خلال مناوشات جوية يوم 27 فبراير/شباط 2019، أُسقطت طائرة تابعة للقوات الجوية الهندية من طراز MiG-21 Bison بواسطة صاروخ موجه بالرادار. وزعمت القوات الجوية الباكستانية أنها أسقطت الطائرة الهندية بواسطة المقاتلة JF-17 Thunder، التي يجري تصنيعها محلياً بمساعدة صينية.
إلا أن الهند اكتشفت بعد ذلك شظايا صاروخ AIM-120C-5، الصاروخ الأمريكي الذي لا يتوافق إلا مع طائرات F-16 الأمريكية الموجودة لدى القوات الجوية الباكستانية. تقول مجلة The National Interest الأمريكية: من المفهوم أن لدى باكستان دوافع لإنكار استخدام طائرات F-16، لأن اتفاقيات "المستخدم النهائي" السرية تحظُر استخدام المقاتلات الأمريكية ضد الهند. وفي الوقت نفسه، زعمت الهند أن طيار الطائرة MiG-21 تمكن من إسقاط مقاتلة باكستانية من طراز F-16.
فما حكاية باكستان وطائرات إف 16؟
بداية، تعتبر طائرة إف-16 "الصقر المقاتل" أو F-16 Fighting Falcon طائرة مقاتلة خفيفة نفاثة، أحادية المحرك، متعددة المهام من مقاتلات الجيل الرابع، وهي من إنتاج شركة جنرال ديناميكس لصالح القوات الجوية الأمريكية، ثم تم تطويرها من قبل شركة لوكهيد مارتن. وقد صممت كطائرة قنص خفيفة للقيام بالعديد من عمليات القنص بنجاح كبير. وأثبتت الطائرة بجدارة قدرة خارقة على المناورة، وتم تصديرها للعديد من الدول. وهي واحدة من أهم الطائرات المقاتلة التي ظهرت في الجزء الأخير من القرن العشرين.
وفي عام 1981، تمكنت باكستان من إقناع الولايات المتحدة بأن تبيع لها مقاتلات F-16 Fighting Falcon أحادية المحرك متعددة المهام، والتي كانت وقتئذ تصميماً متطوراً بتكلفة تشغيل غير باهظة بأجهزة تحكم إلكترونية توفر قدرة استثنائية على المناورة. من الممكن أن تصل سرعات المقاتلة Falcon إلى ماخ 2 وهي محملة بأسلحة ثقيلة، بالرغم من أن نصف قطرها القتالي محدود (560 كيلومتراً) وأن الطرازات الأولى كانت تفتقر إلى الصواريخ بعيدة المدى.
وفي الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول 1982 وعام 1986، تسلمت باكستان إجمالي 28 مقاتلة من طراز F-16A عبر السعودية بموجب اتفاقيات بوابة السلام 1 و2. وجهزت تلك الدفعات سرب القوات الجوية الباكستانية رقم 9 و11 و14 التي كانت مسؤولة عن تمشيط الحدود الأفغانية في ذلك الوقت، وتحمل كل طائرة صاروخين AIM-9L متقدمين إلى جانب صاروخَي التوجيه الحراري الأرخص AIMP-9P-4 Sidewinder.
وبين عامي 1986 و1990، أشادت القوات الجوية الباكستانية بمقاتلات F-16 وعزت إليها قدرتها على إسقاط عشر طائرات ومروحيات وطائرات نقل أفغانية وسوفييتية، إلى جانب مزاعم وإنجازات أخرى غير مؤكدة.
طائرات F-16 والنزاع النووي
بحلول عام 1990، كانت باكستان قد طلبت 71 طائرة محسنة من طراز F-16A/B Block 15 بموجب اتفاقية بوابة السلام 3 و4. ولكن في أكتوبر/تشرين الأول 1990، أدى برنامج البحث النووي الباكستاني إلى فرض عقوبات من الولايات المتحدة على باكستان. وبذلك، أرسلت 28 طائرة حديثة من طراز F-16 والتي دفعت باكستان مقابلها بالفعل 23 مليون دولار إلى مقبرة الطائرات (التي تستخدم لتخزين الطائرات) بصحراء أريزونا، حيث ظلت هناك لأكثر من عقد.
وفي أواخر تسعينات القرن الماضي، عرضت إدارة الرئيس الأسبق كلينتون تسليم الطائرات إلى باكستان في مقابل تراجع باكستان عن إجراء الاختبارات النووية، وهو ما قوبل بالرفض. وفي 28 مايو/أيار 1998، فجرت باكستان خمسة أجهزة نووية تحت الأرض رداً على اختبار نووي أجرته الهند. وأصبح من الواضح أن طائرات F-16 ستكون هي أنظمة حمل الأسلحة النووية الأساسية لباكستان، وأشارت التقارير الاستخباراتية إلى أن السربين رقم 9 و11 بالقوات الجوية الباكستانية جرى تعديل مقاتلات F-16 بهما لتكون حمولتهما الأساسية هي القنابل النووية.
بعد عام واحد، انخرطت القوتان النوويتان في حرب محدودة عندما اخترقت القوات الباكستانية منطقة كرغيل الجبلية بالهند. وقصفت طائرات Mirage 2000 الهندية المتسللين بمرافقة طائرات MiG-29، بينما شكلت طائرات F-16 الباكستانية دوريات قتالية على الجانب الباكستاني، وورد أنها كانت تُظهر ألوان مؤشرات توجيه صواريخها الموجهة بالرادار إلى الطائرات الهندية للتهديد.
