“قنبلة القيصر”.. عندما صنع السوفييت أكبر قنبلة نووية في التاريخ خلال 4 أشهر لـ”بث الرعب” في الغرب!

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/09/29 الساعة 15:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/28 الساعة 09:18 بتوقيت غرينتش
يُظهر نموذج Tsar Bomba الحجم الهائل للقنبلة التي صنعها السوفييت/ Science Photo Library

في 10 يوليو/تموز 1961، استدعى رئيس الوزراء السوفييتي نيكيتا خروتشوف أبرز صناع الأسلحة النووية في الاتحاد السوفييتي، وأمرهم باستئناف التجارب النووية على الفور. وفقاً لأندريه ساخاروف، بعد تعنيف خروتشوف للرئيس الأمريكي الجديد كينيدي في قمة فيينا، في يونيو/حزيران من العام ذاته، كان يرغب في أن "يُري الإمبرياليين ما يمكننا فعله".

لعامين، وبينما كانت بلادهم تشارك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الالتزام بوقفٍ اختياري للتجارب النووية في المجال الجوي، اجتمع علماء نوويون سوفييت، بمن فيهم أندريه ساخاروف، الذي اشتهر بـ"أبو القنبلة الهيدروجينية السوفييتية"، وبدأوا في وضع مفاهيم وتصميمات جديدة لسلاح تاك. كانوا بحاجة إلى تحقيق نتائج كبيرة في وقت قصير جداً، أراد خروتشوف مشهداً سياسياً قادراً على صدم الغرب وبثّ الرعب فيه، لذا لم يكن أمامهم سوى تحقيق رغبته، كما تقول مجلة The Nationalist Interest الأمريكية.

تصنيع أكبر سلاح نووي في غضون 4 أشهر

كان العلماء الحاضرون في المؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي، في أكتوبر/تشرين الأول 1961، بحاجة إلى عرض شيء مميز. يصعب تحديد هوية الشخص الذي اقترح صنع قنبلة تبلغ قوة تفجيرها 100 ميغاطن (أي ما يعادل 100 مليون طن)؛ خروتشوف أم أحد صناع السلاح، لكن إذعاناً لأمر رئيس الوزراء، لم يكن هناك بد من تطوير أقوى سلاح نووي يُصنع في التاريخ في غضون أربعة أشهر فقط.

توضح كاري سوبليت من موقع Nuclear Weapons Archive، "يمكن أن نفترض أن القنبلة التي تبلغ قوتها 100 ميغاطن كانت ذات تصميم اعتيادي للغاية، لا يخالف المعايير التقنية المتعارف عليها في أي شيء باستثناء الحجم. إنما السببان الرئيسيان للتعامل معه باعتباره أقوى سلاح نووي هو اضطرار العلماء للالتزام بجدول زمني مضغوط للغاية، ولأن الاختبارات جاءت بأمر من جهة رفيعة المستوى".

جاءت خطوة خروتشوف التالية، في 13 أغسطس/آب 1961، عندما بدأت ألمانيا الشرقية في بناء جدار برلين. ثم في 31 أغسطس/آب، أعلن رئيس الوزراء عن القنبلة الجديدة العملاقة والنهاية المباغتة لاتفاقية الوقف الاختياري للتجارب النووية، ففي اليوم التالي أطلق الاتحاد تجربته النووية إلى المجال الجوي، وما كان من الولايات المتحدة إلا أن فعلت المثل في غضون شهر واحد.

كيف تم صناعة "قنبلة القيصر"؟

مع التصاعد السريع للحرب الباردة، كان الوقت يمر بسرعة بالغة. تخطى فريق آندريه ساخروف في مختبر آرزاماس-16، (له أهمية مختبر لوس ألاموس الأمريكي ذاتها بالنسبة للاتحاد السوفيتي) التحليل الرياضي الدقيق الذي يتطلبه تصميم القنبلة الهيدروجينية، وأنهيا العمل على قنبلة القصير سريعاً باستخدام التقديرات. في ذلك الوقت، كان أكبر جهاز قد اختبره السوفييت أصغر بكثير من القنبلة، لذلك استخدم فريق ساخاروف تقنيتي التجميع والتدريج للوصول إلى قوة 100 ميغا طن.

