لماذا ألقت وفاة قاضية في المحكمة العليا مزيداً من الوقود على حرائق أمريكا الانتخابية؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/09/20 الساعة 11:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/04 الساعة 11:53 بتوقيت غرينتش
غينسبورج توفيت عن 87 عاما / رويترز

جاءت وفاة إحدى قاضيات المحكمة العليا في الولايات المتحدة لتسكب مزيداً من البنزين على السباق الانتخابي المشتعل؛ فترامب انتهز الفرصة ويريد تعيين بديل للقاضية الليبرالية فوراً، بينما بايدن يريد الانتظار لما بعد الانتخابات الرئاسية، فما قصة روث بادر غينسبورج، ولماذا يعد تعيين بديل لها بهذه الأهمية؟

ما علاقة المحكمة العليا بالانتخابات من الأساس؟

تعتبر المحكمة العليا هي أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة، رغم أنها لا تملك الاختصاص الأصلي إلا في مجموعة صغيرة من الحالات التي تشهد خلافاً قضائياً، وتتكون هئية المحكمة من 9 قضاة، أحدهم رئيس والثمانية أعضاء، وحالياً يرأس المحكمة القاضي جون روبرتس، الذي عيّنه الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن قبل أكثر من 14 عاماً.

ويتم التعيين في المحكمة العليا من جانب الرئيس الأمريكي، الذي يقدم مرشحاً لمنصب قاض في المحكمة حال خلو المنصب، ولا يخلو المنصب إلا بالوفاة أو الاستقالة أو التقاعد أو الإدانة القضائية النهائية، حيث يظل قضاة المحكمة العليا في منصبهم مدى الحياة، ولا يمكن للرئيس أو غيره إقالتهم تحت أي ظرف من الظروف.

المحكمة العليا في أمريكا / رويترز

وفي العادة يمثل تعيين قضاة المحكمة العليا شداً وجذباً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بسبب المواقف المختلفة التي يتبناها كل حزب من القضايا الاجتماعية الكبرى كالإجهاض على سبيل المثال، فالجمهوريون محافظون بينما الديمقراطيون يتبنون المواقف الأكثر ليبرالية، لكن منذ انتخابات عام 2000 التي شهدت حسم النتيجة من خلال المحكمة العليا بفوز الجمهوري جورج بوش الأب، على حساب الديمقراطي آل جور، أصبح تعيين قضاة المحكمة العليا أكثر سخونة بين الجانبين.

وفي ظل الاستقطاب غير المسبوق الذي تشهده الولايات المتحدة في السنوات الأربع الأخيرة، ليس سياسياً فقط، وإنما اجتماعياً أيضاً، تأتي وفاة القاضية غينسبورج قبل أقل من ستة أسابيع على موعد الانتخابات ليسكب مزيداً من الوقود على السباق المشتعل بين الحزبين، وليس فقط على منصب الرئيس الذي يتنافس عليه دونالد ترامب وجو بايدن.

معركة تعيين بديل لغينسبورج

تمثل غينسبورج الصوت التقدمي الليبرالي الأبرز بين قضاة المحكمة، وتعتبر أيقونة حقوق المرأة، وكانت ثاني امرأة يتم تعيينها في المنصب، وذلك قبل أكثر من 27 عاماً، والذي رشحها للمنصب كان الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون، وبالتالي فإن توقيت وفاتها عن عمر يناهز 87 عاماً قد أثار على الفور اشتباكات بين الحزبين بشأن تعيين بديل لها.

غينسبورج فارقت الحياة مساء الجمعة 18 سبتمبر/أيلول، وكشف ترامب السبت أنه يعتزم التحرّك سريعاً في تسمية بديل لها في المحكمة العليا، مبرراً في تغريدة أنّ تسمية قضاة لهذه المحكمة هو "القرار الأهم" الذي ينتخب من أجله رئيس، وقال إن تسمية قاض (بديل لغينسبورج) "واجب، علينا (المضي به) دون تأخير".

لكن الرد من جانب الديمقراطيين لم يتأخر، حيث وجه الرئيس السابق باراك أوباما وبايدن تحذيراً لترامب، حيث قال بايدن في تصريح صحفي "يجب على الناخبين اختيار الرئيس، وعلى الرئيس اختيار قاضٍ لينظر فيه مجلس الشيوخ".

