ما الذي أوصل العرب لهذه الحالة من الفوضى والاستبداد؟ حكاية الشرق الأوسط الحزينة مقبلة على مرحلة أخطر

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/09/06 الساعة 15:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/06 الساعة 22:27 بتوقيت غرينتش
الأزمات بالمنطقة أدت إلى موحات تشرد/رويترز

يحل الصيف قاسياً دائماً في الشرق الأوسط، ويبدو أن هذا الصيف يحمل المزيد من الأزمات العربية.

انظر إلى حرب يونيو/حزيران 1967، والغزو الإسرائيلي للبنان في 1982، واختطاف الطائرة الأمريكية 847 في 1985، وغزو صدام للكويت في 1990، والحملة الشرسة التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية في أرجاء العراق في 2014.

وقد انضم صيف 2020 إلى القائمة بالفعل، خاصة مع التأثيرات الاقتصادية المدمرة لجائحة كورونا. 

لكن العالم ينبغي أن يستعد لاحتمالية أخرى، فنظراً لانتشار إراقة الدماء واليأس والجوع والمرض والقمع، ربما يوشك فصل جديد، أظلم من الفصول السابقة، على أن يبدأ في الشرق الأوسط، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Affairs الأمريكية.

شرق أوسط مستبد ولكن مستقر ثم ظهر الأمل

قبل عقدٍ من الزمان، تخيل المحللون شرق أوسط أنظمته السياسة سلطوية ومستقرة، يمكن الاعتماد عليها، لكن منذ انتفاضات الربيع العربي في 2011، تحوّلت السردية إلى عدم الاستقرار، لكن بتوقعات لموجة جديدة من التحول الديمقراطي والتقدم الاقتصادي والسياسي.

تبخّرت هذه الآمال الآن، فالشرق الأوسط لطالما واجه تحدياتٍ صعبة، من التدخل الأجنبي إلى القادة السلطويين، إلى التنمية الاقتصادية المشوهة وغير المتساوية، إلى التطرف والحروب والنزاعات الأهلية، لكن عام 2020 أضاف إلى هذا المزيج جائحة عالمية وكساداً كبيراً، ما نتج عنه أزمة يتجاوز نطاقها أي أزمة سابقة في التاريخ. وللمرة الأولى صار من المنطقي تماماً أن ييأس المرء من تغيير وضع الشرق الأوسط.

أسوأ الأزمات العربية

اليمن حرب أهلية وأوبئة

قائمة المآسي طويلة، هناك اليمن، البلد الأفقر في المنطقة، والمبتلى بحرب أهلية تحولت إلى حرب بالوكالة، ودمرت المستشفيات وقاعات الأفراح والحافلات المدرسية المزدحمة بالأطفال، في وسط تفشٍّ لمرض الكوليرا هو الأكبر في تاريخ الأوبئة المسجل، والآن تأتي جائحة كوفيد-19.

وهناك العراق، بلد في آخر مراحل الانهيار يعاني الفساد والتدخل الإيراني، وهناك حالات مزمنة أكثر من فشل أجهزة الدولة، مثل مصر، التي يُشرف فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي على عدوانٍ واسع على المجتمع، في فترة هي الأكثر دموية وقمعاً في تاريخ مصر المعاصر. وهناك الفلسطينيون، الذين يبدو أن قدرهم هو البقاء في وجودٍ غريب ومروّع، محاصرين في غزة أو قاطنين في الضفة الغربية، تحت ما يشبه مؤسسات دولة، من وزارات وبرتوكولات وبيروقراطية زائفة.

باريس الشرق على حافة الإفلاس ومرشحة لمزيد من الطائفية

ليس هؤلاء فقط، فلبنان الذي يسمى "باريس الشرق الأوسط"، تلقّى ضربةً موجعة تلو الضربة، أدت الإدارة المالية السيئة للبنان إلى تضخمٍ اقتصادي لا يمكن السيطرة عليه، وحكومة غير قادرة أو غير راغبة في الإصلاح السياسي والاقتصادي، واحتجاجات ضخمة ضد ضرائب غير منطقية، تصاعدت إلى مطالب باستقالة الحكومة، حتى وصل الأمر بلبنان إلى إعلان عدم قدرتها على سداد ديونها في مارس/آذار الماضي. 

ثم جاء فيروس كورونا، ومعه إجراءات الإغلاق التي أدت إلى الإضرار بالاقتصاد أكثر وأكثر، ويتوقع البنك الدولي أن تتضاعف معدلات الفقر في 2020، لتصل إلى 50% من السكان.

لبنان يواجه أزمة اقتصادية خانقة/رويترز

وحتى إن تمكّن صندوق النقد الدولي من توفير الموارد اللازمة لإنقاذ لبنان، فإن الدولة قد انهارت، ومعها مصداقية الجماعات والفصائل السياسية اللبنانية، ومن بينها حزب الله. والسبب الرئيسي لهذا الوضع المزري قصته قديمة ومكررة، فالنظام السياسي الطائفي الذي كان يستهدف الموازنة بين الطوائف بضمان استقرار الأوضاع لا يتعدى كونه نظاماً لتوزيع الغنائم بين زعماء الطوائف السنية والشيعية والمارونية.

