بعد إشهارها التطبيع المعلن مع الاحتلال الإسرائيلي، يبدو أن دولة الإمارات قد بدأت عملياً في تنفيذ المرحلة التالية في اتفاق التطبيع، وهي تسويقه عربياً بآليات دعائية مختلفة.
فقد كشفت مصادر سياسية في أراضي 48 ورام الله، لـ"عربي بوست"، أن أبوظبي تستعين في هذه الأثناء بالحكومة المصرية لتقوم بدور الإطفائي للغضب العربي والفلسطيني بوجه أخص، وتجميل الاتفاق بدعوى أنه "أوقف الضم الإسرائيلي، وأن الاتفاق يحمل بُشرى بتحقيق إنجازات أكبر لصالح الفلسطينيين".
وكشف مصدر مطلع لـ"عربي بوست" عن دافع زيارة الوفد الأمني المصري إلى رام الله مرتين خلال يومين، للقاء المسؤولين الفلسطينيين، حيث نقل الوفد المصري رسالة إماراتية تدعوهم إلى وقف الحملة الإعلامية والسياسية الغاضبة ضدها على إثر اتفاق التطبيع.
عصا وجزرة إماراتية
ووفق المعطيات المتوفرة، فإن الوفد المصري ــ على خلاف الاجتماع الأول ـــ اجتمع في المرة الثانية فقط برئيس جهاز المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج لبحث مساعي تخفيف الغضب الفلسطيني والبعث برسالة إلى قيادة السلطة.
وجاء في الرسالة التي حملها الوفد القادم من القاهرة برئاسة اللواء أحمد عبدالخالق مسؤول الملف الفلسطيني في جهاز المخابرات المصرية: "لا تكرروا خطأ اتفاق كامب ديفيد الأول الذي أبرم عام 1979 حينما اتخذت منظمة التحرير الفلسطينية موقفاً معادياً من الرئيس المصري الأسبق أنور السادات بسبب اتفاق السلام آنذاك.. رغم أنها كانت فرصة ثمينة للفلسطينيين لو استغلوها كما يجب"، على حد قول المصدر ناقل الرسالة.
وبحسب المصدر، فإن مصر تلعب دور الوسيط بين القيادة الفلسطينية وأبوظبي لـ"كبح" الغضب الفلسطيني ووقف المسيرات المناوئة في الضفة الغربية وقطاع غزة للاتفاق، خاصة أنه تخللها حرق علم الإمارات وصور محمد بن زايد، وحجة الوسيط المصري أن القطيعة مع الدول العربية والاشتباك السياسي والإعلامي معها يضر الفلسطينيين وقضيتهم لا غيرهم.
وحاول الوفد المصري استخدام سياسة العصا والجزرة مع القيادة الفلسطينية عبر القول إن اتفاق التطبيع أوقف الضم، وإنه يمكن من خلاله التأثير والضغط العربي على إسرائيل لوقف خطواتها التصعيدية تجاه الفلسطينيين، وصولاً إلى حقهم، مشيراً إلى أن المشهد السياسي الداخلي في إسرائيل خلال الأشهر الأربعة القادمة ستكون فاصلة أيضاً لتحديد وجهة الحكومة الإسرائيلية واستقرارها.
ووفق المصدر المطلع على حيثيات الاجتماع، فإن الوفد الأمني المصري تطرق إلى موضوع القيادي المفصول محمد دحلان، مشيراً إلى أن الخلاف معه يجب ألا ينعكس على العلاقة الفلسطينية مع دولة الإمارات.
وقال الوفد: "بالنهاية محمد دحلان لم يعد مجرد قيادي فلسطيني مفصول هرب إلى الإمارات، دحلان بات جزءاً من الأسرة الحاكمة في الإمارات ويتولى موقعاً مهماً كمستشار أمني كبير، وتأسست بينه وبين الأسرة علاقة نسب أيضاً، فقد زوّج ابنته من أحد الأمراء هناك".
خلاصة الرسالة المصرية ـ الإماراتية هو أن توقف قيادة السلطة الفلسطينية هجومها على الإمارات والاتفاق وعدم التماشي مع ما سمته "لعبة قطر" وأن تفكر بطريقة مختلفة قائمة على استغلال الاتفاق الإماراتي لصالحها!
