التطبيع الإماراتي الإسرائيلي لم يكن وليد اللحظة، بل جرى الإعداد له منذ سنوات، عكس التطبيع البحريني الذي تم على عجالة لأغراض انتخابية بحتة تخص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فماذا سيعود على المنامة من ذلك التطبيع؟
الإجابة عن السؤال تناولها موقع Responsible Statecraft الأمريكي في تحليل بعنوان: "التداعيات المحلية والإقليمية لتطبيع البحرين علاقاتها مع إسرائيل"، أعده إميل نخلة، مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وعضو في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية.
قرار التطبيع البحريني ليس له ثقل كبير
لم يكن لقرار البحرين تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد أن قررت الإمارات ذلك، أن يُحدِث -بحكم واقع الأمور- كثيراً من الضجة على الساحة الدولية، إذ لطالما كانت القرارات الإقليمية والدولية الرئيسية التي اتخذها نظام آل خليفة في البلاد سيراً على خط جارتها الأكبر والأكثر قوة السعودية، حذو الخطوة بالخطوة.
وهكذا، فمن أجل استرضاء إدارة ترامب، ولاعتماد النظام البحريني على الولايات المتحدة في أمنه، قرر ملك البحرين إرسال وزير خارجيته عبداللطيف بن راشد الزياني للانضمام إلى حفل إعلان التطبيع في البيت الأبيض، يوم الثلاثاء 15 سبتمبر/أيلول 2020. وأكثر من ذلك، ما يجعل حفل التوقيع حدثاً غير ذي بال، هو أنه ليس ثمة حرب ولا شيء على وشك الاندلاع بين إسرائيل والإمارات أو إسرائيل والبحرين.
خصوصية الموقف البحريني حتى ضمن الخليج
غير أن ما جعل قرار تطبيع البحرين مسألةً جديرة بالتحليل، هو عديد من الأشياء الأخرى التي تنفرد بها البحرين عن غيرها من دول الخليج، فضلاً عن أن تناول المسألة بعناية أكبر يمكن أن يسلط مزيداً من الضوء ويضفي أبعاداً جديدة على قرار الملك حمد بالخروج عن الموقف العربي التقليدي بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والسبب الرئيسي في ذلك هو أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل لا يتعلق بالفلسطينيين ولا بحل الدولتين، وإنما هي في الأساس صفقة مقايضة بين الإمارات الخليجية وإدارة ترامب.
الأرجح أن تلك القرارات موجهة لدعم ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لاسيما مع ما أبداه جو بايدن من استعداد لتهدئة الأمور مع إيران، وإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي. في المقابل، بذل ترامب الوعود ببيعهم طائرات مقاتلة متطورة تصل قيمتها إلى عشرات المليارات من الدولارات، ولوّح لهم باستعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي لتعليقٍ، وإن لم يكن محسوماً، لمسألة ضم الأراضي الفلسطينية لعدة سنوات.
يسكن أرخبيل البحرين أغلبية شيعية، لطالما تعرضت للتهميش من قبل الأقلية السنية الحاكمة، وانخرطت الأغلبية الشيعية في نضال متواصل من أجل حقوق الإنسان والمساواة والعدالة، وأدان الزعيم الشيعي البحريني، آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم، المقيم حالياً في إيران، بشدةٍ، صفقة التطبيع مع إسرائيل، قائلاً إنها تتعارض مع مصالح الشعب البحريني.
مخاطر على الوضع الداخلي
ومع ذلك، فإن مصدر قلق آخر يجب أن يكون نصب أعين نظام آل خليفة، وهو أن الأقلية السنية في البحرين لطالما كانت تدعم تقليدياً قضايا القومية العربية، وعلى رأسها إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، كما يدعم كثير من البحرينيين بقوة نموذج حل الدولتين، وحتى مع تضاؤل احتمالات قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، واصل البحرينيون المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ورفع القيود المفروضة على غزة. ومن ثم، فإن قرار الملك حمد بتطبيع العلاقات علانية مع إسرائيل قد يؤدي إلى عزل نظامه بدرجة أكبر في الداخل.
كما أن القرار لن يعزز بالضرورة أمن النظام أو يصرف الانتباه عن سجله الفظيع فيما يتعلق بحقوق الإنسان، خاصة حيال الشيعة والمعارضين السلميين الآخرين، إذ يمكن أن تثير الاتفاقية احتجاجاتٍ داخلية وتهدد بعدم الاستقرار في البلاد، وعلى خلاف الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي، البحرين من الممكن أن تصبح بسهولة هدفاً لغضب إيران ومخططاتها للانتقام.
علاوة على أن البحرين كانت الإمارة الوحيدة التي ادّعى الشاه أنها جزء من إيران، قبل الحصول على الاستقلال في عام 1971، وهو ما يعني أن التهديد الوجودي المتصور لنظام آل خليفة من إيران، لن يتضاءل لمجرد أن النظام أقام علاقات دبلوماسية وتجارية رسمية مع إسرائيل.
