صاغ حكماء صينيون لقب "تشوان جيانغو" للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويعني هذا الاسم الذي يبدو شيوعياً "باني الأمة". النقطة المهمة هنا هي أنه إذا كانت ثمة أمة يبني ترامب عظمتها، فهي الصين. بصرف النظر عن المزحات، ورغم ما جلبته رئاسة ترامب على الصين من اضطرابٍ اقتصادي وتراجعٍ تكنولوجي، فقد قدَّمَت أيضاً فرصاً مفيدة للزعيم الصيني شي جين بينغ والمؤسسة الأمنية الصينية، كما تقول صحيفة Washington Post الأمريكية.
ترامب أم بايدن؟
وبينما يقيِّم الأمريكيون الاختيار بين ترامب والمُرشَّح الديمقراطي جو بايدن في الأسابيع المقبلة، تواجه القيادة الصينية في بكين أيضاً سؤالاً مترتِّباً على ذلك: هل ولايةٌ أخرى لترامب أم رئاسة بايدن هي التي ستكون أكثر نفعاً للأهداف الاستراتيجية الصينية؟ وكيف يتعيَّن على بكين التفاعل مع هذا أو ذاك في المكتب البيضاوي؟
تصدَّرَت القضية مرةً أخرى بعدما قال ويليام إيفانينا، كبير مسؤولي الاستخبارات الأمريكية المُشرِف على أمن الانتخابات، في بيانٍ، إن قادة الصين يفضِّلون أن يغادر ترامب، الذي يرون أنه لا يمكن التنبؤ به، منصبه.
وقال تشو فنغ، مدير العلاقات الدولية بجامعة نانجينغ الصينية: "إن إدارة ترامب عاطفيةٌ للغاية، وجامحةٌ للغاية". لكن أيضاً من الصعب القول بأن الصين سوف تفضِّل حقاً بايدن.
كيف استفادت الصين من ترامب؟
ورغم الضغط على الصين بالتهديد المستمر بسياساتٍ عقابية لم تُشهَد من قبل على مدار 40 عاماً من العلاقات الرسمية، سواء في ظلِّ إدارةٍ جمهورية أو ديمقراطية، فقد أتاح ترامب من بعض النواحي للرئيس الصيني فرصةً سانحةً على الساحة العالمية كما في السياسة الداخلية.
في السابق، تحت الضغط الداخلي من تباطؤ الاقتصاد وخيبة الأمل الشعبية في الحزب الشيوعي الصيني، تمكَّن شي من إلقاء اللوم على "قمع" واشنطن، فيما يخص كافة المتاعب التي تواجهها الصين، بينما صوَّر نفسه مدافعاً ضد التنمُّر الأجنبي.
ورغم الحرب التجارية المؤلمة، لم تتنازل الصين كثيراً في وجه مطالب الولايات المتحدة الأساسية من أجل المزيد من حماية الملكية الفكرية وتقليص دور الدولة في مساعدة الشركات الصينية في المنافسة.
على الصعيد الأمني، أكَّدَت بكين سلطاتٍ كاسحةً جديدةً لنفسها، ودَفَعَت قُدُماً قانون الأمن القومي المثير للجدل في هونغ كونغ باسم التصدي للتدخُّل الأمريكي. وسعت بكين إلى تفوُّقٍ دولي أكبر ومساحةٍ دبلوماسيةٍ أوسع، بينما تحرَّك ترامب للانسحاب من الهيئات الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية، وزَرَعَ عدم الثقة في علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها من آسيا إلى أوروبا.
قال بول هانلي، مدير مركز كارنيغي-تسيغوا في بكين والمستشار السابق للبيت الأبيض في عهد الرئيسين باراك أوباما وجورج دبليو بوش: "كان لديّ باحثٌ صيني يقول لي: إذا تمكَّنا من إقناع كلِّ البلدان في العالم بالاتحاد معاً وتدمير أركان قوة الولايات المتحدة، فلن ننجح في ذلك مثلما فَعَلَ دونالد ترامب بمفرده". وقال: "لا يتَّفِق كافة المسؤولين الصينيين الكبار مع هذه الرؤية، لكنهم يعترفون بأن هناك فوائد من رئاسة ترامب".
