عندما أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن "الحرب على الإرهاب" في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الأراضي الأمريكية، كان الهدف هو القضاء على "الإرهاب"، وبعد مرور 19 عاماً تسببت تلك الحرب في تشريد عشرات الملايين حول العالم، فهل تحقق الهدف المعلن منها؟
وشهد شاهد من أهلها
تزامناً مع الذكرى الـ19 للهجمات الإجرامية التي تبناها تنظيم القاعدة وأوقعت نحو 3000 قتيل، بحسب المصادر الأمريكية، أصدرت جامعة "براون" الأمريكية تقريراً بعنوان "خلق (أزمة) اللاجئين: النزوح الذي سببته حروب الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر"، رصد نتائج الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة حول العالم في إطار الحرب على الإرهاب، متوصلاً لنتائج أبرزها نزوح ولجوء أكثر من 37 مليون شخص، وهو رقم متحفظ للغاية، بحسب التقرير نفسه.
تقرير الجامعة التي تتخذ من ولاية "رود آيلاند" مقراً لها جاء فيه: "37 مليوناً هو تقدير متحفظ للغاية. إجمالي النازحين بسبب الولايات المتحدة بعد 11/9 حروب قد يكون أقرب إلى 48-59 مليوناً"، وأضاف أنه "بين عامي 2010 و2019، تضاعف العدد الإجمالي للاجئين والنازحين داخلياً على مستوى العالم تقريباً من 41 مليوناً إلى 79.5 مليون".
الرقم المذكور في التقرير "هو أكثر من أولئك الذين شرّدتهم أي حرب أو كارثة منذ بداية القرن العشرين، باستثناء الحرب العالمية الثانية"، بنص الدراسة الأكاديمية التي تم نشرها الثلاثاء 8 سبتمبر/أيلول 2020.
الشهادة صادرة عن جامعة أمريكية وبالتالي ينطبق عليها مقولة "وشهد شاهد من أهلها"، ما يطرح تساؤلات كبرى بشأن ما حققته تلك الحرب المزعومة على "الإرهاب"، حيث إن الهجمات التي استهدفت برج التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون بطائرات مدنية استولى عليها خاطفون تابعون لتنظيم القاعدة نتج عنها شن إدارة بوش الابن حرباً على أفغانستان -حيث كان يوجد أسامة بن لادن زعيم التنظيم ومساعدوه- ثم قامت بغزو العراق، إضافة إلى عمليات عسكرية "لمحاربة الإرهاب" في معظم دول العالم.
تفاصيل مرعبة
التقرير الصادر عن الجامعة في إطار مشروع أكبر "تكلفة الحرب"، رصد نزوح ولجوء بين 37 مليوناً و59 مليون شخص في بلدان ثمانية في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط "اضطروا للفرار بحياتهم بسبب حروب عنيفة شنتها أو شاركت فيها القوات الأمريكية منذ عام 2001″، بحسب موقع VOANews الأمريكي.
واعتمد معدو الدراسة في تقديرهم لأعداد النازحين واللاجئين على الأرقام الرسمية لطالبي اللجوء والنازحين داخل حدود بلادهم، وذلك في الدول الثمانية التي استهدفتها الحرب على الإرهاب وهي: أفغانستان والعراق وباكستان واليمن والصومال والفلبين وليبيا وسوريا، والبلدان التي تتصدر قائمة الدول التي خرج منها لاجئون، سوريا (7.1 مليون) أفغانستان (5.3 مليون) والعراق (9.2 مليون) وباكستان (3.7 مليون)، واليمن (4.4 مليون) والصومال (4.2 مليون) والفلبين (1.7 مليون) وليبيا (1.2 مليون).
لكن لم تكن تلك البلدان الثمانية هي كل مسارح الحرب الأمريكية على الإرهاب، فقد أدت العمليات القتالية الصغيرة التي شنها الجيش الأمريكي أيضاً إلى نزوح السكان قسراً في بوركينا فاسو والكاميرون وإفريقيا الوسطى وتشاد والكونغو الديمقراطية ومالي والنيجر والسعودية وتونس.
