زيارة غير معلنة لأعضاء اللجنة المصرية المختصة بليبيا قبل أيام، ثم وصول خليفة حفتر وعقيلة صالح إلى القاهرة، اليوم، وسط تحركات دولية مكثفة للتوصل إلى حل سياسي يُنهي الصراع الدموي في ليبيا، فهل قررت مصر أخيراً التخلي عن الجنرال؟
إجابة السؤال تناولها موقع Al-Monitor الأمريكي في تقرير بعنوان: "هل تُهمّش مصر حليفها الليبي؟"، رصد التحركات المصرية على الساحة الليبية بعد هزائم حفتر المتتالية وفشل هجومه للاستيلاء على العاصمة طرابلس مقر حكومة الوفاق المعترف بها دولياً والمدعومة من تركيا.
زيارة غير معلنة وتحركات مكثفة
زار أعضاء اللجنة المصرية المختصة بليبيا، المُؤلّفة من دبلوماسيين وضباط مخابرات حاليين، قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر في الـ14 من سبتمبر/أيلول، بمدينة بنغازي شرقي ليبيا. وأثارت الزيارة العديد من التساؤلات حول أسباب هذه الخطوة المفاجئة.
إذ ربط المُراقبون بين زيارة الـ14 من سبتمبر/أيلول والخطوات المصرية الأخيرة في الملف الليبي، بعد استضافة القاهرة محادثات مع وفدٍ من غرب ليبيا في السابع من سبتمبر/أيلول، ويعتقد المُحلّلون أن اللقاء قد يُشير إلى تهميش حفتر في صالح حليفه رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح.
وفي اليوم نفسه، التقى الوفد المصري صالح؛ لمناقشة "الحاجة إلى التوصّل لحلٍّ سياسيٍ عاجل للأزمة الليبية"، وفقاً لما صرّح به المتحدث باسم البرلمان عبدالله البهيجي، في بيانٍ صحفي، يوم 14 سبتمبر/أيلول. وأضاف: "تطرَّق الجانبان أيضاً إلى الوضع في ليبيا وسُبل إنهاء الصراع. وأكد الجانب المصري ضرورة العودة إلى المسار السياسي، وفرض وقف إطلاق النار في ليبيا".
تمهيد الطريق لـ"الصخيرات 2″؟
وفي هذا السياق، قال النائب البرلماني المصري مصطفى بكري، لموقع Al-Monitor الأمريكي، إن الزيارة المصرية لليبيا استهدفت التعرُّف إلى المواقف الليبية بشأن الجولة الأخيرة من المفاوضات التي عُقِدَت في القاهرة.
وأردف بكري: "تلقّت وزارة الخارجية والمخابرات المصرية توجيهات من القيادة السياسية بالوصول إلى أرضيةٍ مشتركة بين أطراف ليبيا المتنازعة، بما يُمهّد الطريق أمام حلٍّ سياسي بناءً على مبادرة القاهرة".
وقال بكري، البرلماني المصري المقرب من السلطات، إن المغرب يهدف إلى وضع اتفاقٍ جديد باسم "الصخيرات 2″، على غرار اتفاقية الصخيرات التي توسطت فيه خلال ديسمبر/كانون الأول عام 2015، وتتعارض هذه الجهود المغربية مع المحادثات التي رعتها مصر، والتي تسعى إلى الاستفادة من مبادرة القاهرة الهادفة إلى الوصول لحلٍّ ليبي-ليبي.
بينما يرى رخا حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن زيارة الوفد المصري لليبيا تُعَدُّ جزءاً من أحدث الجهود لتوحيد الأطراف الليبية المتنازعة، وقال حسن لموقع Al-Monitor، إن جولات المحادثات الليبية في المغرب ومصر قد تُمثّل محاولةً لتمهيد الطريق أمام حوارٍ سياسيٍّ أكبر في جنيف، من أجل تشكيل مجلسٍ رئاسي يتألّف من ثلاث شخصيات تُمثّل الأقاليم الليبية في الشرق والغرب والجنوب الغربي.
