لم تمر كارثة تفجير مرفأ بيروت مرور الكرام على حزب الله أكثر الأحزاب اللبنانية تشعباً وسرية في العمل العام اللبناني، ويشهد الحزب إعادة ترتيب أوراق وقراءة جديدة لواقع فرضته التحولات السريعة في لبنان والمنطقة وانفجار مرفأ بيروت وما خلفه من خراب لن يكون آخرها.
هذه المصيبة التي مازالت كل خفايا وقوعها والمعلومات الدقيقة حولها لم يكشف عنها، وربما تستغرق عملية التحقيق فيها لسنوات طويلة.
إعادة نظر في السياسات
يشهد حزب الله في هذه المرحلة تغييرات سياسية وتنظيمية عديدة في إطار مواكبة التغيّرات والتطوّرات في لبنان والمنطقة، لكن يبدو أن بعض هذه التغييرات مرتبط بالكارثة التي أصابت العاصمة جراء الانفجار والذي استدعى حضور القوى الإقليمية والدولية إلى لبنان، وإن كان الكشف عنها قد وقع خلال الأيام الأخيرة.
لكنّ بعض مصادر مقربة من الحزب أكدت لـ"عربي بوست" أنّ هذه التغييرات بدأت منذ أشهر وتحديداً منذ انطلاقة ثورة 17 تشرين وما تلاها من مواقف محتدمة بين الحزب والمجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية .
وأضافت المصادر أن هذه التغييرات تأتي في ظل الحديث المتكرر عن حصار يعيشه الحزب وحكومة دياب التي كانت تحت رعايته، وتؤكد المصادر أن هذه التغييرات ليست مرتبطة بالاستحقاق الشوري الدوري الذي يقوم به حزب الله تنظيمياً كل عدة سنوات في إطار عملية انتخابية داخلية لمواقع ومؤسسات الحزب.
بل إن هذه التغييرات مرتبطة حصراً بالأمين العام للحزب والتقارير التي تقدم له من قبل فريق عمله الاستشاري الذي يحيط به.
وتؤكد المصادر أن حزب الله وعقب انفجار المرفأ بأيام قليلة عمد بشكل مباشر إلى تغيير كل مسؤولي الملفات الرئيسية في مدينة بيروت وجعلهم قيد التصرف ـ مصطلح عسكري يعني حرية نقلهم أو تعيينهم بمواقع أخرى ـ وسيجري تعيين مسؤولين جدد للملفات المرتبطة في جغرافية مدينة بيروت وضواحيها في إطار تكتيك يعتمده الحزب بعد أي حدث محلي يطرأ عليه.
قيادات تخلف الحاج ساجد
وتكشف مصادر تابعة لحزب الله أنه تمّ استحداث ملفات جديدة وتقول: "لم نتمكن من معرفة طبيعتها وسيتابعها رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا إلى جانب الحاج حسين الخليل، المعاون السياسي للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، فضلاً عن متابعته لمهامه الأساسية".
وتؤكد المصادر أن تلك التغييرات كانت باكورتها استقالة الحاج ساجد مسؤول سرايا المقاومة والتي كانت إحدى أبرز أذرع حزب الله في المناطق اللبنانية، والتي تتشكل من عناصر من طوائف متعددة وتحديداً "السنة" والتي عمل الحزب على توسيع نشاطها عقب الحرب السورية كبديل لمجموعاته الأمنية المنشغلة في ملفات أكثر حساسية.
كما أن الحاج ساجد كان مسؤولاً عن التواصل مع الأحزاب المقربة والحليفة لحزب الله، وبرز اسم الحاج ساجد في الانتخابات النيابية الأخيرة 2018، حيث تولى الرجل مسؤولية ترتيب تحالفات الحلفاء وتأمين الدعم للوائح الأصدقاء كونه متشعباً في الساحة اللبنانية ومطلعاً على واقع وحجم الحلفاء.
وتضيف المصادر أن الحزب كلف مساعد الحاج ساجد وهو الحاج أبو قاسم عياد في الموقع الذي شغله لسنوات ساجد، ولا تؤكد المصادر إن كان الحزب سيقسم مهام الحاج ساجد على مجموعة أخرى أم أن الملفات ستبقى حصراً مع أبو قاسم عياد وفريقه.
وتشدد المصادر على أنّ هناك تغييرات تنظيمية، تجري داخل الحزب عبر إنشاء وحدات وملفات جديدة مختصة بمعالجة الأزمات واستيعاب المفاجآت التي قد تطرأ في المراحل القادمة وسيجري تعيين أشخاص في تلك الملفات على أن يتمّ الإعلان عنهم في وقت لاحق.
لجان مرتبطة بالحراك
تؤكد مصادر مطلعة أنّ هذه التغييرات سيكون من مهامها الأساسية التركيز على اهتمامات الحزب الداخلية والخارجية، مع زيادة الاهتمام بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومتابعة حضور الحزب في مؤسسات الدولة ومراقبة الفعالية في العمل.
بالإضافة لملف رئيسي وهو العلاقة مع قوى الحراك والمجتمع المدني والذي يحمل الحزب مسؤولية مباشرة في تغطية فساد حلفائه، إضافة إلى تعزيز العلاقات العربية من خلال رؤية جديدة لما يجري في العالم والمنطقة من متغيّرات.
تقريب المسافات مع الحريري
من جهة أخرى تشدد مصادر مطلعة على ما يجري من تغييرات في جسم الحزب أن الحزب وفي إطار متابعته لمجريات ما سيصدر عن المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري فإنه سيفعل دور اللجنة التنسيقية مع تيار المستقبل لتجنيب الساحة المحلية أي محاولات لجر لبنان لأزمة أو فتنة مذهبية.
وأنه سيركز في المرحلة القادمة على الحفاظ على العلاقة التي تجمع الحزب مع الرئيس سعد الحريري بعيداً عن التوترات الواقعة بين الأطراف، وأن متابعة الملف ستبقى بإشراف المعاون السياسي لنصر الله الحاج حسين الخليل ومسؤول التنسيق الحاج وفيق صفا.