امرأة يدها موضوعة في جبيرة سوف تكون وضعاً، في محادثات السلام الأفغانية التي من المقرر أن تبدأ غدا السبت 12 سبتمبر/أيلول 2020، في العاصمة القطرية الدوحة في مفاوضات تاريخية بين طالبان والحكومة الأفغانية بعد ما يقرب من عقدين من الحرب المريرة.
تمثل هذه المرأة تجسيداً لمفارقات محادثات السلام الأفغانية، لقد أصيبت في تفجير إرهابي، ولكنها عضو في وفد الحكومة مع الحركة الشديدة التزمت في فهم الإسلام، بشكل يخرجها تماماً من الحياة، ولكن هاهي تقبل بمفاوضات المرأة التي كادت تذهب ضحية للأفكار المتطرفة.
وكان إطلاق سراح 5000 سجين من طالبان كانت تحتجزهم الحكومة الأفغانية قد فتح الطريق أمام حدوث انفراجة بعد شهور من التأخير والاتهامات المضادة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
الأمريكيون خضعوا لشروط طالبان من ناحيتهم
ووافقت الولايات المتحدة على إطلاق سراح السجناء في اتفاقها التاريخي مع حركة طالبان في فبراير/شباط 2020، في محادثات لم تشارك فيها الحكومة الأفغانية. وبموجب هذا الاتفاق، وعد الأمريكيون أيضاً بسحب تدريجي لقواتهم المتبقية مقابل ضمانات بأن مقاتلي طالبان سيقللون هجماتهم ولن يسمحوا بأن تكون البلاد ملاذاً للإرهابيين بعد الآن.
الآن لن يكون إيجاد حل وسط بين حركة طالبان والحكومة بشأن قضايا تقاسم السلطة والحريات المدنية، بما في ذلك دور المرأة والأقليات، مهمة سهلة وستزداد صعوبة بسبب سنوات من إراقة الدماء والمظالم.
وفي واشنطن، قال وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي توجه إلى قطر للمشاركة في المحادثات، أمس الخميس إن فرصة السلام "يجب عدم إهدارها".
وفي البيت الأبيض، وصف الرئيس ترامب افتتاح المحادثات بأنه "نتيجة جهد دبلوماسي جريء من جانب إدارتي في الأشهر والسنوات الأخيرة".
وقال ترامب: "ستلعب الولايات المتحدة دوراً مهماً في جمع الأطراف معاً لإنهاء الحرب المستمرة منذ عقود. لقد استمرت الحرب لما يقرب من 20 عاماً – وذلك قبل وقت طويل من تدخلي في الأمر".
إليك مع ما تنفيذه من الاتفاق مع الأمريكيين وما الذي يقلق طالبان
دعا الاتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في فبراير/شباط 2020، إلى سحب جميع القوات الأمريكية المتبقية في البلاد على مدى 14 شهراً والتي يبلغ عددها حوالي 12000 جندي. وأعرب الرئيس ترامب مراراً عن رغبته في إخراج القوات الأمريكية من أفغانستان. وبموجب الاتفاق المبرم بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، ستعيد الولايات المتحدة نحو 3400 جندي إلى بلادهم في غضون 135 يوماً من توقيع اتفاق السلام وإغلاق خمس قواعد عسكرية.
في المقابل، وافقت طالبان على وقف فعال لإطلاق النار مع التحالف الأمريكي. وقال المتمردون إنهم لن يهاجموا الأهداف الأمريكية أثناء انسحابهم، ووافقت الولايات المتحدة على وقف مهاجمة مقاتلي طالبان إلا في حالات نادرة، حيثما يتعرض فيها حلفاؤها الأفغان لضغوط شديدة.
وقال الجانبان إنه جرى الوفاء بشروط مرحلة 135 يوماً الأولى، لكن طالبان قلقة من أن الولايات المتحدة لن تنسحب بالكامل بحلول أوائل العام المقبل. بينما أعرب بعض المسؤولين الأمريكيين عن مخاوفهم بشأن الثقة في طالبان، لكن لم يقترح أي منهم حتى الآن تغيير كبير في جدول الانسحاب.
وقال الجنرال كينيث ماكنزي جونيور، قائد القيادة المركزية الأمريكية، يوم الأربعاء 9 سبتمبر/أيلول 2020 أنه بحلول نوفمبر/تشرين الثاني، سينخفض الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان إلى 4500 جندي.
المفاوضات حول تقاسم السلطة ستكون معقدة، والأصعب ماذا سيفعلون مع وضع المرأة؟
وبقدر صعوبة جمع حركة طالبان والحكومة معاً في طاولة المفاوضات، فإن التوصل إلى اتفاق سيكون أكثر تعقيداً.
إن إيجاد حل وسط دائم بين رؤيتين متعارضتين للحكومة -حكم ديني إسلامي صارم وجمهورية تقول إنها ديمقراطية- لن يكون مهمة سهلة، وسيزداد صعوبة بسبب عقود من إراقة الدماء والمظالم بين الجانبين.
وستكون أولوية الحكومة الأفغانية هي تأمين وقف دائم لإطلاق النار أثناء إجراء المحادثات، وهو أمر وافقت عليه حركة طالبان كبند أول على جدول الأعمال. لكن دفع الحركة إلى التخلي عن العنف، مجال نفوذها الرئيسي، لن يكون مهمة سهلة.
