هل يتدخل بوتين عسكرياً لقمع الثورة الشعبية ضد لوكاشينكو “ديكتاتور” روسيا البيضاء؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/08/17 الساعة 16:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/17 الساعة 16:04 بتوقيت غرينتش
الاحتجاجات الشعبية ضد لوكاشينكو / رويترز

يبدو أن محاولات رئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو للتمسك بمنصبه في وجه الثورة الشعبية المتصاعدة ضده في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي قال إنه فاز بها ورفضت المعارضة نتائجها، في طريقها للفشل، رغم بيان الكرملين باستعداده لإرسال مساعدات عسكرية لروسيا البيضاء، فما احتمالات تدخل روسيا عسكرياً كما فعلت في أوكرانيا من قبل؟

مناورة أخيرة من لوكاشينكو

لوكاشينكو قال اليوم الإثنين 17 أغسطس/آب، إنه مستعد لتسليم السلطة بعد استفتاء على تعديلات دستورية في محاولة فيما يبدو لتهدئة الاحتجاجات الحاشدة والإضرابات التي تمثل أكبر تحد لحكمه المستمر منذ 26 عاماً، وقدم لوكاشينكو هذا العرض، الذي أكد أنه لا يمكن أن ينفذ تحت ضغط المحتجين، بعد أن قالت السياسية المعارضة المنفية سفيتلانا تيخانوفسكايا أنها مستعدة لقيادة البلاد.

وفي علامة على تزايد ضعف موقف لوكاشينكو، واجه مقاطعة وهتاف "ارحل" خلال كلمة ألقاها أمام عمال في أحد المصانع الكبرى المملوكة للدولة والتي تعد فخر نموذجه الاقتصادي الذي يتبنى النهج السوفييتي وقاعدة تأييده الأساسية.

بوتين ولوكاشينكو / رويترز

وقال لوكاشينكو للعمال إنه لن تكون هناك انتخابات رئاسة جديدة يطالب بها المعارضون "إلا على جثته"، وعرض أيضاً تعديل الدستور وهو ما يمكن أن يكون تنازلاً يبدو أن من غير المرجح أن يرضي المحتجين، وقال لوكاشينكو في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية بلتا "سنطرح التغييرات في استفتاء وسأسلم سلطاتي الدستورية، لكن ليس تحت الضغط أو بسبب الشارع".

نائب المستشارة يصفه "بالديكتاتور"

ويواجه لوكاشينكو تهديد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات بعد حملة دموية ضد المحتجين أعقبت ما يقول متظاهرون أنها انتخابات مزورة أجريت في الأسبوع الماضي وأعلن لوكاشينكو فوزه فيها بفترة رئاسة جديدة، وينفي لوكاشينكو أنه خسر الانتخابات ويشير إلى النتائج الرسمية التي منحته أكثر من 80 في المئة من الأصوات.

وأمس الأحد وصف وزير المالية الألماني أولاف شولتس لوكاشينكو بأنه ديكتاتور فقد دعم شعبه وحذر موسكو من التدخل لإبقائه في السلطة، بعد أن أبلغت روسيا لوكاشينكو بأنها مستعدة لمساعدة روسيا البيضاء عسكرياً في حالة تعرضها لتهديد خارجي.

واحتشد مواطنون من روسيا البيضاء وهم يهتفون "ارحل" وسط العاصمة مينسك الأحد في أكبر احتجاج حتى الآن ضد ما وصفه المتظاهرون بالانتخابات المزورة التي أسفرت قبل أسبوع عن إعادة انتخاب الرئيس الذي يتولى السلطة منذ فترة طويلة.

وقال شولتس الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس مستشارة ألمانيا في مقابلة مباشرة مع موقع صحيفة بيلد الإلكتروني "هذا دكتاتور ومن ثم فهو يحتاج لتصريحات واضحة ولغة واضحة"، ويقول معارضو لوكاشينكو، الذي يحكم البلاد منذ 26 عاماً، إن الانتخابات شابها التزوير لإخفاء حقيقة أنه فقد التأييد الشعبي. وينفي لوكاشينكو أنه خسر الانتخابات مشيراً إلى النتائج الرسمية التي منحته ما يزيد قليلاً عن 80% من الأصوات.

مواجهات بين محتجين والشرطة في روسيا البيضاء بعد الانتخابات الرئاسية/ رويترز

ولقي محتجان على الأقل حتفهما كما تم اعتقال آلاف آخرين في حملة قمع منذ الانتخابات، وقال شولتس مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي لخلافة المستشارة أنجيلا ميركل "إنني مقتنع تماماً بأن هذا الرئيس لم تعد لديه أي شرعية وإلا لم يكن ليحكم بمثل هذه القوة الوحشية التي لا يمكن تصورها".

وسئل شولتس عما يمكن أن يفعله لمنع تدخل روسيا فقال "التدخل العسكري في الدول الأخرى غير مقبول على الإطلاق ويمثل خرقاً لكل القواعد التي وضعناها بأنفسنا بموجب القانون الدولي".

ماذا عن موقف روسيا؟

صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً بعنوان "لوكاشنكو المأزوم يستنجد ببوتين"، تناول نداءات رئيس روسيا البيضاء المتكررة لبوتين لإقناعه بإرسال مساعدات عسكرية متذرعاً بتعرض بلاده لتهديدات خارجية، لكن المحللين يرون أن نهاية حكم لوكاشينكو قد اقتربت بعد أن ظل على مقعد الرئاسة لمدة 26 عاماً.