فبتجميع 8 أو أكثر من القنابل الهيدروجينية الأصغر حجماً ودمجها بمجموعة من كبسولات الوقود النووي الحراري، أمكن صنع قنبلة بهذا الحجم دون تطوير أي تقنية جديدة. كان السلاح النهائي هائلاً، غير متطور ولكنه قوي. لم يكن الفشل اختياراً، على القنبلة أن تكون قوية وفتاكة.

كان سلاحاً على شكل قنبلة، إنما أكبر بكثير. وعلى غرار جرس القيصر ومدفع القيصر العملاقين في روسيا، سُمِّي "قنبلة القيصر".

تعتمد الأسلحة النووية الحرارية متعددة الميغاطن على تقنية التدريج. ففي المرحلة الأولى، يولد جهاز الانشطار الحرارة والضغط والإشعاع لاستثارة الانصهار النووي في وعاء وقود، وهنا تبدأ المرحلة الثانية، وكلما زاد وقود الانصهار، زاد التفاعل. أما المرحلة الثالثةـ فتُغلف فيها القنبلة بمعدن اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة، إذ يحدث تفاعل الانصهار انشطاراً نووياً في غلاف اليورانيوم ويزيد من قوة القنبلة. جميع الأسلحة النووية الحرارية التي تمر بتلك المراحل الثلاث يمكن أن تُشكل قنابل قوية للغاية، إذ تكتسب أكثر من نصف قوتها من الانشطار، مما ينتج عنه كميات هائلة من الغبار النووي.

هذا السلاح الضخم صُمِّم وصُنّع وخُلِّق دفعةً واحدة، وذلك مع أن طوله يتجاوز 8 أمتار، وقطره يبلغ قرابة مترين، ويزن نحو 27 طناً. أُجري اختبار التجميع والمكونات داخل ورشة عمل أُنشئت فوق شاحنة مكشوفة من شاحنات السكك الحديدية. فور الانتهاء من صنع القنبلة، جرّتها قاطرة إلى المطار لتحميلها داخل قاذفة معدلة خصيصاً من طراز توبوليف تو-95 إن، المعروفة باسم "بير أ".

القاذفة السوفييتة تو-95، ويكيميديا

طُليت قاذفة تو-95 إن ذات المروحة التوربينية الكبيرة بلون أبيض خاص ذي خواص عاكسة لتقليل التلف الناجم عن فلاشات الضوء التي يسببها الانفجار، لكنها كانت أصغر بكثير من حمل "قنبلة القيصر" داخلها. أُزيلت أبواب حجرة القنابل وقُطِّعت أجزاء من جسم القاذفة لوضع القنبلة في منتصف الطائرة، وأصبحت أشبه بسمكة ريمورا عملاقة محتقنة.

ولكي تبتعد طائرة التوصيل عن نقطة الانفجار بأمان، كان لابد من إبطاء سقوط القنبلة. تطلَّب إبطاء جسم بحجم عربة النقل مليء باليورانيوم والفولاذ عن سرعة الطيران المعتادة مظلةً ضخمة الحجم. استهلك صنع مظلة كبيرة بما يكفي بإنزال قنبلة القيصر معظم إنتاج النايلون في الاتحاد السوفياتي لعام 1961.

لحظة الاختبار

في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1961، وتحت الأعين الساهرة لرئيس اللجنة الحكومية اللواء نيقولاي بافلوف ومجموعة من الشخصيات البارزة التي راقبت الانفجار من مسافة بلغت قرابة ألف كم، اخترقت قاذفة تو-95 إن البيضاء، التي حلمت بداخلها القنبلة الموعودة، ومعها قاذفة تو-16 (وكانت عبارة عن مختبر طائر) الهواء في اتجاه نوفايا زيمليا، وهو أرخبيل كبير محاط بالجليد في المحيط المتجمد الشمالي.