حدَّد الصينيون أن ترامب شخصياً ليس على درايةٍ كافية، أو أنه لا يهتم كثيراً مثلما يهتم الصقور الآخرون في إدارته بشأن القضايا الإقليمية الرئيسية التي يعتبرها الحزب الشيوعي الصيني قضايا قومية أساسية. وتم تأكيد هذا التقييم في كتابٍ حديثٍ لمستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، وَصَفَ فيه بولتون مشهداً في البيت الأبيض شبَّه فيه ترامب أهمية تايوان الاستراتيجية بأنها مثل رأس القلم.
وقال هانلي: "التفكير هو أنه إذا كان الشخص الأهم في نظام الولايات المتحدة لا يهتم حقاً بأمر تايوان أو هونغ كونغ أو التبت… فربما يعني ذلك بالنسبة للصينيين فرصةً استراتيجية للمُضي قُدُماً في هذه القضايا خلال الولاية الثانية".
قطاع الأعمال الصيني له رأي آخر
وتختلف هذه الرؤية كثيراً بالنسبة لقطاع الأعمال الصيني، الذي تضرَّرَ من إدارة ترامب. تعرَّضَت شركات التكنولوجيا الفائقة في الصين لضربةٍ شديدةٍ بشكلٍ خاص، حيث تهدِّد العقوبات المفروضة على شركة هواوي العملاقة وشركة التواصل الاجتماعي "تينسنت" بشلِّ الشركات الرئيسية.
وكَتَبَ غاو وينبو، الباحث في السياسات العامة بجامعة جنوب الصين للتكنولوجيا، في مقالٍ حديث، أن فوز بايدن سوف يوفِّر فرصاً اقتصادية للصين، لكنه حذَّرَ من أنه قد يجلب مخاطر. كَتَبَ وينبو: "في ظلِّ خلفية منافسة القوى العظمى بين الصين والولايات المتحدة، تطرح جهود بايدن لإعادة بناء التحالفات الأمريكية وتوطيد المكانة القيادية للولايات المتحدة في العالم بعض المخاطر والتحديات أمام الصين".
يعكس برنامج الحزب الديمقراطي للانتخابات المقبلة الإجماع المتزايد بين الحزبين على أن الولايات المتحدة بحاجةٍ إلى اتِّخاذ موقفٍ مُتشدِّد ضد تعزيز وضع الصين. لكن برنامج الحزب الديمقراطي أقل قسوةً بكثير من خطاب إدارة ترامب بشأن الصين.
البرنامج الديمقراطي والصين
يقول البرنامج: "سيكون الديمقراطيون واضحين وأقوياء ومتَّسقين في التصدي للمخاوف الاقتصادية والأمنية، وتلك المُتعلِّقة بحقوق الإنسان، في خطوات الحكومة الصينية". ويضيف: "يعتقد الديمقراطيون أنَّ تحدي الصين ليس تحدياً عسكرياً، لكننا سنردع ونردُّ على أيِّ عدوان".
ومع اقتراب الانتخابات، أصبحت الصين أكثر تحفُّظاً في خطابها العدواني إزاء الولايات المتحدة وبلدانٍ أخرى على مدار الشهر الماضي. وقال تشو، الباحث بجامعة نانجينغ الذي يدلي بالمشورة للحكومة الصينية أحياناً، إن أربعة أعوام أخرى لترامب قد تُقحِم البلدين في حربٍ باردةٍ جديدة. لكنه قال إن بكين يتعيَّن عليها الاستعداد لتقديم عروضٍ "جادة" إذا أُتيحَت الفرصة مع فوز بايدن.
وقال: "لا بد أن تتجنَّب بكين أيَّ أوهامٍ بأن رئاسة بايدن سوف تغيِّر كلَّ شيءٍ تلقائياً، لكن على بكين الاستعداد وإقرار شكل التأثيرات التي بإمكان الصين إحداثها". وأضاف: "يجب على إدارة بايدن أيضاً أن تمنحنا نوعاً من التشجيع".
لكن المساحة المتوافرة لدى بايدن في المناورة بشأن سياسة الصين قد تقلَّصَت في الأسابيع الأخيرة، مع قمع بكين النشطاء ووسائل الإعلام المحلية في هونغ كونغ، وهو ما جَذَبَ بدوره نداءاتٍ خارجية في الغرب. وقال هانلي مُعلِّقاً على ذلك: "يدٌ واحدة لا يمكنها التصفيق".