منذ 2000 يوم بالتمام والكمال، بدأ تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية الحرب في اليمن للقضاء على انقلاب الحوثيين واستعادة الشرعية في البلاد من خلال حكومة الرئيس عبدربه هادي منصور، وكان التصور وقتها أن العمليات العسكرية ستنتهي في غضون أسابيع بانتصار ساحق للتحالف، لكن اليوم لا يزال الوضع العسكري مشتعل بينما اليمن الذي كان يوصف بالسعيد يشهد أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث، فكيف وصلت الأمور إلى هذه النقطة وهل هناك نهاية قريبة للحرب؟
كيف بدأت الحرب؟
انقلب الحوثيون على الحكومة برئاسة هادي وقاموا بنفيه من العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وانطلق الحوثيون بعدها يسيطرون على مناطق ومدن اليمن، فسيطروا على اليمن الشمالي كاملاً ثم بدأت قواتهم في السيطرة على مدن الجنوب، حتى وضعوا أيديهم على عدن مطلع عام 2015.
في ذلك الوقت، توفي الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتولى الملك سلمان عرش المملكة وعين نجله محمد بن سلمان وزيراً للدفاع، ودعت السعودية لتشكيل تحالف عربي وإسلامي لإعادة الشرعية إلى اليمن، وبالفعل انطلقت العمليات العسكرية للتحالف الذي شكلت فيه الإمارات مع السعودية رأس الحربة، وكانت ضربة البداية 25 مارس/آذار 2015.
وحقق التحالف انتصارات في البداية، حيث تمت السيطرة على عدن في يوليو/تموز 2015، أي بعد نحو أربعة أشهر من انتهاء العمليات، فيما كان الوعد أن الأمور ستحسم عسكرياً خلال أسابيع قليلة وسينتهي الانقلاب الحوثي، لكن ذلك لم يحدث، بحسب تقرير لوكالة الأناضول نشرته اليوم الاثنين 21 سبتمبر/أيلول 2020.
استبشار من اليمنيين في بداية العمليات
ومع انطلاق عمليات التحالف استبشر العديد من اليمنيين المعارضين للحوثيين، واعتقد كثيرون أنه سيتم كبح جماح "انقلاب الحوثيين" خلال أسابيع، لكنهم مصابون حالياً بخيبة أمل كبيرة، مع اقتراب اكتمال ست سنوات من دون وجود أفق لحسم عسكري ولا حل سياسي ينهي مأساة البلد العربي الفقير، بحسب الأناضول.
واستعاد التحالف العربي والقوات الحكومية المسنودة منه محافظات ومناطق جنوب وشمال البلاد، مقابل إخفاق وتراجع في جبهات أخرى لصالح الحوثيين، فعلى سبيل المثال، استعادت القوات الحكومية السيطرة على محافظات كان الحوثيون بسطوا نفوذهم المسلح عليها، ومنها عدن وشبوة وأبين (جنوب).
كما سيطرت القوات المدعومة من التحالف على أغلبية محافطات لحج والضالع وتعز (جنوب غرب)، فيما لا زالت مناطق مهمة في قبضة الحوثيين بهذه المحافظات الثلاث، كما حققت القوات الموالية للتحالف تقدما ميدانيا في محافظتي الحُديدة وحجة (غرب)، وسيطرت على بعض مديرياتها.
وفي شمالي اليمن، حيث الكثافة السكانية الكبيرة، لم يتغير الوضع الميداني كثيرا منذ بدء الحرب، فالحوثيون استمروا في السيطرة على معظم محافظات الشمال، بما فيها صنعاء، إضافة إلى محافظات إب وذمار وعمران وريمة وغيرها، واستمرت الحكومة اليمنية في السيطرة على مدينة مأرب الحيوية، التي لم يدخلها الحوثيون منذ بدء الحرب.