ولكن لم يحدث أي اشتباك جوي بين البلدين في ذلك الوقت. ولكن بعد ثلاث سنوات قصفت طائرة F-16B تابعة للقوات الجوية الباكستانية طائرة استطلاع هندية بدون طيار من طراز Searcher II بعد توغلها داخل المجال الجوي الباكستاني.
باكستان تحصل أخيراً على المزيد من المقاتلات
عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول في 2001، تدخلت الولايات المتحدة ضد طالبان، الفصيل الجهادي الأصولي الذي زرعته المخابرات الباكستانية لترسيخ نفوذ باكستان على جارتها أفغانستان بعدما مزقتها الحروب. وسعياً لتحفيز باكستان على التعاون مع القوات الأمريكية، سمحت إدارة الرئيس بوش أخيراً في عام 2006 بتسليم 23 طائرة من طراز F-16A وF-16B المتبقيتين من اتفاقيات "بوابة السلام" السابقة، إلى جانب بيع 19 طائرة أخرى من الطرازين الأحدث والأقوى F-16C وF-16D Block 52.
وتضمن الاتفاق البالغ قيمته 5.1 مليار دولار تحديث الطائرات F-16A وF-16B الموجودة لدى القوات الجوية الباكستانية في ذلك الوقت. وشملت تلك التحديثات تغيير الإطارات القديمة، وتغيير مئات الأسلاك، واستبدال شاشات ملونة متعددة الوظائف بالشاشات القديمة أحادية اللون، وتركيب أجهزة كمبيوتر قتالية رقمية جديدة توفر دعماً إضافياً للقنابل الموجهة بالليزر أو عبر نظام تحديد المواقع (GPS).
علاوة على ذلك، سمح رادار دوبلر APG-66V2 المحسن للطائرات F-16AM بتوظيف صواريخ جو-جو بعيدة المدى AIM-120C-5 بمدى أقصى يبلغ خمسة وستين ميلاً. كما تم بيع 600 صاروخ موجه بالرادار أطلق عليه اسم "أطلق وانسَ". حصلت باكستان أيضاً على كبسولات استطلاع كهربائية ضوئية DB-110 قادرة على مسح 10000 ميل من التضاريس في الساعة.
ومع توغُّل قوات طالبان في وادي سوات الباكستاني ومقاطعة وزيرستان، شن الجيش الباكستاني هجوماً مضاداً عام 2009. وشنت طائرات F-16 التابعة للقوات الجوية الباكستانية مئات الغارات والمهام القتالية عام 2011؛ أولاً باستخدام أجهزة استشعار DB-110 لتحديد مواقع قوات طالبان المخفية، ثم تدميرها باستخدام القنابل الموجهة بالليزر.
ولم يتوقف تعطش باكستان للمزيد من مقاتلات F-16. في عام 2013، اشترت باكستان 9 مقاتلات F-16A و4 مقاتلات F-16B مباشرة من الأردن.
تمتلك العشرات منها
اليوم، تشغل باكستان حوالي ست وستين طائرة من طراز F-16A / Bs وتسع عشرة طائرة من طراز F-16C / Ds في أربعة أسراب نشطة، بما في ذلك سرب جريفينز رقم 9 متعدد الأدوار في سارجودا، وسرب تدريب شيرديلز رقم 19 والدفاع الجوي في ثاتا، وسرب السهام رقم 11 متعدد الأدوار المتمركز في شهباز بالقرب من جاكوب آباد. تستضيف القاعدة الأخيرة أيضاً سرب الصقور رقم 5 متعدد الأدوار، الوحدة الوحيدة من طراز F-16C / D.
ومن حيث الخسائر؛ فقدت باكستان طائرة من طراز F-16A بعدما أُسقطت بالخطأ من نيران صديقة، إلى جانب خسارة 6 طائرات F-16A وطائرتين F-16Bs في حوادث تتراوح بين دخول طيور إلى المحرك، وأعطال مفاجئة بالمحرك وارتباط الطيار.
في السياق، تشير الشظايا التي عثرت عليها الهند لصاروخ AIM-120C-5 من مناوشة 27 فبراير/شباط 2019 الجوية إلى أن طائرات F-16 الباكستانية سجلت أول عملية قتل منذ 1990. ولكن تزعم الهند أيضاً إسقاط طائرة F-16 باكستانية بواسطة صاروخ R-73 أطلقته الطائرة MiG-21 الهندية. ونفت القوات الجوية الباكستانية تلك المزاعم. تنفي باكستان بشأن مشاركة F-16 في الهجوم، ولكن لا يوجد أي دليل من جانب الهند يدعم مزاعم إسقاط الطائرة F-16 الباكستانية. الدليل الوحيد هو مراقب أرضي باكستاني زعم أنه رأى سقوط طائرتين وليس طائرة واحدة.
على أي حال، تبرز المناوشات الجوية الأخرى الإمكانات والقدرات الهائلة والمهمة التي تستمر مقاتلات F-16 في تقديمها للجيش الباكستاني، والتوترات المستمرة التي قد تُثار بسبب انحياز باكستان تجاه الصين، ووقوف الولايات المتحدة إلى جانب الهند. ومن المفارقات أنه قبل المناوشات الأخيرة بأيام قليلة، أعلنت شركة Lockheed المصنعة لطائرات F-16 عن خطة لنقل إنتاج طائرات F-16 إلى الهند بمزايا أقوى وأحدث وأطلقت عليها F-21.