هناك مسافة تباعد بين الجانبين حول قضايا أخرى بما في ذلك شكل الحكومة المستقبلية لتقاسم السلطة، وحقوق المرأة، وكيفية دمج الآلاف من مقاتلي طالبان في قوات الأمن.
كتب أكثر من 100 من القادة الحاليين والسابقين في جميع أنحاء العالم خطاباً يحثون فيه المفاوضين على الحفاظ على المساواة للمرأة على النحو المبين في الدستور الأفغاني، والاتفاق على نظام يمكن من منع المساعدات الخارجية للبلاد إذا انتهكت حقوق المرأة من قبل الحكومات المستقبلية. يقول الخطاب: "أفغانستان القمعية لن تكون مستقرة أو آمنة أو مزدهرة".
في غضون ذلك، الساعة تدق. ويعرف كل طرف أن البلاد، العالقة في منطقة منقسمة ومعادية، قد تواجه أزمة جديدة خطيرة إذا سحبت الولايات المتحدة آخر قواتها قبل الانتهاء من التوصل لتسوية.
في المحادثات: مرشح رئاسي وعالم ديني و5 سيدات
يتكون فريق التفاوض في الجمهورية الأفغانية من مزيج من المسؤولين الحكوميين وشخصيات المعارضة، ويشرف عليه المرشح الرئاسي الدائم عبدالله عبدالله.
يضم الفريق خمس سيدات من بين 21 عضواً، بما في ذلك فوزية كوفي، العضوة السابقة في البرلمان والتي نجت مؤخراً من محاولة اغتيال وستصل إلى الطاولة ويدها لا تزال في الجبس الطبي. أما معصوم ستانيكزاي، كبير المفاوضين، فقد كان مقرباً منذ فترة طويلة من الرئيس أشرف غني، وشغل مؤخراً منصب رئيس الاستخبارات الأفغانية.
سيضم فريق طالبان بعضاً من الوفد الذي تفاوض على الاتفاق مع الولايات المتحدة، مع تغيير ملحوظ: في منصب كبير المفاوضين، قدم المتمردون مولوي عبدالحكيم حقاني، وهو عالم ديني قاد شبكة المحاكم المحلية لطالبان في السنوات الأخيرة. يُنظر إلى مولوي حقاني على أنه يتمتع بنفوذ عميق داخل صفوف طالبان، حيث عمل كمعلم للعديد من قادتهم في المعاهد الإسلامية.
ويشرف على العملية الملا عبدالغني بردار، نائب الزعيم الأعلى لطالبان، الذي وقع الاتفاق مع الولايات المتحدة نيابة عن الحركة.
في غضون ذلك، سوف يجلب العديد من الأشخاص من كلا الجانبين ذكريات الخسارة الشخصية إلى طاولة المفاوضات. فقد أصيب ستانيكزاي في تفجير أدى إلى مقتل مبعوث السلام الأفغاني السابق برهان الدين رباني. في حين فقد مولوي حقاني شقيقه وابنه في انفجار استهدف مسجداً في مدينة كويتا الباكستانية، حيث يعمل جزء كبير من قيادة طالبان.
هل التزمت طالبان بالنأي بنفسها عن التنظيمات الإرهابية؟
كجزء من اتفاقهم مع الأمريكيين، التزمت حركة طالبان بمنع الجماعات الإرهابية من استخدام أفغانستان كقاعدة للعمليات.
وتشتمل آلية مراقبة التزام كل جانب بالاتفاق على مكتب مشترك في الدوحة. ومع ذلك، ليس من الواضح كيف يقيم هذا المكتب علاقات حركة طالبان بالقاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى، لكن كبار القادة العسكريين الأمريكيين قالوا إنهم غير راضين حتى الآن.
ذكرت تقارير متتالية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من قبل فريق المراقبة، بما في ذلك تقرير هذا الشهر، أن عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب -بمن فيهم باكستانيون وعرب وآخرون من آسيا الوسطى- المنتسبين إلى القاعدة والجماعات الإرهابية الإقليمية الأخرى لا يزالون يتمتعون بتغطية في أفغانستان تحت مظلة طالبان. لكن طالبان شككت في تلك التقارير.
ولكن هجمات طالبان على القوات الأفغانية تواصلت بلا هوادة
حتى مع انخفاض المواجهات المباشرة بين الولايات المتحدة وطالبان، كثف المتمردون هجماتهم على قوات الحكومة الأفغانية.
في الماضي، كانت القوات الأفغانية تعتمد بشكل كبير على الدعم الجوي الأمريكي، لكن هذه المساعدة أصبحت محدودة منذ توصل الولايات المتحدة وطالبان إلى اتفاقهما في فبراير/شباط 2020
وقال الرئيس أشرف غني في أواخر يوليو/تموز إن أكثر من 3500 جندي أفغاني قتلوا وأصيب قرابة 6800 آخرين في الأشهر الخمسة منذ توقيع الولايات المتحدة وطالبان اتفاقهما. يقول بعض المسؤولين إن عدد القتلى أعلى من ذلك بكثير. وفي الفترة نفسها، قُتل ما يقرب من 800 مدني أفغاني وجُرح أكثر من 1600 شخص.