من سوريا إلى ليبيا ثم أذربيجان.. كيف منحت طائرات “بيرقدار” القوة لتركيا في نفوذها الإقليمي؟

تم النشر: 2020/09/30 الساعة 12:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/28 الساعة 08:43 بتوقيت غرينتش
طائرة بدون طيار من طراز بيرقدار Akıncı التركية في معرض Teknofest 2019/ الأناضول

بعد النتائج التي حققتها الطائرات المسيرة التركية في كل من شمال سوريا بقصف الأهداف ضد قوات النظام خلال معركة إدلب مطلع العام الجاري، وفي ليبيا ضد قوات خليفة حفتر والنجاح بصد عدوانه على طرابلس في مايو/أيار الماضي، ها هي طائرات "بيرقدار" التركية تعود للفت الأنظار مجدداً، ولكن هذه المرة في مكان آخر لم يكن يخطر على بال أحد قبل بضعة أيام فقط، وهو إقليم كاراباخ المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا. فكيف منحت هذه الطائرات القوة لتركيا لرفع نفوذها الإقليمي؟

تركيا.. لاعب إقليمي بنفوذ متصاعد

حققت تركيا تقدماً جاداً في تطوير الطائرات بدون طيار في السنوات الأخيرة، على يد مهندسها سلجوق بيرقدار، صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولعبت طائرات بيرقدار التركية تي بي 2 وأنكا-إس المسلحة أدواراً حاسمة في قلب الطاولة ضد خصوم تركيا، في سوريا وليبيا، وسبق ذلك إحداث هذه الطائرات ثورة في عمليات أنقرة ضد حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً، جنوب شرقي تركيا وفي شمال العراق، مُتسبِّبةً في تقييدٍ شديد لتحركات الحزب.

وقلبت هذه الطائرات منذ أن دخلت الخدمة قبل 5 أعوام سير المعارك التي تخوضها تركيا ضد خصومها رأساً على عقب، لتكون تجسيداً لنجاح أنقرة في التحول لقوة كبرى في مجال تكنولوجيا الطائرات بدون طيار رغم القيود الأمريكية عليها، ولتكون مصدراً لزيادة قوة نفوذها الإقليمي في المنطقة.

وتُشغِّل تركيا أسطولاً مكوناً من 86 طائرة بيرقدار على الأقل، من طراز "تي بي 2" مسلحة، وباتت البلاد لاعباً ناشئاً يبرز بخطى سريعة في استخدام الطائرات دون طيار على مستوى العالم، وهو المجال الذي كانت تهيمن عليه الولايات المتحدة، وبدرجةٍ أقل المملكة المتحدة وإسرائيل، حتى ثلاث أو أربع سنوات مضت.

يقول كريس كول، مدير منظمة Drone Wars UK غير الربحية والمعنيّة بمجال الطائرات دون طيار، وعلى وجه الخصوص في بريطانيا: "ما نراه الآن هو أنَّ بلداناً مثل تركيا تصبح لاعباً رئيسياً في استخدام الطائرات دون طيار المستعدة للانخراط في عمليات قصف دقيقة الاستهداف خارج حدودها، مثل الولايات المتحدة".

وباتت الساحة الآن مليئة بمُصنِّعين جدد، بما في ذلك الصين وكذلك تركيا، إلى جانب مشترين جدد، بما في ذلك دولة الإمارات، التي كانت تقف وراء نشر العديد من الطائرات المسيرة في الحرب الأهلية الليبية دعماً للمتمردين بقيادة اللواء خليفة حفتر ضد حكومة طرابلس الشرعية، قبل أن تنقلب الأمور رأساً على عقب في مايو/أيار الماضي، حيث شنت قوات الوفاق أكثر من 57 غارة جوية مكثفة باستخدام درونات بيرقدار بي تي2 التركية على قاعدة الوطية وتمركزات ميليشيات حفتر في مدينة ترهونة القريبة من طرابلس، وهو ما أدى لسقوط القاعدة بعد أن فرت منها ميليشيات حفتر عقب فشل أنظمة الدفاع الجوي روسية الصنع في التصدي للدرون العسكرية التركية.

بعد إدلب والوطية.. السلاح التركي يتفوق على الروسي مجدداً في كاراباخ 

مجدداً، أثبتت المنظومات الدفاعية روسية الصنع، فشلها في ساحة مواجهة جديدة أمام الطائرات المسيرة التركية، فبعد سوريا وليبيا عادت المسيرات التركية لتدمير المنظومات الدفاعية الروسية التابعة لأرمينيا، خلال المعارك المندلعة بين الجيشين الأذري والأرميني في إقليم كاراباخ المتنازع عليه، ما يظهر ملامح منافسة عسكرية مكتومة بين تركيا من ناحية، وروسيا من ناحية أخرى، ليخرج السلاح التركي منتصراً مرة أخرى.

وفي مارس/آذار الماضي، نشرت وكالة بلومبيرغ الأمريكية تقريراً تحدث عن التحول الكبير الذي أحدثته "المسيرات التركية" في المواجهات التي اندلعت في إدلب بين النظام السوري المدعوم من روسيا من جهة، وبين المعارضة السورية المدعومة من الجيش التركي من جهة أخرى، وخصّ التقرير المسيرة العسكرية "بيرقدار تي بي2" التي تنتجها شركة بيكار التركية التي سمّاها التقرير "الدرون القاتلة".

