يبدو أن خطة التطبيع الإمارات والإحتلال الإسرائيلي تسابق الزمن لإقرار واقع جديد، إذ أعلن وزير شؤون القدس الإسرائيلي الحاخام اليهودي رافي بيرتس عن خطة لجلب آلاف السائحين من الإمارات إلى القدس، حيث سيقيمون في فنادقها، والصلاة فيها، لتعزيز مكانة المدينة "كعاصمة لإسرائيل"، على حد زعمه.
وقد بات واضحاً أن الخطة الإسرائيلية التي تستهدف جلب السياح الإماراتيين، واستهداف وصول السياح المسلمين بالقدس إلى 2 مليون سائح سنوياً، يتماشى مع ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي منذ 10 سنوات ضمن خطة تهدف لإخضاع القدس والمسجد الأقصى لسيادته المزعومة وصولاً لتفريغه، ومنع المقدسيين من تنظيم السياحة الدينية ذات البعد الوطني، سعياً للسيطرة على الأقصى وساحاته.
وتنبثق الخطة الإسرائيلية من نص الاتفاق الإماراتي ــ الإسرائيلي، إذ تمنح المسلمين الحق في المسجد الأقصى فقط، وتحرمهم بقية الحرم القدسي كله، في ظل تنديد فلسطيني، سياسية وديني، يرفض أي توافد إماراتي أو عربي وحتى إسلامي للصلاة في الأقصى تحت رعاية هذا الاتفاق الأخير.
رفض مقدسي ووعيد للزائرين
وكان المقدسيون أول من أعلن رفض اتفاق التطبيع الإماراتي ــ الإسرائيلي، كونه نصّ على إتاحة الحرم القدسي لجميع الديانات السماوية وأصحابها، ونزع حصريته من المسلمين، ما دفع بموجة رفض فلسطيني كبيرة عبر ملصقات ضخمة انتشرت في أرجاء القدس.
وحملت هذه الملصقات شعار (محمد بن زايد خائن)، وحرقت صوره أمام مسجد قبة الصخرة، وقال الشيخ محمد حسين، مفتي المدينة: "لا يجوز للمسلمين الصلاة بالمسجد الأقصى تحت رعاية اتفاق الخيانة بين إسرائيل والإمارات".
أحمد أبوحلبية، رئيس لجنة القدس بالمجلس التشريعي الفلسطيني، قال لـ"عربي بوست": "إن الخطة الإسرائيلية تكشف أن التطبيع بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي عميق، وتستخدم فكرة رعاية رحلات إماراتية للصلاة في المسجد الأقصى للمسلمين كغطاء لهذا التطبيع، فالصلاة في القدس لا تحتاج لاتفاقيات".
وأضاف: "الصلاة بالأقصى حق مقدس ديني وقانوني، كما أن المسجد الأقصى حق للمسلمين دون غيرهم وفق كل الشرائع السماوية والوثائق الدولية، خاصة منظمة اليونسكو، التي صنفته حق خالص للمسلمين، ولا ارتباط لليهود به، فقد منحت الإمارات للاحتلال الإسرائيلي بهذا الاتفاق حق لا يملكونه".
وأكد أن المقدسيين يجهزون لاستقبال من سيأتي إلى القدس تحت عباءة التطبيع بما يليق بهم، وأنهم لن يسمحوا للإماراتيين وغيرهم أن يعتدوا على قدسية الأقصى باستخدام الصلاة فيه لشرعنة اتفاقهم الباطل مع إسرائيل، على حد قوله.
مشيراً إلى أنه وجود بعض المؤسسات الاقتصادية والسياحية الساعية للربح المادي وجمع الأموال، وأنها قد تستقبلهم لأخذهم بجولات سياحية داخل المسجد والمدينة المقدسة.
لكنه شدد على أن هذه الزيارات ستكون منبوذة من أهل القدس، في ظل مخاوف مقدسية فلسطينية من زيادة أعداد الجاليات الإسلامية التي قد تأتي للصلاة في القدس بضغوط وإغراءات إماراتية، خاصة من البحرين والسعودية".
مساع لتوسعة التطبيع السياحي
تتماشى الخطة الإسرائيلية الجديدة مع مستهدفات الإتفاق الإماراتي ــ الإسرائيلي بتوافد مليوني سائح مسلم لدولة الاحتلال سنوياً، وفقاً لما كشفته صحيفة "إسرائيل اليوم" في عددها بتاريخ 27 أغسطس، وأكدت أن معظمهم الزوار المستهدَفون سيزورون المسجد الأقصى، تحت اسم "السلام الديني".
ورغم أنه في عام 2018 زار القدس والأقصى 98 ألف سائح مسلم، لكن إسرائيل بدأت ترتيباتها الخاصة ليأتي من الإمارات والخليج وفوداً لتصلي في المسجد الأقصى.
