على جانب سهل بعنوب جنوبي لبنان، على بُعد نصف ساعة بالسيارة من الساحل، وقفت ياسمينا زهار محاطةً بأشجار الزيتون ذات الجذوع السميكة والمتينة، كانت هذه واحدة من المبادرات الهادفة إلى إحياء الزراعة بلبنان لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد.
زرعت هذه الأشجار في العصر الروماني، وكان يتم رعايتها على يد الكهنة من قبل؛ باتت هذه الأشجار الآن مسؤولية ياسمينا وزوجها جان بيير اللذين يزرعان الخضراوات والفاكهة والأزهار أيضاً، ، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وقالت: "من الرائع للغاية أن تحصد نتيجة ما زرعت، وأن تُمسكه في يدك، وتتذوقه".
بينما قال جان بيير: "استغرقنا 10 سنوات لنصير مزارعين. وحينها بدأنا نفهم ما تحتاجه الأشجار، ومتى نبدأ التخطيط للعام التالي".
والمهندسة المعمارية والمُنتج التلفزيوني السابق هما من بين موجة جديدة من المزارعين اللبنانيين الشباب. إذ إنّ لبنان هو جزءٌ من الهلال الخصيب القديم، حيث الأراضي الغنية بالمحاصيل بدءاً من التين والكرز ووصولاً إلى القمح.
خطر المجاعة
لم يعُد الطعام أمراً مفروغاً منه في البلاد، التي كان لديها الطبقة الوسطى الأكبر والأكثر بهجة في أي دولة عربية غير نفطية بالنسبة لعدد السكان.
إذ سبق أن قال رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب إن لبنان معرض لأزمة غذائية كبرى وعدد كبير من اللبنانيين قد يجدون صعوبة قريباً في توفير ثمن الخبز"، في تحذير فهم منه أن البلاد قد تواجه خطر المجاعة أو ثورة جياع.
واعتبر دياب، الذي كان قد تولى منصبه هذا العام بدعم من جماعة حزب الله الشيعية وحلفائها قبل أن يستقيل في شهر أغسطس/آب 2020، أن عقوداً من سوء الإدارة السياسية والفساد هي السبب في نقص الاستثمار في الزراعة.
وأضاف أنه بسبب الوضع المالي في لبنان (ثبات سعر الصرف لعقود) كان استيراد الغذاء أرخص من إنتاجه محلياً، "على الرغم من أن بلدنا كان ينعم بالمياه والشمس والتربة الغنية والمزارعين الموهوبين. يتم استيراد أكثر من نصف الطعام اللبناني، وهو عار كبير وخطير على السيادة الغذائية".
إحياء الزراعة بلبنان من الشرفات إلى ساحات المنازل
فقبل فترة طويلة من تفشي جائحة كوفيد-19 والانفجار المدمر في بيروت يوم الرابع من أغسطس/آب، كان لبنان بالفعل في أزمةٍ اقتصادية عميقة. إذ فقدت الليرة أكثر من 60٪ من قيمتها وتضاءلت القوة الشرائية. وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 367٪ في العام الماضي، وقالت الأمم المتحدة مؤخراً إنّ أكثر من نصف سكان لبنان قد وقعوا في براثن الفقر، أي ضعف معدل العام الماضي البالغ 28٪.
وبالنسبة للكثيرين، ظهرت الزراعة بوصفها حلاً للمشكلة. إذ تقول كورين جبور، مصممة الزراعة المستدامة: "لقد التقيت بشكلٍ مفاجئ بالعديد من الناس الذين يزرعون في شرفات وساحات منازلهم. وأشعر بأملٍ شديد حيال ذلك".
وقد تضاعفت المبادرات التي تشجع الزراعة. حيث تقدم بنوك الطعام الشتلات، ويُعلّم المتطوعون الزراعة المستدامة، وتتبادل مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي النصائح. وقد اتجهت مجموعات من الأصدقاء أو الجيران إلى الزراعة. وفي جميع أنحاء لبنان، توزع البلديات البذور وتشجع الناس على زراعة الأراضي المهجورة.
