بعد إعلان الإمارات العربية المتحدة نيتها تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في الـ13 من أغسطس/آب، انتشرت التكهّنات حول هوية الدولة العربية التي ستسير على خطاها. وبالنظر إلى مختلف السُّبل التي سلكها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتقوية شراكة الرياض الفعلية مع تل أبيب، إلى جانب تصريحاته اللاذعة بحق الفلسطينيين عام 2018، اقترح بعض الخبراء -والإسرائيليين المتفائلين- أنّ المملكة لن تكون بعيدةً كل البعد عن اللحاق بالركب.
ولكن عدداً من الشخصيات البارزة ورفيعة المستوى سارعت منذ ذلك الحين لتُوضّح أنّ الرياض لن تفعل ذلك، ليس قبل إقامة الدولة الفلسطينية على الأقل، وهو الموقف المتسق مع مبادرة السلام العربية التي دُشِّنَت قبل 18 عاماً على يد ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، بحسب تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وخلال زيارته إلى برلين، في الـ19 من أغسطس/آب، أصدر وزير الخارجية فيصل بن فرحان أوّل تعليقٍ رسمي من الرياض حيال تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في أعقاب "اتفاق إبراهيم" المزعوم. وبعدها بيومين كتب الأمير تركي الفيصل، سفير الرياض الأسبق إلى واشنطن، ورئيس المخابرات السابق، السطور التالية على صفحات جريدة الشرق الأوسط البريطانية: "يجب على أيّ دولة عربية تنتوي السير على خطى الإمارات أن تطلُب ثمناً في المقابل، ويجب أن يكون الثمن باهظاً… وقد حدّدت المملكة العربية السعودية ثمناً لإبرام اتفاقية سلام بين إسرائيل والعرب، وهو إقامة دولةٍ فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، بموجب مبادرة الملك الراحل عبدالله".
المخاطر الداخلية والخارجية
داخل السعودية، تمتلك السلطات السعودية أسبابها للخوف من اندلاع احتجاجات حاشدة ضد التطبيع. إذ سيعتبر العديد من المواطنين السعوديين هذه الصفقة بمثابة تخلٍّ عن الفلسطينيين، الذين لا يزال نضالهم الممتد منذ عقود يُثير المشاعر الجياشة بين العرب والمسلمين حول العالم، وخاصةً داخل السعودية، مهد الدين الإسلامي.
وأجرى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى استطلاعاً للرأي، في يونيو/حزيران عام 2020، بين المواطنين السعوديين، ووجد أنّ 9% منهم فقط يعتقدون أنّه "يجب السماح للراغبين في التعامل التجاري والرياضي مع الإسرائيليين بفعل ذلك". كما وجد الاستطلاع نفسه أنّ 14% فقط من الشعب السعودي يُرحبون بـ"صفقة القرن" الخاصة بترامب.
علاوة على أنّ بلال صعب، من معهد Middle East Institute، يرى أنّ ثورةً دينية يُمكن أن تندلع في ظل هذه الظروف.
وتُعادل السعودية مساحة أوروبا الغربية من الناحية الجغرافية، أي أكبر بـ26 مرة من الإمارات. كما أنّ الشعب السعودي يُساوي ثلاثة أضعاف سكان الإمارات، مع احتساب المقيمين من غير المواطنين في الإمارات، ومنهم مغتربون من العرب والمسلمين الذين يُمكن أن يُظهِروا علامات المعارضة والغضب رداً على اتفاقية إبراهيم. وبالتالي فإنّه من السهل نسبياً على سلطات دولةٍ صغيرة مثل الإمارات -الدولة البوليسية ذات أنظمة المراقبة المتطوّرة في كل مكان- أن تُبقي أعينها على أي نشاط تعتبره الحكومة تهديداً.
كما أنّ هناك اعتبارات إقليمية أخرى، إذ تحدّت القوتان المسلمتان في الشرق الأوسط -تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، وإيران- شرعية عائلة آل سعود بوصفهم قادة العالم الإسلامي. وفي ظلّ تبنّي أنقرة وطهران للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية؛ فإنّ أيّ اتّفاقٍ سعودي-إسرائيلي سيُعزّز بنهاية المطاف من حججهما القائلة إنّ العائلة الملكية خاضعة للقوى غير المسلمة في الغرب.
التعاون السعودي-الإسرائيلي سيتواصل سواء أُبرِمَت الصفقة أم لا
بدأت إسرائيل والسعودية تعاونهما على أرض الواقع منذ أيام الحرب الباردة، حين تشاركا التصوّر بأنّ الحكومات المتحالفة مع السوفييت والحكومات والحركات القومية العربية تُمثّل تهديداً مشتركاً على البلدين. وعلى مدار القرن الـ21، وخاصةً في أعقاب سقوط صدام حسين عام 2003، دفع التهديد الإيراني المتصور بالبلدين إلى تعزيز التعاون فيما بينهما.
ومادامت الرياض وتل أبيب تواصلان النظر لإيران على أنّها تهديدٌ مشترك؛ فسوف تظل هذه الشراكة قائمةً على الأرجح، سواء جرى التطبيع رسمياً أم لا.
وبالنسبة للسعودية، فإنّ المكسب الحقيقي الوحيد الذي يُمكن أن تستفيده من العلاقات الرسمية سيكون إرضاء واشنطن. وبالنظر إلى أنّ السعودية قدّمت الكثير لإدارة ترامب في مختلف الملفات داخل الشرق الأوسط؛ يبدو أنّ المملكة ستحتفظ على الأرجح بعلاقتها شديدة القرب مع البيت الأبيض دون الحاجة إلى توقيع اتفاقٍ مع إسرائيل. وبعيداً عن شراكة الرياض وواشنطن، فإنّ الحكومة السعودية ترى أنّ كافة مكاسب التنسيق مع إسرائيل يُمكن أن تتواصل بدون عقد صفقةٍ رسمية تفتح بموجبها إسرائيل سفارةً داخل المملكة التي يحكمها خادم الحرمين الشريفين. وتشمل تلك المكاسب تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الدبلوماسي من أجل تحقيق الأهداف المشتركة بين السعودية وإسرائيل، ومنها معارضة عودة الولايات المتحدة إلى الاتّفاق النووي الإيراني، في حال دخول جو بايدن المكتب البيضاوي، في يناير/كانون الثاني.
وفي الوقت الحالي على الأقل، ستُقدّر السلطات السعودية أنّ المكاسب المحتملة من تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل واشنطن لن تُغطّي التكاليف المحلية والإقليمية المحتملة. وفي النهاية، لا يستطيع حكام الرياض تجاهل الرأي العام داخل حدود المملكة أو في العالم العربي والإسلامي عموماً، حين يتعلّق الأمر بالنضال الفلسطيني، رغم عدم ديمقراطية النظام السياسي السعودي.