ثم جاء الانفجار في ميناء بيروت، وأدى إلى المزيد من الاضطرابات واستقالة الحكومة، ومع أن هناك الكثير من السيناريوهات التي قد تتحقق في لبنان، فإن أقربها إلى الحدوث ليس إيجابياً على الإطلاق، ومع انهيار الدولة وسعي المواطنين إلى تحقيق السلامة لأنفسهم، سيجدونه على الأرجح في نفس المساحة التي لطالما وجدوها فيها: في مجتمعاتهم العقائدية والإثنية.

سوريا.. الحرب ما زالت مستمرة والأزمة الاقتصادية تتفاقم

على الأقل لم يضطر اللبنانيون إلى معاناة مثل معاناة السوريين على مدار العقد الماضي، حيث تحول نظام بشار الأسد إلى آلة قتل وتشريد، والتجاهل شبه التام من كل أطراف الصراع لحياة البشر جعل الإحصاءات المعروفة للجميع لا معنى لها، لكنها تستحق التكرار حتى وإن كانت تفوق الاحتمال. 

أودى النزاع في سوريا بحياة ما يقدر بـ585 ألف شخص، من بينهم عشرات الآلاف من الأطفال. وأكثر من 12 مليون سوري، أو 57% من سكان سوريا ما قبل الحرب، هربوا من منازلهم. ومن بين الفارّين بحياتهم يعيشُ 5.6 مليون لاجئ في أوضاع بالغة السوء، بلا فرصة حقيقية في العودة إلى الوطن.

وكان الاعتقاد السائد في الغرب وعند العرب أن الأسد قد انتصر، ويرجع جزء كبير من الفضل إلى التدخل العسكري والدعم الدبلوماسي الروسي، لكن الحرب مستمرة، وفي مناطق كان يُعتقد أن الانتفاضة فيها قد أخمدت، تندلع احتجاجات جديدة يقابلها عنف جديد من النظام. 

ومع استمرار تدهور الاقتصاد السوري مثل اقتصاد لبنان، وغياب أي إعادة إعمار محتملة، يتململ داعمو الأسد ويطالبون بالمكافآت الاقتصادية الموعودة من النصر، كما أدى فرض عقوبات أمريكية جديدة من خلال قانون قيصر لحماية المدنيين، الذي يستهدف بالأخص بطانة الأسد المقربة وداعمي النظام والكيانات التي تتعامل معهم، إلى زيادة المشاكل الاقتصادية التي تعانيها الحكومة وعزلتها الدولية.

ليبيا صحيفة بيضاء أصبحت الأكثر دموية

أما انهيار ليبيا فلم يلق الاهتمام الإعلامي مثل سوريا، في 2011، حين فرّ معمر القذافي من طرابلس، ظن المحللون الغربيون أن فرصة الليبيين أفضل في بناء مستقبل ديمقراطي زاهر، لأن ليبيا "صحيفة بيضاء".

لكنها لم تكن، وسرعان ما تفتتت البلاد بين المناطق الجغرافية والقبائل، مع ظهور العديد من الميليشيات والجماعات المتطرفة، ومع الوقت برزت حكومتان تتنازعان على قيادة البلاد، لتسقط البلد بعدها في هوة الحرب الأهلية الشاملة حين أعلن الجنرال خليفة حفتر أنه سيسقط حكومة طرابلس في ربيع 2019، بمساعدة مصر والإمارات وفرنسا وروسيا، الدول التي علقت مصالحها على حفتر وجيشه الوطني الليبي.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الجنرال المتقاعد خليفة حفتر/رويترز

لكن تدخل تركيا أعطى قبلة الحياة لحكومة طرابلس في المعركة، ومعها أعطى لمصر العديد من أسباب القلق، خاصة مع التعارض البالغ بين مواقف تركيا ومواقف مصر من العديد من قضايا المنطقة، أبرزها استقبال تركيا للإخوان المسلمين بعد إطاحة الانقلاب بالرئيس المنتخب محمد مرسي. ومن ثم تلوح احتمالات مواجهة بين مصر وتركيا في ليبيا، بتأييد من قوى أجنبية أخرى لا يهمها الليبيون في شيء بقدر ما تهمها مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

من الصعب معرفة السبب المشترك الذي أدى إلى تدهور جميع بلدان الشرق الأوسط، لكن هناك بعض العوامل المشتركة بينها: السيادة والهوية المتنازع عليها، وسوء الإدارة الدائم الذي يؤدي إلى حلقة مفرغة لا خلاص منها فيما يبدو.

علامات:
تحميل المزيد