وبحسب الغارديان، أجرى لوكاشينكو مكالمات متعددة بالكرملين يومي السبت والأحد 15 و16 أغسطس/آب، بحثاً عن وعد قاطع بأن روسيا سوف ترسل مساعدات عسكرية لمواجهة ما أسماها التهديدات الخارجية، وهو المبرر الذي يرفعه في وجه الاحتجاجات الشعبية ضده.

وفي خطاب له قبل أيام، قال لوكاشينكو إن "ليتوانيا ولاتفيا وأوكرانيا وقياداتهم يأمروننا بإجراء انتخابات جديدة"، مضيفاً "لو أننا استمعنا لهم فسوف تعم الفوضى وسوف ننتهي كأمة وكدولة وكشعب".

وعلى الرغم من إصدار الكرملين بياناً أعلن فيه الاستعداد لتقديم المساعدة طبقاً لمعاهدة التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف البيان أيضاً أن روسيا البيضاء تتعرض لتهديد خارجي دون تحديد مصدر ذلك التهديد، فإن بوتين لم يساند لوكاشينكو علناً، وهو ما يراه مراقبون ومحللون على أنها "سياسة لننتظر ونر إذا ما كان لوكاشينكو سيتمكن من البقاء صامداً لأسابيع أو حتى لأيام" في ظل تزايد الاحتجاجات الشعبية والإضرابات العمالية المطالبة برحيله عن منصبه.

قوات روسية في سوريا

ويرى ديمتري سوسلوف خبير العلاقات الأجنبية في كلية موسكو العليا للاقتصاد أن "الأمور أصبحت واضحة الآن وانتهى عهد لوكاشينكو، وأعتقد أن ذلك أصبح واضحاً أمام الجميع في موسكو بما في ذلك الكرملين ذاته".

وفي حالة نجاح لوكاشينكو بصورة ما في النجاة والبقاء في المنصب ولو مؤقتاً، فإن بقاءه في المنصب مدى الحياة كما كان يخطط قد انتهى، بحسب سوسلوف، وقد أشار تقرير لبلومبيرغ أن المحيطين بالرئيس المأزوم قد بدأوا بالفعل في إرسال إشارات للكرملين بأنه قد يضطر للهروب إلى موسكو في أي لحظة حال عزله.

هل يتكرر سيناريو أوكرانيا؟

أعادت مشاهد المظاهرات الضخمة في أنحاء روسيا البيضاء إلى الأذهان ثورة شعبية مماثلة في جمهورية أخرى من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وهي أوكرانيا عام 2014، بينما غرد رئيس وزراء جمهورية التشيك أندريه بابيتش قائلاً: "ما حدث لنا عام 1968 لا يجب أن نسمح بتكراره اليوم في روسيا البيضاء. لابد أن يتصرف الاتحاد الأوروبي فوراً".

لكن التدخل العسكري الروسي لقمع الثورة الشعبية المتصاعدة ضد لوكاشينكو يبدو احتمالاً بعيداً هذه المرة، بحسب ما قاله محللون للغارديان؛ والسبب الرئيسي هو أن الشعب يبدو موحداً تماماً في مواجهة لوكاشينكو وبالتالي لا يوجد موطئ قدم أو بوادر شقاق تنفذ منها روسيا كحجة للتدخل، كما حدث في شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وبالتالي فإن أي تدخل عسكري ربما يؤدي لنتائج عكسية.

"لا توجد وسيلة لروسيا كي تؤثر في الجبهة الداخلية الموحدة في روسيا البيضاء بطريقة فعالة وبالتالي فالأمر متروك للوكاشينكو نفسه كي يحتوي الموقف بطريقة سلمية"، بحسب سوسلوف.

وقد تطور الموقف بسرعة بسبب تعذيب المعتقلين من المحتجين الذين خرجوا تنديداً بما قالوا إنه تزييف شهدته الانتخابات الرئاسية التي أجريت الأسبوع الماضي، وهو ما زاد من الغضب الشعبي بصورة لافتة وانتشرت الاحتجاجات في أنحاء البلاد انتشار النار في الهشيم.

الرئيسَ الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش
قوات عسكرية في شرق أوكرانيا – AFP

وهناك عنصر آخر حاسم في تردد موسكو في التورط عسكرياً وهو أن الاحتجاجات ليست موجهة ضد روسيا أو لصالح الانضمام للاتحاد الأوروبي وهذه مسألة حاسمة، وهذا ما عبر عنه فاديم مايكو الباحث في معهد روسيا البيضاء للدراسات الاستراتيجية، لافتاً إلى أن مرشحي المعارضة في الانتخابات الرئاسية تجنبوا الخوض في قضية الانضمام للاتحاد الأوروبي، قائلاً: "هذه الاحتجاجات ضد لوكاشينكو وليست لصالح روسيا أو الاتحاد الأوروبي".

وأضاف مايكو أن الرأي العام في بلاده يشك في أن بوتين، الذي يفضل الجانب الفائز دائماً، سوف يتدخل لصالح ديكتاتور على وشك السقوط كلوكاشينكو؛ "الأرجح أن كلام لوكاشينكو عن اتصالاته ببوتين مجرد مناورة كاذبة ولا أحد يصدقه".

تحميل المزيد