يبدو أن الجائحة لها بعض الفوائد إذ أصبحت شركات التكنولوجيا المصرية تزدهر بفضل كورونا.
تقول رائدة الأعمال المصرية دعاء عارف، إنه حين شُخصت حالتها بسرطان الغدة الدرقية قبل ثلاث سنوات، كان استئصال الغدة الدرقية الجزء السهل. فلم تكن تواجه مشكلة في العثور على الأدوية التي تحتاجها فحسب، بل كانت تصل إليها الأدوية الخاطئة في كثير من الأحيان، عند طلبها من الصيدليات المحلية عبر الهاتف.
واكتشفت دعاء لاحقاً بعد تعافيها، أنها لم تكن المريضةَ الوحيدة التي واجهت هذه المشكلة. وهكذا جاءت مديرة التسويق الرقمي السابقة وشريكتها الدكتورة رشا راضي بفكرة "شفاء"، منصة توصيل الأدوية التي أُطلقت في القاهرة عام 2017، حسبما ورد في تقرير لموقع Al Monitor الأمريكي.
وتتيح هذه المنصة الإلكترونية، التي تؤدي وظيفة السوق للعملاء المصريين، لمن يعانون من أمراض مزمنة، خدمة طلب الأدوية عبر الإنترنت وتوصيلها بالصيدليات التي يمكنها توصيلها.
شركات التكنولوجيا المصرية تزدهر بفضل كورونا
وبينما يواجه الاقتصاد المصري في الوقت الحالي ضغوطاً تسببها عدة عوامل، مثل الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا، والتوقف المفاجئ في السياحة ومستويات الديون القياسية، يعد ازدهار المنصات الإلكترونية من بوادر الأمل في الاقتصاد، حيث استمرت في العمل حتى أثناء الجائحة العالمية. و"شفاء" هي إحدى شركات التكنولوجيا العديدة المستفيدة من هذا النمو.
تقول رشا راضي، إحدى مؤسسي شركة شفاء، لموقع The Monitor: "نعتقد أن تحقيق الأرباح وسط أزمة كوفيد -19 العالمية إنجاز يحمّلنا مسؤولية العمل وإنجاز المزيد".
لم يمر صعود منصات التجارة الإلكترونية في مصر مرور الكرام على الشركات والمستثمرين ورواد الأعمال، لا سيما أثناء الجائحة، حيث شهدت بعض الشركات زيادة في مبيعاتها عبر الإنترنت من الأزياء والأغذية ومنتجات النظافة والهدايا وغيرها من المنتجات الاستهلاكية، من ثلاثة إلى خمسة أضعاف.
ويُشار إلى أن أكثر من نصف سكان مصر، البالغ عددهم 98 مليون نسمة، دون سن الثلاثين ولديهم خبرة عالية في التكنولوجيا.
سوق قابل للنمو
وتُعتبر مصر الدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان أيضاً، واحدةً من أسرع مراكز الأعمال التجارية نمواً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والمغرب. ولهذا السبب يحرص كل من المستثمرين ورواد الأعمال على الاستثمار في الشركات الناشئة والشركات التقنية بمصر، حيث يتطلع السوق إلى حلول في مجالات التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية والتكنولوجيا الصحية.
يقول أحمد الألفي، رئيس مجلس إدارة "سواري فينتشرز"، وهي شركة دولية لرأس المال المُخاطِر تتركز استثماراتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "الإقبال كبير جداً من المستثمرين، حيث يتنافس عدد كبير منهم على الصفقات المربحة داخل السوق أكثر من أي وقت مضى".
وشارك الألفي أيضاً في تأسيس شركة فلات 6 لابز، وهي شركة تدريب وإرشاد للشركات الناشئة أُطلقت لأول مرة في مصر عام 2011. وهو أيضاً مؤسس شركة The GrEEK Campus أو الحرم اليوناني، وهو مجمع للتكنولوجيا والابتكار في وسط القاهرة يوفر مساحات عمل للشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا والإعلام متعددة الجنسيات.
المديرون المخضرمون يتركون وظائفهم
ويقول الألفي إنه يلاحظ الآن أن كثيراً من العاملين والمديرين المخضرمين في مصر يتركون وظائفهم؛ للانضمام إلى شركات جديدة أو لتأسيس شركاتهم الخاصة.
وتكلفة التسجيل وتأسيس شركة في القاهرة التي تبلغ نحو 1500 دولار، أمر مشجع لرواد الأعمال الشباب، خاصةً أولئك الذين يتطلعون إلى إطلاق منصات تجارة إلكترونية جديدة وفريدة من نوعها.
ورامي خورشيد، الشريك المؤسس لمنصة العقارات الإلكترونية "ساكنين"، هو أحد رواد الأعمال الشباب الذين عرفوا أنهم وصلوا إلى نهاية مرحلة التعلم في وظائفهم بالشركة. أطلق خورشيد وشريكه حسين الخشن "ساكنين"، العام الماضي، لتنظيم تجربة العقارات في مصر. إذ تهدف المنصة إلى مساعدة أصحاب العقارات والراغبين في بيعها على التواصل مباشرة عبر الإنترنت مع المشترين المحتملين.
وبحسب خورشيد، يعاني قطاع العقارات من مشكلة "تشوش المعلومات العامة" وانعدام الشفافية المالية.
وتعد شركة Y Combinator من أبرز وأوائل شركات التمويل الناشئة. إذ استثمرت في 18 شركة تقدَّر قيمتها الآن بأكثر من مليار دولار. ومنذ عام 2005، استثمرت في أكثر من 2000 شركة، منها شركات Dropbox وReddit وAirbnb. وشاركت "ساكنين" مؤخراً في برنامج الدعم الذي قدمته شركة Y Combinator، ونجحت في جمع 150 ألف دولار في يونيو/حزيران.
كيف سيكون حال التجارة الإلكترونية في مرحلة ما بعد الجائحة؟
بلغ معدل انتشار الإنترنت في مصر 54% عام 2020، وينمو بسرعة. وبلغت أعداد الهواتف المحمولة بالبلاد نحو 92 مليوناً في الوقت الحالي.
ورغم أن سوق التجارة الإلكترونية في مصر سريع النمو، فلم يصل بعد إلى إمكاناته الكاملة. ومع زيادة مستخدمي الهواتف المحمولة يوماً بعد يوم، قررت الحكومة المصرية عام 2017 الدخول في شراكة مع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية؛ لزيادة مساهمة التجارة الإلكترونية في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 2.32%، ومضاعفة عدد المتاجر الإلكترونية (يبلغ عددها حالياً نحو 14.725) بنهاية هذا العام.
وفي حين أن شركات التكنولوجيا مثل "شفاء" و"ساكنين"، شهادة على الإقبال المتزايد على حلول التجارة الإلكترونية المبتكرة بمصر، فإنها ما تزال تواجه صعوبة في التوازن فيما يخص زيادة النمو، وسط حالة الضبابية التي تسببها الجائحة العالمية.
وقال خورشيد: "أعتقد أن ساكنين إلى جانب عدد من شركات البرمجيات الأخرى في وضع جيد لمواجهة اقتصاد ما بعد كوفيد".
وأضاف: "الفكرة هي تحقيق الربحية والعائدات والتكاليف المباشرة في وقت مبكر، حيث من المرجح أن يتغير إقبال المستثمرين على المخاطرة، مع ظهور تفضيل للربحية على تضخيم النمو بأي ثمن. ويحدث ذلك بشكل دوري ونتيجة للفترة التي نعيشها، مثل أشياء كثيرة".