بينما دعا أوباما خلفه إلى الامتناع عن ذلك في الوقت الذي بدأت فيه "عمليات اقتراع" في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث إن المحكمة العليا تملك كلمة الفصل في كل القضايا الاجتماعية الكبرى التي ينقسم عليها الأمريكيون مثل الإجهاض وحق الأقليات وحيازة السلاح وعقوبة الإعدام وغيرها، كما أن لهذه المحكمة أيضاً الكلمة الفصل في النزاعات الانتخابية، على غرار ما حصل في انتخابات عام 2000 التي انتهت بفوز جورج بوش الابن.

وانتقد أوباما بشدة موقف زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي أعلن أنه سيجري عملية تصويت لاختيار بديل للقاضية الراحلة، بالرغم من أن ماكونيل نفسه رفض عام 2016 تنظيم جلسة استماع إلى قاض اختاره باراك أوباما لهذا المنصب، بحجة أنه كان عاماً انتخابياً.

مأزق للجمهوريين أيضاً

وتناولت صحيفة الغارديان البريطانية القصة في تقرير بعنوان "كيف تؤثر وفاة غينسبورج في صراع ترامب وبايدن"، تناول أيضاً تأثير الوفاة على السباق الانتخابي في مجلس الشيوخ، حيث تشهد الانتخابات يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل معركة حامية في الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ أيضاً.

بعد عرقلة التصويت أكثر من مرة.. الشيوخ الأمريكي يقر مزاعم الأرمن حول
مجلس الشيوخ الأمريكي/رويترز

ويخشى الجمهوريون من فقدان أغلبيتهم الحالية في مجلس الشيوخ، حيث يمتلكون 53 مقعداً مقابل 47 لمنافسيهم، بينما يسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب برئاسة نانسي بيلوسي.

وتواجه سوزان كولينز، عضو مجلس الشيوخ الجمهورية، منافسة شرسة في دائرتها الانتخابية في ولاية مين، والسبب مواقفها المحافظة في قضية الحق في الإجهاض، حيث تظهر استطلاعات الرأي هناك تقدم منافستها الديمقراطية ساره جيدون بأكثر من 12 نقطة، ومن ثم فإن تصويت كولينز لصالح مرشح ترامب لشغل منصب القاضية غينسبورج ربما يزيد من تضاؤل فرص كولينز في الاحتفاظ بمقعدها في مجلس الشيوخ.

وقد انعكس الموقف الصعب الذي تواجهه كولينز في تصريحاتها، عصر السبت، تعليقاً على وفاة القاضية الليبرالية ومعركة تعيين بديل لها التي اشتعلت مباشرة، حيث قالت إنه على الرغم من أن ترامب "يمتلك السلطة الدستورية لترشيح البديل فوراً"، وأنها (كولينز) لا تعترض على أن تبدأ اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ عملية التدقيق للمرشحين، فإن القرار "يجب أن يتخذه الرئيس الذي سيتم انتخابه يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني".

أما بالنسبة للديمقراطيين فإن القصة تتعلق بوجود 3 قضاة فقط يميلون لليسار في أفكارهم، حكموا على الرؤساء الذين قاموا بتعيينهم، وهم حالياً ستيفن براير (عيّنه بيل كلينتون)، وسونيا سوتوماير، وإيلينا كاغان (عينهما باراك أوباما)، مقابل 5 قضاة عيّنهم رؤساء جمهوريون، أبرزهم رئيس القضاة جون روبرتس، لكن بشكل عام يشعر الديمقراطيون بخطر ميل المحكمة العليا أكثر ناحية اليمين حال تمكن ترامب من تعيين بديل للقاضية الراحلة.

ففي قضية تقييد حق اللجوء، على سبيل المثال، أقرت المحكمة ما أراده ترامب من فرض قيود على حق اللجوء، عندما وافقت على الرفض التلقائي لجميع طلبات اللجوء التي يقدمها مهاجرون لم يتقدموا بطلب للحصول على صفة لاجئ في المكسيك أو في بلدان ثالثة، عبروها للوصول إلى الولايات المتحدة، وهو القرار الذي عارضته غينسبورج وسوتومايور فقط.

تحميل المزيد