دوافع "خبيثة" في إثارة المصالحة الفلسطينية
وأضاف الوفد المصري لقيادة السلطة أن الإمارات ومصر تقفان مع المصالحة الفلسطينية وتعزيز استقرار السلطة والموقف الفلسطيني، مشيراً في حديثه للقيادة الفلسطينية إلى أن القاهرة وأبوظبي مع بلورة صفقة مصالحة بين "فتح" و"حماس".
على صعيد متواز، اتسقت رسالة الوفد المصري الإماراتية حول المصالحة الفلسطينية، مع فيديو نشره ما يسمى بـ"التيار الإصلاحي" الذي يقوده محمد دحلان على وسائل التواصل الاجتماعي ويحتوي الفيديو على مقاطع من حديث له هو وسمير المشهراوي يتحدثان فيه عن استعدادهما للانكفاء على المشهد السياسي والجلوس جانباً إذا كان هذا كفيلاً بمصالحة "عباس-حماس".
وفي هذا التناغم والتوقيت شكوك إزاء الهدف من الاستهلاك الإعلامي "الغريب" لقضية "المصالحة الفلسطينية".
لذا فإن فتح الوفد المصري ملف المصالحة بالتزامن مع إعلان اتفاق التطبيع الإماراتي لم يأت صدفة إذا ما نظرنا إلى التناغم مع دعاية "التيار الإصلاحي" بزعامة دحلان المدعوم إماراتياً.
منعُ تقارب السلطة مع قطر وتركيا
اللافت أن المصدر السياسي، المقيم في أراضي 48، لم يُنكر أن الإمارات تحاول من خلال الوساطة المصرية أن تُلطف الأجواء مع القيادة الفلسطينية ولو نسبياً، أو على الأقل تقطع الطريق أمام إمكانية للتقارب بين قيادة السلطة مع دولة قطر وتركيا.. ويبدو أن الرسالة ذاتها قد وجهها الوفد المصري إلى قيادة "حماس".
وبدت زيارة الوفد المصري إلى غزة ضمن محاولته إطفاء لهيب التصعيد الميداني أو احتوائه بين غزة وإسرائيل دون حلول لمعاناة القطاع مع إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، كأنها تحمل رسالة ضمنية بأن النظام المصري هو الوحيد الي يقرر لغزة قرارها، لا تركيا ولا قطر.
من جهته، أكد قيادي مقرب من الرئاسة الفلسطينية أن الوفد المصري لـ"عربي بوست" تحدث بنقطتين مع قيادة السلطة؛ أولاهما توضيح سبب الترحيب الذي أبدته القاهرة تجاه الإتفاق الإماراتي، وأهمية الأخير في تشكيل رؤية بطريقة "إبداعية" جديدة في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية.
وأما النقطة الثانية، فهي المصالحة الفلسطينية، وأنها تدعمها إلى جانب حلفائها من الدول العربية الخليجية لا سيما الإمارات.
لكنّ القيادي الفلسطيني لم يوضح ما إذا كان الوفد المصري قد طلب من قيادة السلطة وقف الغضب تجاه الإمارات أم لا، إلا أنه شدد على أنه لا تغيير على موقف القيادة من الاتفاق الإماراتي.
بيدَ أن مصدراً إعلامياً في تلفزيون فلسطين الرسمي أفاد لـ"عربي بوست" بأن إدارة القناة عممت على العاملين فيها ضرورة التمييز في التقارير الإخبارية بين الشعب الإماراتي وقيادته.
ولا يُعرف إن كان هذا التوجيه نتاج زيارة الوفد المصري، وهل هو بداية تخفيف قيادة السلطة عن غضبها السياسي والإعلامي تدريجياً تجاه أبوظبي أم لا، بناء على الرسالة التي أوصلتها إلى رام الله عن طريق مصر.
مصر منخرطة في "ترتيبات إقليمية جديدة"
من ناحيته، أكد الباحث في معهد "الأمن القومي" الإسرائيلي د.عنان وهبة لـ"عربي بوست" أن زيارة الوفد الأمني المصري ورسالته إلى القيادة الفلسطينية بشأن الاتفاق الإماراتي تأتيان في سياق وقوف مصر خلف الترتيبات الإقليمية الجديدة، والهادفة إلى مواجهة الدور التركي أولاً، ثم الإيراني.