من بين العديد من الاتفاقات التي تم الإعلان عن توقيعها بين مؤسسات وهيئات إسرائيلية وإماراتية قبل حتى أن يتم توقيع اتفاق التطبيع بين الجانبين، يعتبر توقيع مذكرات تفاهم بين شركة "موانئ دبي العالمية" و"جمارك دبي" وشركة "دوفارتاور" الإسرائيلية الأبرز من ناحية التأثير المباشر، حيث يفتح الأبواب أمام تل أبيب في أرجاء المنطقة والعالم، فما القصة؟
رفض أمريكي لموانئ دبي قبل 15 عاماً
موانئ دبي العالمية تعتبر واحدة من أكبر شركات إدارة الموانئ ليس في الشرق الأوسط فقط، بل حول العالم وكانت للشركة قصة مثيرة على الأراضي الأمريكية بين عامي 2005 و2006 حينما استحوذت الشركة الإماراتية على شركة بريطانية كانت تدير ستة موانئ أمريكية منها ميناء سان فرانسيسكو وبالتالي كان المفترض أن تنتقل إدارة تلك الموانئ الأمريكية إلى شركة دبي للموانئ.
وكان الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش الأب متحمساً للصفقة وأعطى موافقته عليها بالفعل، لكن ذلك أثار عاصفة من الجدل في أروقة السياسة الأمريكية وبنى المعارضون رفضهم للصفقة على أساس أن ذلك يمثل "خطورة بالغة على الأمن القومي الأمريكي"، خصوصاً بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001، ووصل الأمر إلى الكونغرس الذي أصدر بالفعل تشريعاً ساندته الأغلبية المطلقة من الأعضاء برفض تولي شركة إماراتية إدارة الموانئ الأمريكية.
القصة وقتها أخذت حيزاً ضخماً من النقاشات والجدل، وهدد الرئيس بوش باستخدام الفيتو الرئاسي لإبطال تشريع الكونغرس، مبرراً ذلك بأن الإمارات دولة حليفة ولا يوجد سبب يدعوها لتعريض أمن الولايات المتحدة للخطر، لكن انتهت القصة بأن أعلنت شركة موانئ دبي العالمية تراجعها عن الصفقة التي فازت بها شركة أمريكية وانتهى الأمر وقتها عند هذا الحد، لكنه أصبح جزءاً هاماً من أدبيات العلاقة بين البلدين وسلط الأضواء للمرة الأولى على الشركة الإماراتية التي باتت تدير موانئ في القارات الست، وتفاصيل القصة موجودة على ويكيبيديا بعنوان "جدل موانئ دبي العالمية".
هل تتولى موانئ دبي إدارة أكبر ميناء إسرائيلي؟
واليوم تعود موانئ دبي العالمية للواجهة مرة أخرى بعد الإعلان عن توقيعها عدداً من مذكرات التفاهم مع شركة "دوڤرتاوار" وذلك في إطار تقييم فرص تطوير البنية التحتية اللازمة للتجارة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل وكذلك تعزيز الحركة التجارية في عموم المنطقة.
ووقّع رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة "موانئ دبي العالمية" سلطان أحمد بن سليم ثلاث مذكرات تفاهم مع شركة دوڤرتاوار، وهي شركة يملكها شلومي فوغيل، الشريك في أحواض بناء وإصلاح السفن الإسرائيلية وميناء إيلات.
وبحسب ما نشره موقع CNBC عربية اليوم الأربعاء 16 سبتمبر/أيلول، تغطي مذكرات التفاهم مجالات تعاون تشمل: قيام "موانئ دبي العالمية" بتقييم تطوير الموانئ الإسرائيلية، وكذلك تطوير مناطق حرة وإمكانية إنشاء خط ملاحي مباشر بين ميناء إيلات وميناء جبل علي، ومساهمة "جمارك دبي" في تسهيل التجارة بين المؤسسات الخاصة من الجانبين من خلال تطبيق أفضل الممارسات الجمركية السلسة والمبتكرة، إضافة إلى استكشاف "الأحواض الجافة العالمية" فرص العمل مع أحواض بناء وإصلاح السفن الإسرائيلية على مبدأ المشاريع المشتركة لتطوير وتصنيع وتسويق منتجات أحواض بناء وإصلاح السفن.
