ضحايا حفتر يطاردونه من قبورهم.. هل تأتيه نهايته من جنسيته الأمريكية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/09/08 الساعة 09:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/14 الساعة 07:32 بتوقيت غرينتش
اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر/رويترز

علياء حمزة سيدة ليبية كانت تعيش مع أبنائها وبناتها الخمسة في حي بنغازي.. أعياهم الجوع والعطش وقتلتهم ميليشيات خليفة حفتر ولا أحد يعرف هل تم دفنهم أو أين.. مأساة آل حمزة مر عليها أربع سنوات، لكن أرواحهم عادت لتطارد قاتلهم الأمريكي الجنسية، فما قصة تلك الأسرة التي كان مقتلها نهاية مشوار من الألم والمعاناة؟

قصة آل حمزة نشرتها صحيفة The Times البريطانية في تقرير بعنوان: "ضحايا ليبيون يرفعون قضية تعويض بقيمة 50 مليون دولار على أمير الحرب المشير خليفة حفتر"، تناول تفاصيل المأساة وكيف وصلت إلى أروقة محكمة فيدرالية أمريكية.

جوع وحصار وقنابل

 كانت أسرة حمزة الليبية المكونة من خمسة أفراد تقتات على العشب ولحاء الأشجار لتتمكن من البقاء على قيد الحياة. ومثل المدنيين الآخرين العالقين إلى جانبهم في حي بنغازي المحاصر، كانوا يشربون مياه الأمطار من البرك فيما تنهال الغارات الجوية حولهم.

مقابر جماعية اكتشفت في ليبيا/مواقع التواصل الاجتماعي

وفي النهاية، بعد الكثير من المعاناة، قُتل الجميع، وكانت علياء حمزة (75 عاماً) آخر من ماتت برصاص ميليشيات شرق ليبيا (يسميها حفتر الجيش الوطني الليبي) بجانب اثنين من أبنائها أثناء محاولتها الهرب، وجثثهم ليس لها قبر معروف، ومن المؤكد أن قَتَلَتهم – إذا فكروا مجرد التفكير في موت أفراد هذه الأسرة أصلاً- افترضوا أن الأمر سينتهي عند هذا الحد.

دعوى قضائية

لكن مساء يوم الخميس 3 سبتمبر/أيلول، بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على مقتلهم، ظهرت تفاصيل مقتل عائلة حمزة من جديد في دعوى قضائية أمريكية رفعها ضد أمير الحرب الليبي أقارب عائلتين مدمرتين للحصول على تعويض قدره 50 مليون دولار.

قد يكون للقضية، التي رفعها محامون بريطانيون وأمريكيون بارزون، رفعوا دعاوى قضائية على منظمة الجيش الجمهوري الإيرلندي Real IRA، عواقب بعيدة المدى على المشير حفتر، مما قد يهدد أمنه المالي بعد الهزائم التي تعرض لها هذا الصيف في ليبيا.

تقارير كثيرة عن جرائم حرب ارتكبت في ليبيا/ رويترز

فالدعوى المرفوعة على جنرال الحرب البالغ من العمر 76 عاماً جاءت بموجب قانون Alien Tort Statue الذي يسمح للأجانب برفع دعاوى ضد الأمريكيين لانتهاكهم القانون الدولي، وبصفته مواطناً يحمل الجنسية الأمريكية والليبية ويملك أصولاً مالية واسعة في ولاية فرجينيا تضم منزلاً وعقاراً بمساحة حوالي 34 هكتار واستثمارات عقارية لا تقل قيمتها عن 8.5 مليون دولار، بإمكان الليبيين مقاضاة المشير حفتر أمام محكمة فيدرالية أمريكية.

كم تساوي حياة الأسرة؟

يقول ماثيو جوري، الشريك الإداري لمكتب المحاماة McCue & Partners الواقع في لندن، الذي يمثل عائلة حمزة مع اثنين من المحامين الأمريكيين: "الغرض الرئيسي من القضية هو الإدانة"، وأضاف: "التعويض دائماً ما يكون ثانوياً فلا يمكنك تحديد سعر لحياة عائلة، والمدعون يريدون تسليط الضوء على ما يحدث في ليبيا، أن يجعلوا من قضيتهم منصة يمكنهم الحديث منها".

ولكن إذا خسر حفتر القضية فقد لا يخسر ضمانه المالي في الولايات المتحدة فحسب، ولكن التحقيق قد يطال أصوله الأجنبية الغامضة أيضاً، وأوضح جوري: "من الممكن مصادرة أصول حفتر في فرجينيا وتوزيعها بين المدعين إذا فازوا بالقضية، ولكن قد تخضع أصول حفتر الدولية للتحري أيضاً. وإذا جُمّدت أصوله أو صودرت، فسيكون لذلك تأثير. ورفع دعوى مدنية ضده، إذا نجحت في ما يتعلق بجرائم حرب، سيحفز الولايات المتحدة على طلب تسليمه".

