طار وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت الأسبوع الماضي لدعم لبنان وحزب الله، الميليشيا المدعومة من إيران والجماعة السياسة التي تُؤدي دوراً نافذاً في الحكومة. ووجدت الحزب، والحكومة، نفسيهما في مواجهة رد فعلٍ شعبي عنيف عقب الانفجار الذي دمّر الكثير من أجزاء المدينة.
ولكن بمجرد هبوط طائرته تقريباً، صُدِم وزير الخارجية محمد جواد ظريف بتحدٍّ جديد لإيران: اتفاقيةٌ بين اثنين من خصوم طهران الرئيسيين في المنطقة، الإمارات وإسرائيل، من أجل فتح العلاقات الدبلوماسية رسمياً.
وأسفر التطوّران معاً عن شهرٍ عصيب آخر على حكومة إيران، بعد عامين من أصعب ما يكون، حسبما ورد في تقرير بصحيفة New York Times الأمريكية.
لا تحاولوا استغلال تفجير بيروت
ولم يستطع ظريف فعل شيء إبان زيارته لبيروت باستثناء التهديد، محذراً الدول من محاولة بسط نفوذها على لبنان وسط الفوضى. وأعلن أن المعاهدة الإماراتية مع إسرائيل مجرد "مسرحية" من صُنع أمريكا.
لكن في أعقاب تفجير الرابع من أغسطس/آب الذي قتل 175 شخصاً على الأقل وجرح أكثر من ستة آلاف شخص في بيروت، والاتفاقية الإماراتية-الإسرائيلية؛ يُجادل رئيس شركة Eurasia Group لاستشارات المخاطر السياسية إيان بريمر بأنّ "هذا هو أسوأ سيناريو مُمكن بالنسبة لإيران".
بينما قال محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الأسبق الذي يتحدّث ضد الحكومة أحياناً: "باتت إيران هي العدو الآن في عيون الشارع العربي. نحن نجد أنفسنا في موقفٍ تلجأ خلاله الدول العربية المجاورة إلى إسرائيل، من أجل مواجهة إيران".
قادة إيران دفعوا بعض العرب إلى أحضان إسرائيل
وقبل عقدٍ واحد فقط، كانت التنديدات النارية بإسرائيل وواشنطن من كبار القادة الإيرانيين تُثير إعجاب الجماهير، أثناء زيارة العواصم العربية في مختلف أرجاء المنطقة.
لكنّ ذلك كان يحدث قبل تدخّل إيران للمساعدة في تحطيم الربيع العربي داخل سوريا، وقبل تصاعد التوترات الطائفية نتيجة التنافس السياسي بين إيران ذات الأغلبية الشيعية وبين الدول المجاورة ذات الأغلبية السنية، وقبل اندلاع موجة تظاهرات من العراقيين واللبنانيين احتجاجاً على التدخّل الإيراني في سياساتهم المحلية.
كما كان ذلك يحدث أيضاً قبل أن يتسبّب عبء العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب في استنزاف ينابيع إنفاق إيران السخي على عملائها الإقليميين.
إذ كتب علي مطهري، السياسي الإيراني المحافظ الذي يدعم الحكومة، في تغريدةٍ يوم السبت 15 أغسطس/آب: "لقد أرعبنا العرب ودفعنا بهم إلى أحضان إسرائيل".
ومن بعض النواحي، يُمكن القول إنّ الاتفاق على فتح العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وإسرائيل كان مجرد إقرارٍ علني بالسر المعروف مسبقاً: وهو أنّ قواتهما المسلحة ووكالاتهما الاستخباراتية كانت تتعاون عن كثب ضد إيران منذ سنوات.
واعترفت دولتان عربيتان فقط بإسرائيل في السابق -مصر والأردن. وهي دولٌ بعيدة عن إيران، وفعلت ذلك مدفوعة بالخوف على سلامة حدودها (إلى جانب حسن نية واشنطن).