عندما اقتربت الطائرة من نطاق خليج ميتوشيكا الاختباري، فحص الرائد أندريه دورنوفتسيف وطاقمه أدواتهم وارتدوا نظارات واقية ثقيلة. وفي الساعة 11:32 صباحاً بتوقيت موسكو، أطلقت القاذفة تو-95 إن سلاحها ثم صعدت واندفعت بحدة. سقطت قنبلة القيصر، إلا أن ذاك الجسم الأنيق الضخم الذي كان في حجم القاطرة تخلف عن مظلته العملاقة أثناء هبوطه نحو نقطة الصفر.

انفجرت قنبلة القيصر على ارتفاع 4 آلاف متر دون أن تلمس كرتها النارية الأرض من تحتها. وانعكست الهزة الأرضية الناجمة عنها على سطح نوفايا زيمليا، ثم ارتدَّت الكرة المتوهجة التي يبلغ عرضها 8 أمتار نحو السماء. سجلت أجهزة قياس الزلازل تأثيراً مساوياً لزلزال قوته 5 درجات. انهارت المباني على بعد 50 كم، وتكسر زجاج النوافذ على بعد 800 كم.

انفجار قنبلة القيصر/  Science Photo Library

كان الفلاش مرئياً على بعد ألف كم وشعر السكان بالنبضات الحرارية على بعد أكثر من 265 كم. وأدى النبض الكهرومغناطيسي إلى تعتيم الاتصالات اللاسلكية على بعد مئات الكيلومترات لأكثر من ساعة. صعدت سحابة عيش الغراب الهائلة لأكثر من 30 كم عن الأرض من خلال الثقب الذي أحدثه الانفجار في الغلاف الجوي.

اندثرت نقطة الصفر. وقال أحد الشهود إن "سطح الأرض للجزيرة قد استوى، واكتُسح، وأصبح كأنه حلبةً للتزلج. وحدث الشيء ذاته نفسه مع الصخور. ذاب الثلج، وصارت جوانبها وحوافها لامعة. لم يعد هناك أي أثر لتضاريس في الأرض. استوى كل شيء في المنطقة، ثم انصهر، ونُثر بعيداً".

"حيلة فنية لن تتكرر ثانيةً"

وبعد كل ذلك، هل كانت قنبلة القيصر سلاحاً وظيفياً حقاً؟ على الأرجح لا. فائدتها العسكرية كانت موضع شك.

بصرف النظر عن الهدف السياسي الذي أعلنه الاتحاد السوفيتي، لم تكن القاذفة تو-95 إن (الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام الاتحاد السوفيتي لحمل قنبلة القيصر) منصة توصيل عملية، إذ كان مقاتلو الناتو ليطلقوا النار على الطائرة المتثاقلة في السماء قبل أن تتاح لها فرصة إسقاط القنبلة الهائلة بوقت طويل. يمكنك للواحد العد على أصابع اليد الواحدة عدد الأهداف في أوروبا، التي يتناسب حجمها وقوة قنبلة القيصر التدميرية. يمكن لقنبلة قيصر واحدة أن تحرق ألمانيا الغربية بأكملها، فقط إذا نجحت في الوصول إلى هناك.

كانت قنبلة القيصر تجربة منفردة، حيلة فنية لن تتكرر ثانيةً. كانت هناك تلميحات إلى أن التصميم الرائق الذي بلغ قوته 50 ميغا طن طُوِّر بالأساس لاستخدامه سلاحاً، لكن دون أي دليل ملموس. لكن ما يثير الغرابة أنه في الوقت ذاته تقريباً، كان صناع الأسلحة النووية الأمريكيون، وفقاً لأليكس وولرشتاين، قد توصلوا إلى تصميمات لصنع قنبلة شديدة القوة. لولا توقف التجارب النووية في الغلاف الجوي، ربما كانت الولايات المتحدة لتختبر سلاحاً بقوة 100 ميغا طن لكن يزن نصف وزن قنبلة القيصر، وهو وزن يسمح باستخدامه للقتال.

بعد شهر من تجربة قنبلة القيصر، بدأ أندريه ساخاروف يفكر في أن بعض الألعاب من الأحرى لها البقاء في صناديقها، وليصبح فيما بعد أول المنشقين عن الاتحاد السوفيتي، ومناهضاً قوياً للأسلحة النووية. وربما كان هذا هو التأثير الأكبر لقنبلة القيصر.

تحميل المزيد