البيوت تحولت لمقابر لأصحابها / رويترز

وقد نشأت الدعوى المرفوعة على المشير حفتر، المتهم بارتكاب عدة انتهاكات للقانون الدولي، مثل الإشراف على عمليات القتل خارج نطاق القانون وجرائم ضد الإنسانية، من حصاره الذي دام ثمانية أشهر لحي قنفودة في بنغازي بين أغسطس/آب عام 2016 ومارس/آذار عام 2017، حيث حاصرت قواته مسلحين إسلاميين بينهم عناصر من أنصار الشريعة، الجماعة الإرهابية التي نفذت هجوم 2012 على موظفين أمريكيين في بنغازي.

متى وقعت جرائم الحرب؟

وكان مئات المدنيين محاصرين إلى جانب المسلحين ومنعهم الجيش الوطني الليبي من مغادرة المنطقة المحاصرة رغم المناشدات المتكررة من الأمم المتحدة والجماعات الحقوقية، وكان من بين هؤلاء المدنيين آل حمزة وعائلة سليمة جبريل، التي فقدت ثلاثة من أبنائها تتراوح أعمارهم بين 3 و11 عاماً، والمدعية الثانية في القضية إلى جانب علي حمزة، أحد الناجين من عائلته.

وكانت العائلتان قد فرتا من القتال في أماكن أخرى، وبحلول خريف عام 2016، وجدتا نفسيهما تحتميان في قنفودة بين الأنقاض وتحت قصف الجيش الوطني الليبي دون رعاية طبية أو طعام طازج أو مياه جارية.

وقال علي حمزة، وهو مواطن كندي ليبي كان يتواصل هاتفياً مع والدته وأشقائه البالغين المحاصرين من كندا بين الحين والآخر: "في إحدى المكالمات في ديسمبر/كانون الأول عام 2016، أخبرني أخي محمود أنهم إذا لم يجدوا أعشاباً ليأكلوها، فإنهم يبدأون في التعثر والسقوط من الجوع، ومع مرور الوقت، أصبحوا لا يستطيعون التحدث سوى بصعوبة بالغة".

حفتر وقادة المليشيات في بنغازي، أرشيفية/رويترز

وقد علم حمزة بوفاتهم عبر صفحة على فيسبوك عرضت صوراً لأجسادهم تحت الأنقاض، ولا يُعرف ما إذا كانوا قد دفنوا أو مكان دفنهم، وقال حمزة قبل ساعات من رفع دعواه في فيرجينيا: "حتى أنني أرسلت إلى حفتر رسالة مكتوبة تطلب منه إجلاء المدنيين من قنفودة، لكنه لم يكلف نفسه عناء الرد".

هل حانت ساعة الحساب؟

ورغم المعرفة الواسعة بالفظائع التي يرتكبها الجيش الوطني الليبي المزعوم، لم يواجه المشير حفتر بعد أي تداعيات خطيرة لاتهامه بارتكاب جرائم حرب، وقالت حنان صلاح، الباحثة الليبية البارزة في منظمة هيومن رايتس ووتش: "حفتر لم يخضع لأي عقوبات من  الاتحاد الأوروبي أو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو الولايات المتحدة، ويتمتع بحرية السفر ومقابلة من يريد. ورغم  عدم تسليم حفتر لأي من قادته المطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية، فقد تمكن من السفر إلى برلين وباليرمو وباريس وأبوظبي، دون أن يفقد أي نقطة سياسية على ما يبدو".

إلا أن المدعين في القضية الجديدة المرفوعة على المشير حفتر، الذين تحركهم ذكريات أقاربهم المقتولين، قالوا إنهم يسعون إلى نتيجة تتجاوز المال أو السياسة، إذ قال حمزة: "الأمر لا يتعلق  بالمال، بل بالكشف عن الحقيقة. أمي رأت بناتها وأبناءها يقتلون، ثم قُتلت هي نفسها بعد أن عاشت ظروفاً مروعة. ولم يكونوا وحدهم. لقد حوصروا في مكان قُتل فيه مدنيون دون اهتمام، وحيث كان الناس يعانون من ضغوط نفسية. وإذا لم يُدَن حفتر بأنه قاتل، قاتل شرير للنساء والأطفال، فإن العدالة قاصرة".

تحميل المزيد