وبشأن مجال التعاون الثالث، نشرت وكالة بلومبيرغ الأمريكية تفاصيل أكثر تحديدا تتعلق بتقديم الموقعين على مذكرات التفاهم عرضاً مشتركاً للمشاركة في مناقصة الحكومة الإسرائيلية لخصخصة ميناء حيفا، وهو أكبر ميناء إسرائيلي على البحر المتوسط، وذلك في إطار استراتيجية الحكومة الإسرائيلية للحصول على تريليوني شيكل (585 مليون دولار) من وراء خصخصة الميناء، التي تأتي كجزء من برنامج أكبر لخصخصة الأصول المملوكة للدولة يهدف إلى تحسين الخدمات والحصول على دخل تحتاجة الحكومة لمواجهة العجز المتزايد في الموازنة العامة.
ماذا ستستفيد إسرائيل أيضاً؟
وكعادة الاتفاقات التي توقعها الأنظمة العربية مع إسرائيل بشكل عام، تكون هناك دائماً بنود سرية لا تظهر إلا لاحقاً، والأمر ينطبق على اتفاقي التطبيع بين تل أبيب وأبوظبي والمنامة، بحسب التقارير الإعلامية، وبتطبيق تلك القاعدة على الاتفاقيات أو مذكرات التفاهم التي وقعتها "موانئ دبي" مع "دوفارتاور" الإسرائيلية، نجد أن التقدم بعرض مشترك للحصول على إدارة ميناء حيفا لم يظهر في التقارير العربية، وإنما نشرته التقارير الغربية.
والنقطة الأخرى هنا هي ذلك الاتفاق بين الجانبين على إنشاء خط ملاحي مباشر بين ميناء إيلات وميناء جبل علي، فموانئ دبي تتولى إدارة موانئ في مصر (العين السخنة للحاويات) وفي السعودية وجيبوتي وهو ما يعني أن إسرائيل أصبحت بصورة قانونية وعلنية تمتلك موطئ قدم في تلك الموانئ وغيرها أيضاً، وهو ما يمثل خطراً أمنياً داهماً على الأمن القومي لتلك الدول، قياساً على الموقف الأمريكي الرافض لتولي موانئ دبي إدارة تلك المرافق الحيوية كما ذكرنا في البداية.
ولا يمكن هنا استبعاد ما حدث في اليمن حينما شاركت الإمارات في تحالف دعم الشرعية مع السعودية بهدف محاربة الانقلاب الحوثي وإعادة الحكومة الشرعية إلى صنعاء، ليفاجأ الجميع بأن لأبوظبي أهدافاً أخرى تتعلق بجنوب اليمن وموانئه سواء عدن أو الحديدة، ومؤخراً بدأت التقارير تظهر من جنوب اليمن عن إدخال الإماراتيين وحلفائهم في المجلس الانتقالي الجنوبي إسرائيليين إلى ميناء عدن، ولم يصدر نفي إماراتي رسمي لتلك التقارير.
موانئ دبي العالمية تدير أيضاً أكبر ميناءين في الجزائر، إضافة إلى أغلب الموانئ حول العالم، من محطة حاويات في فانكوفر بكندا ومحطتين في بورتو نوفو في الأرجنتين، مروراً بأغلب الموانئ الأوروبية والإفريقية الرئيسية، وصولاً إلى موانئ آسيا الرئيسية وأستراليا كذلك، ولا شك أن كل ذلك يمثل إضافة استراتيجية هامة لإسرائيل وليس فقط كنزاً مالياً لمساعدة اقتصادها المنهك.