وحينها، تحدث مسؤول تركي لبلومبيرغ عن أن "انتقام تركيا لمقتل 33 من جنودها جاء على شكل خطة منسقة من العمليات بالطائرات المسيرة سيطرت من خلالها لأول مرة على الأجواء فوق إدلب"، مضيفاً أن المسيرات وجّهت ضربات دقيقة للقواعد العسكرية ومراكز الحرب الكيماوية لقوات الأسد، لكن الأهم هو تحديد أماكن الدفاعات الجوية الروسية وتدميرها، وهو ما أثار تساؤلات حول فاعلية تلك الأنظمة التي نشرتها روسيا لحماية قوات الأسد.

في ذلك الوقت كانت الحرب الكلامية مشتعلة بين تركيا وروسيا وكانت هناك تحضيرات للقاء يجمع أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في إدلب، وكان واضحاً أن بوتين يريد أن يفرض أمراً واقعاً بقوة السلاح يسيطر بموجبه حليفه بشار الأسد على إدلب بالكامل، لكن المسيرات التركية كانت سلاح أردوغان الذي ربما لم يتوقعه بوتين.

وفي مايو/أيار الماضي، تحدث تقرير لموقع المونيتور الأمريكي عن سقوط قاعدة الوطية من يد قوات حفتر، إلى يد حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، وحينها ركز التقرير على دور المسيرات التركية في تحويل دفة الصراع بصورة لافتة لصالح حكومة الوفاق، وركز التقرير بشكل خاص على الدور الذي لعبه الدعم الروسي العسكري لحفتر منذ نهاية مارس/آذار الماضي، والذي مكّن ميليشيات حفتر من تحقيق تقدم مؤقت على الأرض، قبل أن تنقلب الأمور رأساً على عقب، في مطلع مايو/أيار الجاري، حيث شنت درونات بيرقدار التركية عشرات الهجمات على قاعدة الوطية وتمركزات قوات حفتر في مدينة ترهونة القريبة من طرابلس، وهو ما أدى لسقوط القاعدة بعد أن فرّت منها ميليشيات حفتر عقب فشل أنظمة الدفاع الجوي روسية الصنع من التصدي للدرون العسكرية تركية الصنع.

ويقول تقرير لوكالة بلومبيرغ إن تركيا استقبلت منذ فترة طويلة مناورات عسكرية لحلف الناتو باسم "مناورة نسر الأناضول" كان يتم فيها التدريب على ضرب أنظمة الدفاع الروسية. وهو ما تم تنفيذه على الأرض بنجاح في معركة إدلب، ومن ثم في ليبيا، واليوم في المواجهة بين أذربيجان وأرمينيا.

أدوار جديدة للطائرة المسيرة "الأكثر شهرة" في المنطقة 

ويبدو أن تركيا تحرص من خلال تطوير هذه الطائرات والكشف عن نسخ أحدث منها واستعراض قوتها في ساحات المواجهة شرقاً وغرباً، على إظهار قدراتها الجوية وترسانتها من المسيرات العسكرية محلية الصنع، وبالنظر إلى النتائج التي حققتها تلك المسيرات على الأرض وفي ساحات عدة، فقد أصبحت طائرات "بيرقدار" الأكثر شهرة في المنطقة منذ معركة إدلب وحتى اليوم.

يأتي ذلك في الوقت الذي تتحدث فيه تقارير عن احتمالية تحويل أنقرة لحاملة الطائرات الخفيفة "الأناضول" إلى حاملة للطائرات المسيرة، لتصبح أول حاملة مخصصة للطائرات المسيرة في العالم. إذ تصنع تركيا في إحدى ترساناتها البحرية حاملة طائرات خفيفة مأخوذة من نموذج حاملة الطائرات الإسبانية الخفيفة خوان كارلوس، وهذا النوع من حاملات الطائرات مخصص للطائرات المروحية وأنواع معينة من الطائرات الحربية النفاثة ذات الإقلاع والهبوط القصير أو العمودي.

وعدلت البحرية التركية مواصفات الحاملة لتسمح بحمل طائرات إف 35 فئة بي القادرة على الإقلاع القصير والهبوط العمودي، ولكن بعد إخراج تركيا من  برنامج الإف 35 بسبب الخلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية حول صفقة صواريخ إس 400 الروسية الصنع، فإن الحاملة التي قُطع شوط كبير في عملية تصنيعها قد تدخل الخدمة بدون هذه الطائرات. وهذه الحاملة تعمل أيضاً كسفينة هجومية برمائية إضافة إلى عملها كحاملة طائرات، إذ تستطيع نقل الحد الأدنى من قوة كتيبة دون الحاجة إلى دعم القاعدة، إلى المكان المحدد للقتال مع توفير دعم لوجستي للقوة المقاتلة.

وبحسب مجلة Forbes يمكن أن تلعب الطائرات بدون طيار دوراً مهماً في البحرية التركية، خاصة وأن أنقرة تستخدمها بشكل متزايد في ساحات معارك مختلفة، وستبدأ تركيا أيضاً قريباً في الإنتاج الكمي لطائرتها الجديدة Bayraktar Akinci بدون طيار، والتي يمكن أن تحمل العديد من الأسلحة ومن المتوقع أيضاً أن تقوم بأعمال استخباراتية مهمة. وقد تقرر أنقرة قريباً تعديل أو بناء أنواع بحرية جديدة من هذه الطائرات بدون طيار لجعلها أكثر ملاءمة للعمل خارج سطح سفينتها الرئيسية الجديدة.

تحميل المزيد