وقال دافيد فاين، أستاذ الإنثروبولجي في جامعة أمريكا رئيس فريق إعداد الدراسة لصحيفة نيويورك تايمز، إن النازحين واللاجئين الذين رصدتهم الدراسة يمثلون "واحداً من الأشكال الرئيسية للأضرار الناجمة عن الحرب على الإرهاب وليست جميعها، فهناك بالطبع مَن قتلوا وأصيبوا في تلك الحرب".
وأضاف فاين أن ذلك يعطينا فكرة عن مدى كارثية تدخل الولايات المتحدة عسكرياً في تلك الدول بصورة لا أظن أن أي مواطن في أمريكا، بما فيهم أنا، كان يتصور هذا الكمّ من الرعب والضرر الذي نتج عن تلك الحرب.
هل حققت تلك الحرب أهدافها؟
على مدى 19 عاماً منذ إعلان بوش الابن "الحرب على الإرهاب"، مروراً برئاسته 8 سنوات ورئاسة باراك أوباما 8 سنوات أخرى ودونالد ترامب الذي يقترب من نهاية فترته الأولى، يمكن القول إن الحكم على نتائج تلك الحرب أصبحت من أكثر الأمور جدلية في السياسة الأمريكية نفسها.
فالبعض يرى في مقتل واعتقال قيادات القاعدة ثم إعلان هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية داعش وقتل قياداته انتصارات رئيسية وتحقيقاً لأهداف تلك الحرب، بينما يرى البعض الآخر أن تلك الحرب تمثل فشلاً ذريعاً للولايات المتحدة من جهة انتشار "الفكر الجهادي" حول العالم بصورة لم تكن موجودة قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 وما نتج عنها من إعلان الحرب على الإرهاب.
وتظهر التقارير السنوية التي يصدرها مركز مكافحة الإرهاب ومقرّه واشنطن ذلك التناقض في تقييم نتائج تلك الحرب، وفي تقريره العام الماضي بعنوان "بعد 18 عاماً: الحرب على الإرهاب تبلغ السن القانونية"، تم رصد أبرز نتائج تلك الحرب – من وجهتي النظر المتناقضتين.
ويتوقف الحكم على نتائج تلك الحرب على نقطتين: الأولى هي الموقف السياسي للشخص، والثانية هي المصالح والنظرة العامة للأمر، فمن جهة المدافعين عن تلك الحرب حققت الولايات المتحدة -تحت ثلاث إدارات متعاقبة- نجاحات مبهرة ضد تنظيمات القاعدة وداعش وغيرهما من التنظيمات الجهادية بالقضاء على قياداتها والحد من قدرتها على شن هجمات على الأراضي الأمريكية بحجم هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
لكن من وجهة النظر الأخرى أي المنتقدين والرافضين لتلك الحرب، فإن الولايات المتحدة فشلت بعد نحو عقدين من تلك الحرب في دقّ المسمار الأخير في نعش "المنظمات الجهادية"، بل إنه على الرغم من تقييد حركة تلك الجماعات داخل الأراضي الأمريكية، فإن قضية الجهاد ذاتها قد اكتسبت تأثيراً محلياً ودولياً أكبر بكثير مما كانت عليه من قبل تلك الحرب.
والمقارنة ببساطة بين القاعدة وداعش تؤكد تلك الحقيقة، حيث إن عشرات الآلاف من المقاتلين في صفوف داعش هم من شباب الدول الغربية في أوروبا وأمريكا وكندا، وهذا في حد ذاته يؤكد نجاح تلك التنظيمات في تجنيد شباب من حول العالم، وهو ما لم يكن موجوداً قبل شن تلك الحرب على الإرهاب.
رصد الفشل والنجاح في حرب أمريكا على الإرهاب يركز فقط على الجانب العسكري ونتائجه المباشرة، لكن تلك الحرب وتداعياتها بل ودوافعها الفعلية لا تزال تمثل لغزاً كبيراً؛ فإذا كانت الحرب على أفغانستان بدت من حيث الشكل مبررة لوجود قيادات تنظيم القاعدة ورفض تسليمهم من جانب طالبان وقتها، فإن غزو العراق تسبب في انقسام العالم وقتها لعدم وجود أسباب تدعو لتلك الحرب التي لا تزال تداعياتها الكارثية على بلاد الرافدين والمنطقة والعالم عرضاً مستمراً.