطينية.
وفي غضون ذلك، كان رد فعل تركيا على إعلان اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات حاداً بدرجة كبيرة. ففي 14 أغسطس/آب، هدد رجب طيب أردوغان بأن بلاده قد تجمّد علاقاتها مع الإمارات. لم يحدث هذا، غير أن هذه المواقف المتشددة يمكن أن تمهد الطريق لتعاون إيراني تركي ضد الإمارات وحتى السعودية.
وفقاً لذلك، وعلى الرغم من أن تركيا تحاول إبقاء التوترات في علاقاتها مع إسرائيل عند مستوى يُمكن إدارته، فإن علاقات تل أبيب الوثيقة مع الإمارات والعواصم العربية الأخرى يمكن أن تزيد من مخاوف أنقرة، وتمهّد الطريق لعلاقات أوثق بين طهران وأنقرة.
سوريا ستكون ساحة أي تصعيد
من جهة أخرى، بات من الواضح أن أي صراعات محتدمة بين دول المنطقة تزيد من احتمالات اشتعال المواجهة العسكرية بينها، خاصة في سوريا، إذ على الرغم من أن الاقتصاد الإيراني يعاني معاناة شديدة من جراء الصعوبات العديدة التي يواجهها بفعل العقوبات والمشكلات الاقتصادية الأخرى في الداخل، فإن دور إيران الحاسم في المعادلة العسكرية السورية لا يمكن تجاهله.
نتيجة لذلك، يبدو أن سوريا يمكن أن تظل "ورقة جوكر جامحة"، فعلى الرغم من أن إيران لم تتخذ أي إجراء ضد الحصار المشدد الذي تفرضه إسرائيل عليها، فإن الاحتمال الأبرز أنها لا تنوي تصعيد التوترات قبل تعزيز موقعها وتثبيت مكاسبها في سوريا.
وفي الوقت الذي تحاول فيه إيران حتى الآن تحمل الضغوط والهجمات الإسرائيلية في سوريا مع سيطرة نظام بشار الأسد على الموقف العام، فإنها تعمل في الآن نفسه على تعزيز مواقعها في جنوب وجنوب شرق البلاد.
من جهة أخرى، يجب أخذ الدور المؤثر لروسيا في الاعتبار، فقد أدى الغموض المحيط بسياسات موسكو وأهدافها إلى استنتاج إيران بأن عليها التصرف على نحو مستقل في سوريا والمنطقة، ونتيجة لذلك اختارت إيران غض الطرف عن الهجمات الإسرائيلية في سوريا.
إسرائيل تلقى تأييداً من الحكام العرب وتحاول تأجيج الصراع الشيعي السني
يرى التقرير أن طبيعة أنشطة إيران وإسرائيل في المنطقة تختلف بوضوح عن بعضها. فإيران على خلاف إسرائيل، أكثر قبولاً من الجمهور العربي، وواقع الأمر أنها تتمتع بنفوذ أكبر بكثير.
على الجانب الآخر فإن إسرائيل تحظى بقبول ضمني من النخب الحاكمة في الدول العربية أكثر من مجتمعاتها، وتحاول تل أبيب جاهدةً منذ فترة طويلة تطبيعَ علاقاتها مع الدول العربية، وإزاحة قضية الصراع العربي الإسرائيلي أو الصراع الإسلامي اليهودي وإحلال صراعٍ عربي إيراني محله.
ومع ذلك، ففي حين أن تصرفات إسرائيل الموجهة ضد إيران في الخليج لم تصبح تهديداً حقيقياً واقتصرت على تشديد الحصار الدبلوماسي والاقتصادي حول إيران، فإن تهديد أمن إيران في الخليج قد يدفع إيران إلى تكثيف نشاطها في سوريا، وهو أمر يجعل الصراع العسكري بين القوى الإقليمية في سوريا أكثر احتمالاً من أي وقت مضى.