لكن الإمارات، على العكس من ذلك، هي الدولة الوحيدة من بين جيران إيران في الخليج التي تعقد اتفاقيةً من هذا النوع. كما أنّها الدولة الأولى التي تفعل ذلك مدفوعةً بعدائها لإيران في المقام الأول.
لماذا تشعر إيران بخطر استثنائي من الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي؟
وعلى الفور، قال المحللون الإيرانيون إنّهم يخشون أنّ زيادة الوصول إلى مركز الإمارات التجاري في دبي قد يُوفّر مزايا خاصة لمحاولات إسرائيل من أجل التجسس على إيران. ويُعرف عن حكام الإمارات أنّهم من أشد منتقدي حكام إيران، لكن العديد من الإيرانيين يُديرون أعمالهم التجارية ويقضون وقتهم في دبي (التي يبدو أنّها تمنحهم إعفاءً فعلياً من العقوبات الأمريكية).
ونتيجةً لذلك، يُمكن أن تصير دبي هي المكان الذي يشهد اختلاط أعداد كبيرة من الإيرانيين والإسرائيليين للمرة الأولى منذ عقود.
وقد حذّر الرئيس الإيراني حسن روحاني الإماراتيين من السماح لإسرائيل "بالحصول على موطئ قدم في المنطقة".
وجادل العديدون بأنّ التأثير الكامل للاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي على إيران سيتضّح بمرور الوقت.
وهي تخشى محاولة ماكرون زيادة نفوذه
ومع ذلك فإنّ التهديد بانقلاب الأوضاع الإقليمية سيزيد تعقيد الجهود الإيرانية للحفاظ على نفوذها عبر حزب الله الشيعي في لبنان، البلد الذي يُشير إليه المسؤولون الإيرانيون عادةً على أنّه "حدودنا الجنوبية" أو "حدودنا مع إسرائيل".
ولكن إذا كانت أسلحة حزب الله الإيرانية قد زوّدت طهران بأفضليةٍ ضمنية أحياناً ضد إسرائيل؛ فإنّ الأزمة الداخلية في لبنان الآن قد استنفدت طاقات الحزب بالكامل وقضت على أيّ أفضلية له.
إذ قالت سنام فاكيل، الباحثة في مؤسسة Chatham House بلندن: "تعرّضت إيران، وحزب الله، لحصارٍ شديد نتيجة التفجير. ولا تستطيع إيران الاعتماد على حزب الله لإطلاق صواريخه وقذائفه على إسرائيل الآن مطلقاً. إذ لن تكون هناك رغبة أو دعم لمثل هذه المغامرة حالياً".
وكان تحذير ظريف للدول الأخرى، بعدم محاولة زيادة نفوذها في لبنان وسط الاضطرابات، بمثابة رسالةٍ ضمنية إلى إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا -الحاكمة الاستعمارية السابقة للبنان. إذ كان ماكرون قد طار للتو إلى بيروت من أجل قيادة الجهود الدولية لتمويل إعادة الإعمار، متبنياً دوراً لطالما سعت إليه إيران في السابق بصفتها راعية لبنان المحسنة.
كما حثّ ماكرون على تشكيل حكومة تكنوقراطية جديدة، وهو الأمر الذي ستكون له آثار جانبية تتمثّل في تقليص نفوذ إيران ووكيلها حزب الله.
وفي العراق، تم اختيار رئيس حكومة مدعوم من أمريكا
ورصد المحلل السياسي والمنتقد الصريح لسياسات النظام صادق زيباكلام أوجه التشابه بين زيارة ماكرون للبنان، وبين عجز إيران عن وقف القصف الإسرائيلي ضد مواقعها في سوريا، وبين اختيار رئيس وزراء مدعوم من أمريكا مؤخراً في العراق المجاور.
إذ ضخّت طهران الموارد على الميليشيات والأحزاب الحليفة في الدول الثلاث على حد تعبيره، وهذا جزءٌ مما يصفه المسؤولون الإيرانيون بـ"المقاومة" ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.
وأردف أنّ الانتكاسات في لبنان وسوريا والعراق حالياً تكشف "نتائج استثمار مليارات الدولارات في استراتيجية المقاومة".