لكن حسن أضاف: "تهدف هذه الخطوات (المغربية والمصرية) نظرياً إلى السلام، لكن تطبيقها على الأرض قد يكون صعباً"، في إشارةٍ إلى الموقف المُعقّد الذي نتج عن هجوم حفتر على طرابلس في أبريل/نيسان عام 2019.
حفتر العقبة الأخيرة أمام السلام
وبعد أن مُنِيَ حفتر بعدة انتكاسات في هجومه على طرابلس، أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في يونيو/حزيران -بحضور حفتر وصالح- عن مبادرة القاهرة، التي دعت لعقد انتخابات بإشراف الأمم المتحدة داخل الأقاليم الثلاثة في غضون 90 يوماً. ورحب المجتمع الدولي بالمبادرة على نطاقٍ واسع، في حين رأى المراقبون أنها تُمثّل خطةً مصرية لتقليل نفوذ حفتر داخل ليبيا لصالح عقيلة صالح.
ومن ناحية دور حفتر ومستقبله في المفاوضات الجارية، يعتقد حسن أن هناك رغبة في إدراج وجوهٍ جديدة تختلف عن الشخصيات التي تتزعم المشهد في ليبيا حالياً، إذ أضاف: "تكمُن مصالح مصر في الحاجة إلى تحقيق الاستقرار والتوصل إلى حلٍّ سلمي داخل ليبيا، وهي لا تعتمد في ذلك على شخصيةٍ أو شخصٍ بعينه"، مُوضحاً أن مصر جاهزةٌ لتبديل تحالفاتها إلى شخصيةٍ أخرى إن دعت الحاجة.
بينما قالت كلوديا غازيني، المحللة البارزة في الشؤون الليبية لدى International Crisis Group، للموقع الأمريكي: "لا يُناسب حفتر الدور القيادي الذي يسعى صالح لملئه (في شرقي ليبيا)، ولم يدعم المحادثات التي يقودها المغرب، كما يرفض تقديم الدعم لأي حلٍّ دبلوماسي يهدف إلى عزله. وقد أظهرت القاهرة بالفعل علامات على عزل حفتر، مع تحسين صورة صالح في الوقت ذاته؛ ما أدى إلى نزاعٍ بين السلطات المصرية وحفتر".
لكن مصطفى بكري يعتقد أن "الجيش الوطني الليبي مطلوبٌ؛ من أجل تفكيك أيّ ميليشيات، وتأدية دورٍ مهم في تحقيق الاستقرار على الحدود مع مصر. ولهذا لن تتخلّى القاهرة عن قائدها (حفتر)".
الواضح أن التحركات المصرية المكثفة تسارع الزمن بعد الانفراجة التي تحققت نتيجة للجهود الدولية ونجاح اللقاءات بين وفد من مجلس نواب طبرق، ووفد من المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) بمدينة بوزنيقة المغربية، في تشكيل انطلاقة للحوار السياسي، والمقرر أن يُستأنف في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري.
الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه في بوزنيقة وإعلان فايز السراج استعداده للتخلي عن منصبه الشهر المقبل، حيث من المقرر عقد اجتماع في جنيف سيشهد اختيار خليفة للسراج والاتفاق على أن يتقاسم برلمان طبرق، السلطة مع مجلس الدولة في طرابلس، كمرحلة انتقالية رابعة تمتد لعام ونصف العام وتنتهي باستفتاء على الدستور وانتخابات برلمانية ورئاسية، كلها مؤشرات إيجابية، لكن تظل العقبة الوحيدة هي حفتر الذي أعلن رفضه الحوارات التي تجري في المغرب وسويسرا.
وفي هذا السياق يرى مراقبون أن القاهرة تسعى لتهميش حفتر إذا فشلت مساعي إقناعه بالقبول بالتسوية السياسية، خصوصاً أن الواضح الآن هو أن نفوذ زعيم الحرب ينحصر تدريجياً، في ظل المساعي الدولية لتهميش دوره، بسبب تعنته وعدم قبوله بالحلول الوسطى، إضافة إلى تخلي داعميه عنه من خلال ترحيبهم المعلن بالمبادرات الجارية، للتوصل إلى مخرج سياسي للصراع.