عام الانتكاسات العسكرية للتحالف
لكن مع دخول العام الحالي 2020، تعرضت القوات الحكومية لانتكاسات ميدانية كبيرة في مواجهات ضد الحوثيين، فرغم أن "هدف" التحالف العربي هو إعادة السلطات الشرعية إلى صنعاء، فإنه بعد مرور سنوات من تدخله تعقد الهدف أكثر، بعد أن سيطر الحوثيون، في يناير/كانون الثاني الماضي، على غالبية جبهة نهم الجبلية.
وجبهة نهم الجبلية هي البوابة الشرقية لصنعاء، واتخذها الجيش اليمني منطلقاً عسكرياً لدخول العاصمة، وخسر فيها آلاف القتلى والجرحى، فيما تكبد الحوثيون خسائر بشرية أكبر، وفق مصادر عسكرية، وفي مارس/آذار الماضي، تقدم الحوثيون في محافظة الجوف (شمال)، وسيطروا على مركزها مدينة الحزم، كما سيطروا لاحقاً على جبهة قانية الاستراتيجية بمحافظة البيضاء (وسط)، وهي إحدى بوابات مأرب، آخر معقل للحكومة في الشمال.
وما تزال المعارك تدور، منذ أسابيع، في مناطق تتبع مأرب إدارياً، غير أن كلا الطرفين لم يحققا أي تقدم مهم في المحافظة منذ اشتداد المواجهات مؤخراً.
هجمات جوية عشوائية
ومع مرور الوقت دون أن يتحقق أي من الأهداف العسكرية للتحالف، ونظراً للطبيعة الجبلية لليمن (كما لو أن ذلك كان غائبا عن من اتخذوا قرار الحرب)، بدأ التحالف في تكثيف غاراته الجوية تسبب البعض منها في مقتل مدنيين بينهم أطفال رصدتها التقارير الدولية وسببت إساءة بالغة لصورة السعودية والإمارات على المستوى الدولي والإقليمي.
وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت جماعة الحوثي، عبر متحدثها العسكري يحيى سريع، أن التحالف شن أكثر من 257 ألف غارة جوية على اليمن، منذ بدء تدخله، فيما أفادت الجماعة أنها أطلقت أكثر من 410 صواريخ باليستية على أهداف عسكرية حيوية ومنشآت سعودية.
وقال التحالف، منتصف يونيو/حزيران الماضي أن مجموع الصواريخ البالستية التي تم إطلاقها باتجاه السعودية وتم اعتراضها، بلغ 313، مع اعتراض وتدمير 357 طائرة من دون طيار، ولعل أبرز غارة جوية نفذها التحالف هي تلك التي قتلت صالح الصماد، رئيس ما يُسمى المجلس السياسي الأعلى للحوثيين (بمثابة الرئيس بالمناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة) في أبريل/نيسان 2018، حينما تم استهداف سيارته مع مرافقين له في الحُديدة.
أما أبرز هجمات الحوثيين على السعودية، فكانت منتصف سبتمبر/أيلول 2019، عندما هاجموا بطائرات مسيرة منشأتين لإنتاج النفط تابعتين لشركة "أرامكو" السعودية، وأدت الهجمات إلى توقف مؤقت لنحو 5.7 مليون برميل يوميا من إمدادات الخام، أو حوالي 50% من إنتاج "أرامكو"، إضافة إلى ملياري قدم مكعبة من الغاز المصاحب.
ومع دخول الحرب عامها السادس في مارس/آذار الماضي، نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً بعنوان "لا نهاية قريبة للحرب في اليمن"، رصد ما تسببت فيه الحرب من أكبر مأساة إنسانية تسبب فيها البشر في العصر الحديث، بمقتل أكثر من 233 ألفا من اليمنيين بنهاية عام 2019، بينما سجل مكتب المفوضية العامة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان مقتل وإصابة 20 ألف مدني منذ اندلاع الحرب في مارس/آذار 2015، والآن يعاني أكثر من 16 مليون يمني من الجوع بصورة يومية.