وفي حين أمضت غدير حمادي فترة الإغلاق في منزل عائلتها في الريف، لكن ما يقرب من 90٪ من سكان لبنان يعيشون في المدن، دون قدرةٍ على الوصول إلى الأراضي أو الحدائق.
في المخيمات الفلسطينية الخضراوات تزرع على أسطح المنازل
وفي مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت، وهو من بين أكثر المناطق كثافة في المدينة، تزرع مجموعةٌ الآن الخضار على أسطح المنازل.
وفي جزءٍ آخر من بيروت، محاط أيضاً بالمباني العالية، تتجوّل سعاد عبدالله بين النباتات على سطح منزلها. وهناك أنواع مختلفة من خضراوات السلطة، والطماطم، والثمار الصالحة للأكل. وفي إحدى الزوايا بنى هادي دعيبس ودهناء أبو رحمة، اللذين يشكلان مع سعاد مجموعة زراعة جماعية، سريراً خشبياً للزراعة.
ويقول رامي زريق، أستاذ إدارة النظام البيئي في الجامعة الأمريكية في بيروت، إنّ تطوير علاقة مع التربة له آثار إيجابية على رفاهية الناس: "لقد استيقظنا من ثباتنا الآن لكي ندرك أنّ ما كنا نتصور أنه موجود، لم يعد هنا. فالناس لديهم أموال في البنك لا يمكنهم استخدامها. والعودة إلى البدائية -الأرض، والبذور، والغذاء- هي أمرٌ مريح".
لكنه يقول إنّ المبادرات الصغيرة لن تفعل الكثير لحل مشكلة الأمن الغذائي: "إن شخصاً ما يزرع الأعشاب في الأصص لن يُحدِث أي فارق في التغذية. نحن بحاجة إلى تغيير طبيعة النظام، ومعاملة الغذاء كحق من حقوق الإنسان، وليس كسلعة".
واللاجئون السوريون يمثلون قوة العمل الرئيسية
ولبنان ليس وحده في مواجهة أزمة الغذاء. إذ حذر برنامج الأغذية العالمي من أن كوفيد-19 يمكن أن يضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع من 130 مليون شخص إلى 265 مليوناً. فالزراعة تعطلت في جميع أنحاء العالم، والعمال الموسميون عالقون خلف الحدود المغلقة. لكن لبنان، موطن أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة للفرد، لا يواجه هذه المشكلة لأنّ القوة العاملة الزراعية الرئيسية هنا تتألّف من اللاجئين السوريين.
والعمال المهاجرون، الذين يعتمدون على إرسال الدخل إلى عائلاتهم، هم من بين أكثر المتضررين. فكمال ميا، من باريسال في بنغلاديش، يبيع الخضار المستخدم في العديد من المأكولات الآسيوية: القرع المر الشائك، وفاكهة الليتشي الوردية، والكالاباش الخياري. وجميعها زرعت بالقرب من بيروت.
وأوضح: "نحضر البذور من بنغلاديش ونزرعها هنا. وفي نهاية كل أسبوع، أبيع 30 إلى 40 كيلوغراماً من البامية، و50 إلى 60 كيلوغراماً من القرع المر".
وخلال السنوات الثلاث التي قضاها في لبنان، كان يرسل 400 أو 500 دولار لزوجته وبناته كل شهر.
وأردف: "لكن في الأشهر الخمسة الماضية لم أتمكن من إرسال أي شيء. دخلي من المال لا يساوي شيئاً الآن، صفر".
ويستورد لبنان ما بين 60 و80٪ من السعرات الحرارية التي يستهلكها (مقارنةً مع 50٪ في المملكة المتحدة)، ويكتفي ذاتياً فقط من الفاكهة. ويستورد القمح، وهو الغذاء الأساسي، من دول مثل روسيا وأوكرانيا. ولبنان من أكثر دول العالم كثافةً سكانية، وليس لديه مساحة لزراعة كل ما يحتاجه.