هل أخطأ الملك في حساباته؟
كل ذلك يدفع المرء إلى التساؤل، هل أجرى الملك حمد ونجله ولي العهد الأمير سلمان تحليلاً جاداً لحجم التهديدات الداخلية والخارجية التي قد تترتب على قرارهم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإذا افترضنا أن إيران اتخذت موقفاً أشد عدوانية ضد البحرين، فهل يتوقع النظام البحريني أن تدخل الولايات المتحدة في خضم انتخاباتها الرئاسية أو الاتحاد الأوروبي في غمار صراعه لاحتواء فيروس كورونا، حرباً مع إيران لإنقاذ البحرين؟ لكن، وإن كانت الدولة الجزيرة على مرمى حجر من إيران، فإن مياهها الإقليمية أيضاً هي قاعدة تمركز الأسطول الخامس الأمريكي، ومن ثم لا يُتوقع أن تخوض واشنطن أو طهران حرباً بشأن البحرين.
ثمة أمر آخر تنفرد به البحرين عن جيرانها، وهو وجود جالية يهودية صغيرة في عاصمة البلاد المنامة، وينحدر اليهود البحرينيون من أصول عراقية، حيث انتقل أسلافهم من بغداد إلى البحرين في أواخر القرن التاسع عشر، وفي هذا السياق، تبرز عائلة نونو الوجيهة في أوساط المجتمع اليهودي، وهي عائلة معروفة جيداً في مجتمع الأعمال البحريني وفي قطاعات الخدمة الحكومية.
في الواقع، كانت هدى عزرا إبراهيم نونو، ابنة كبير العائلة، أول امرأة يهودية على الإطلاق تتولى العمل سفيرةً للبحرين في واشنطن من عام 2006 إلى 2013، وتحافظ الأقلية اليهودية في البحرين على علاقات جيدة مع آل خليفة ومع مجتمع الأعمال البحريني من السنة والشيعة.
كيف سيؤثر قرار التطبيع الذي اتخذه آل خليفة في أوضاع تلك الأقلية، وهل ستظهر مشاعر معادية لليهود البحرينيين بين بعض معارضي التطبيع نتيجةً لهذا القرار؟ وفي حال أدى التقارب العلني للملك مع إسرائيل إلى تعريض الأقلية اليهودية للخطر وجعلها مستهدفة بالكراهية، فهل سيبدأ أفراد الأقلية اليهودية في التفكير في الهجرة إلى إسرائيل؟
علاوة على ذلك، تشكل العلاقات البحرينية السعودية والنفوذ الذي يحظى به ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على البحرين، عاملاً آخر تنفرد به البحرين في مزيج التطبيع الخاص بها، وغني عن القول، أن الملك حمد لم يكن ليتخذ هذا القرار دون موافقة ضمنية من محمد بن سلمان، فقد سبق أن قررت السعودية إرسال قوات لها إلى البحرين، خوفاً على بقاء نظام آل خليفة خلال الانتفاضة الشعبية في عام 2011، وظلت تلك القوات هناك منذ ذلك الحين، ومُذاك، برزت البحرين بوصفها دولة تابعة للسعودية تتمتع بسيادة محدودة على أمورها.
المملكة التابع الأمين للسعودية
كما أن معظم قرارات السياسة الخارجية للبحرين في السنوات الخمس الماضية، لاسيما فيما يتعلق بإيران والاتفاق النووي الإيراني، والحرب التي تقودها السعودية في اليمن، وقرار مقاطعة قطر، والصمت حيال نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وما تزامن مع ذلك من ضم إسرائيلي لمساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، كل تلك القرارات توافق فيها النظام البحريني مع رغبات وسياسات السعودية، بمعنى أنه لم يكن ثمة فرق يذكر بين الموقف السعودي والبحريني من أي قضية سياسية عربية أو إقليمية أو دولية.
وفيما يتعلق بقرارات التطبيع الأخيرة، ربما إدراكاً لموقف والده المؤيد بقوة لمبادرة السلام العربية وصيغة "الأرض مقابل السلام" كأساس لأي اتفاق فلسطيني إسرائيلي مستقبلي، فقد امتنع محمد بن سلمان عن الانضمام إلى جارتيه في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وربما توافق بن سلمان مع البحرين وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، وترامب، على أن التطبيع مقبول، لكن السعودية لن تنضم إلى الإعلان حالياً، على الأقل مع وجود الملك سلمان على عرش السعودية.
لا بد أن المشاركة في حفل التطبيع في البيت الأبيض كانت أمراً مثيراً للإعجاب بالنسبة إلى دولة صغيرة مثل البحرين، ومع ذلك فإن تحليلاً جاداً للتكلفة والعائد من تلك الخطوة سيظهر أن ذلك الإغواء لم يكن يستحق مخاطرة كهذه، إذا لم تحصل البحرين على أي مزايا جديدة لها من الصفقة عما كان عليه الوضع من قبل، فإنها تكون قد قدمت الإمارات والسعودية بالفعل مليارات الدولارات للبحرين لدعم اقتصادها المتدهور. والمبيعات والمساعدات العسكرية الأمريكية مستمرة، بغض النظر عن الاتفاق مع إسرائيل، كما أن التعاون التكنولوجي والاستخباراتي الإسرائيلي مع البحرين كان أمراً جارياً قبل الإعلان عن أي اتفاق. ومن ثم، يبرز الاستبداد وسلطوية الأنظمة العربية بوصفهما أكبر الرابحين من تلك الاتفاقات، في حين تخرج الشعوب العربية، وحقوق الإنسان والديمقراطية، بوصفها الطرف الأشد خسارة في تلك الصفقة.