هل تغيرت الأهداف المعلنة وأصبحت أطماعاً؟
لم يكن متصوراً ألا تثير تلك الحرب التي تحولت إلى مستنقع حول حياة اليمنيين إلى جحيم حقيقي الانتقادات الدولية وهو ما حدث بالفعل، وتعرضت السعودية والإمارات إلى دولتين سيئتي السمعة حول العالم، واتخذ الكونغرس الأمريكي وبرلمانات دول مثل بريطانيا وغيرها قرارات بوقف بيع الأسلحة لهما بسبب الحرب الكارثية في اليمن.
ومع مرور الوقت، بدا أن الهدف الذي من أجله انطلقت العمليات العسكرية وهو إعادة الحكومة الشرعية والقضاء على الانقلاب الحوثي قد تغير بشكل لافت إلى سعي الإمارات والسعودية لتحقيق أطماع كل منهما الخاصة في اليمن، وتوالت الاتهامات من جانب أطراف يمنية إلى التحالف بأنه لجأ مؤخرا إلى ما يُسمى "تحرير المحرر"، أي التوسع عسكريا في مناطق لا يتواجد فيها الحوثيون شرقي البلاد.
ويوجه يمنيون، بينهم مسؤولون حكوميون، انتقادات متكررة إلى السعودية والإمارات، حيث أرسلتا قواتا إلى مناطق بعيدة عن نفوذ الحوثيين، خصوصا في محافظتي سقطرى والمهرة (شرق)، ما أثار سخط كثيرين شددوا على ضرورة تحرير المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وليس التوجه شرقا لتحقيق "مطامع توسعية".
ودعمت الإمارات قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" في السيطرة على أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي في يونيو/حزيران الماضي، في وقت يتواجد فيه ألف جندي سعودي هناك، وتقول تقارير محلية ودولية أن الإمارات تسعى إلى إنشاء قاعدة عسكرية في هذا الأرخبيل اليمني الحيوي، فيما تلتزم أبو ظبي الصمت، وسبق أن أعربت عن حرصها على مصلحة اليمن واليمنيين.
وفي المهرة، ثاني أكبر المحافظات مساحة، ما زالت القوات السعودية تتواجد هناك، وسط اتهامات من رجال قبائل باتوا يطلقون على التواجد السعودي "احتلالا"، مع اعتصام احتجاجي متكرر منذ عامين، يطالب بإخراج القوات السعودية ودعم السلطات الشرعية في المحافظة، بينما تقول السعودية أنها تسعى دائما إلى دعم اليمنيين في مواجهة الحوثيين، وإعادة السلطات الشرعية إلى الحكم.
من الذي يدفع ثمن الحرب التي تحولت لمستنقع؟
ومع استمرار الحرب دون أمل في نهاية وشيكة لها، تستمر أيضا الجهود الدبلوماسية الأممية والدولية للتوصل إلى حل سياسي، لكن حتى اليوم لا يوجد منتصر ولا مهزوم، فكلا الطرفين تعرضا لإنهاك شديد واستنزاف هائل للمقاتلين.
وفي السياق، يدفع المواطن اليمني البسيط ضريبة الحرب في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، حيث بات الملايين على حافة المجاعة، إذا يعتمد 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، على المساعدات الإنسانية للبقاء أحياء، وبينما تقدر الأمم المتحدة مقتل 112 ألف شخص، منهم 12 ألف مدني، يشير الواقع إلى أن الضحايا المدنيين أكثر من ذلك بكثير.
وتستمر الجهود الأممية لإقناع الأطراف اليمنية بحل سياسي، لكن لا يوجد مؤشر حقيقي على اقتناعهم بذلك، في ظل تباين كبير في وجهات النظر وانعدام للثقة وتفتت التحالف ذاته بعدما تحولت أهداف الحرب التي بدت نبيلة وقانونية في بدايتها وانتهت الآن إلى أطماع اقتصادية وسياسية تجعل من الصعب وضع نهاية لهذه الكارثة الإنسانية قريباً.