الإمارات ليست الأولى
في السنوات الأخيرة، نسقت إسرائيل عدة زيارات لوزراء الخارجية العرب إلى الحرم القدسي، كمقدمة لخطتها هذه، ففي مارس/آذر 2018 زاره وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة، وبعد ستة أشهر وصله وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، وفي 2019 زاره وفد خاص من الكويت.
وسبق للمقدسيين أن طردوا المدوّن السعودي محمد سعود من الحرم القدسي، وسبقه وزير الخارجية المصري الأسبق أحمد ماهر في 2003، حيث تم استقباله بالحجارة والعصي، ووصف بـ"الخائن والعميل".
كما أثارت زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس في 1977 استياء شيخ الأزهر، واستقبلها الفلسطينيون بازدراء، كما لم يرحبوا بزيارة الحجاج من ليبيا عام 1993، وذلك لأن زيارة المسجد الأقصى بهذه الطريقة تمنح شرعية لوجود الاحتلال الإسرائيلي وتشجع على التطبيع العربي والإسلامي معه، وتتصالح مع فكرة احتلال المقدسات الإسلامية.
أمل بفشل الخطة
خليل التفكجي، مسؤول الخرائط في بيت الشرق بالقدس، قال لـ"عربي بوست" إن "الخطة الإسرائيلية قد لا يكتب لها النجاح، فالإماراتيون قد لا يأتون بصورة كبيرة، ربما لوجود خلاف بين المستويين الرسمي والشعبي في الإمارات، والقادمون لن يصل عددهم إلى الآلاف أو المئات، بل عشرات فقط، وسيذهب معظمهم إلى تل أبيب للسياحة والاستجمام، إلا إذا فرضت عليهم السلطات الإماراتية زيارة القدس بالقوة".
وكشف التفكجي أن "التوجه الإماراتي نحو القدس سبقه وجود مخطط سعودي للتواصل مع شخصيات مقدسية لإيجاد موطئ قدم لها بالمدينة، لكن المقدسيين رفضوا الذهاب للمملكة".
وقال إن المصلين الإماراتيين في حال وصولهم للصلاة في المسجد الأقصى لن يصلّوا إلا في الأماكن المغلقة فقط، وليس في الساحات العامة للمسجد؛ لأن المساحة الإجمالية البالغة 144 دونماً تم تقسيمها لقسمين: أحدهما للمسلمين، والثاني للعامة من المسلمين والمسيحيين واليهود، والاتفاق الإماراتي الأخير رسّخ هذا التوجه الإسرائيلي في صياغة نص الاتفاق".
صلاة لليهود بالحرم القدسي!
بالتزامن مع إعلان الخطة الإسرائيلية الخاصة باستجلاب الإماراتيين للقدس، كشف مركز "القدس الدنيوية" عن موافقة الإمارات لأول مرة على تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، بما يسمح لليهود بالصلاة في الحرم، ويختصر حق المسلمين في المسجد فقط، وليس الحرم بأكمله.
وقال خالد عرفة، وزير شؤون القدس الفلسطيني السابق، لـ"عربي بوست": "إن الخطة الإسرائيلية تؤكد اتفاق الإمارات الأخير المتعلق بالأقصى، ما يثير قلق وخوف دائرة الأوقاف الأردنية والفلسطينيين، فالاتفاق يهدف لمنح الإمارات دوراً جديداً داخل الأقصى ومزاحمة الدورين الأردني والفلسطيني".
مؤكداً أن ما يثير خشية وقلق المقدسيين هو رصيد الإمارات السلبي، خاصة بعدما باعوا للجمعيات الاستيطانية اليهودية البيوت والعقارات التي اشتروها من الفلسطينيين.
وأبدى تخوّفه من أن تشهد المرحلة القادمة الشروع في بناء الهيكل المزعوم بمساهمة إماراتية، مشيراً إلى أنها قامت ببناء معبد هندوسي في دبي، وافتتحت كنيساً يهودياً في أبوظبي".
وأضاف: "مع صدور مواقف مقدسية مبكرة غاضبة تجاه وصول أي مطبع إماراتي لمدينتهم، ولو حتى من أجل الصلاة في المسجد الأقصى، فإن المتوقع أن يتخذ الاحتلال الإسرائيلي إجراءات أمنية لحماية سائحيه المطبعين، وقد يشق لهم مسارات وطرقاً جديدة ويغلق الشوارع لأجلهم، ويستضيفهم بالفنادق الإسرائيلية في القدس، وليس بالفنادق الفلسطينية".
وتوقع أن يقوم الاحتلال بتحديد خط سير السياح الإماراتيين عبر المرشدين السياحيين اليهود، الذين سيروّجون لهم الرواية الإسرائيلية الخاصة بالمسجد الأقصى والقدس".