يواجه لبنان أزمة خطيرة جراء تشرد نحو 300 ألف مواطن بسبب انفجار بيروت، ويفاقم معاناتهم نقص مادتي الزجاج والألومنيوم جراء تحطم نسبة كبيرة من نوافذ منازل العاصمة، في وقت تعاني فيه البلاد أزمة في الدولار تعرقل الاستيراد، مما يهدد بأن يواجه لبنان أزمة زجاج حادة.
وأدى الانفجار إلى أربعة مستويات، التدمير الأكثر فتكاً حدث في ميناء بيروت ضمن قطر 1 كيلومتر، والمستوى الثاني، وكان ضمن قطر 3.2 كيلومتر ويعيش بها قرابة 750 ألف إنسان وأدى إلى تدمير واجهات أو سقوط شرفات بعض المباني، ولكن التدمير الأكثر انتشاراً في هذا القطر كان تحطم النوافذ.
في القطر الثالث البالغ خمسة كيلومترات، أحس الجميع بالانفجار والارتجاج الناتج عنه، وفي الرابع، وصل الصوت والإحساس بالهزة الأرضية إلى أكثر من مليوني إنسان.
ولا تزال العاصمة اللبنانية بيروت تتشح بالسواد حزناً على قتلاها الذين سقطوا بانفجار مرفأ المدينة، الثلاثاء الماضي، إضافة إلى الخسائر المادية التي قدرت بين 10 إلى 15 مليار دولار، بحسب تصريحات رسمية.
وخلّف انفجار مرفأ بيروت ما لا يقل عن 137 قتيلاً ونحو 5 آلاف جريح وعشرات المفقودين تحت الأنقاض، وفق أرقام رسمية غير نهائية.
إلا أن أكثر الخاسرين جراء هذا الانفجار كان أهالي المدينة الذين فقدوا أحباءهم وأولادهم ومنازلهم وأعمالهم، وتحديداً في منطقة الجميزة القريبة من موقع الانفجار.
لبنان يواجه أزمة زجاج وألمونيوم
بينما يُلملم المتضررون أرزاقهم عن الأرض ويحاولون بالقليل المتوفر ترميم منازلهم قبل أن يغدرهم فصل الشتاء، بدأت الشكاوى ترتفع تجاه استغلال بعض التجار وجع المواطنين لرفع أسعار الزجاج والألمنيوم. صدى هذه الصرخة وصل أمس إلى وزير الصناعة اللبناني عماد حب الله الذي بعث برسالة إلى المدير العام للاقتصاد محمد أبوحيدر يطلب فيها تأمين هاتين المادتين، ودعوة المعنيين للبَت بقضايا الأسعار.
ومن المتوقع أن يعقد الإثنين المقبل اجتماع في وزارة الاقتصاد يحضره الصناعيون والتجار المختصون بهاتين المادتين للبَت في قضية الأسعار، وسبل المحافظة على ما كانت عليه في السابق.
وفي السياق، قال حب الله لصحيفة "الجمهورية" اللبنانية: تلقيتُ شكاوى عن أنّ أسعار الزجاج والألمنيوم بدأت ترتفع، لذا طالبت بعقد هذا الاجتماع الذي سيجمع تجاراً ومصنعي الزجاج والألومنيوم من أجل ضبط الأسعار في السوق وتأمين احتياجات البلد منها، بعدما زاد الطلب عليها نتيجة الانفجار الذي حصل.
وعمّا إذا كان هناك توجّه للطلب من البنك المركزي فتح اعتمادات لشراء مواد أولية لتصنيع الزجاج والألمنيوم وفق السعر الرسمي، قال: سنقوم بكل ما يلزم لتأمين هاتين المادتين بأسعار مقبولة، كما سنقوم بكل ما يجب فعله لتحقيق هذه الغاية.
الزجاج المتوافر غير كافٍ
يمثل تحطم النوافذ التدمير الأوسع نطاقاً الذي خلفه الانفجار، إذا وصلت الموجة الضاغطة إلى أحياء بعيدة عن الميناء ولم تشاهد الانفجار.
ومازال كثير من اللبنانيين يبيتون في بيوتهم بلا نوافذ أو اضطروا إلى الانتقال إلى الجبل في منازلهم الصيفية أو عند أقاربهم أو في فنادق.
مع استيعاب الفاجعة ولملمة الأضرار بدأت مرحلة التصليح والترميم، والزجاج المتناثر في كل شوارع بيروت لا بد من استبداله بألواح خشبية أو زجاجية أخرى، فهل في السوق المحلي ما يكفي لتلبية الطلب؟
يؤكد صاحب أحد مصانع الزجاج مازن ريشاني أنّ المخزون المتوفر اليوم لا يكفي حاجة السوق، لأنّ الضرر كبير جداً، لكنه أشار إلى أنه بعد الكارثة التي حَلّت ببيروت تَحرّك التجار والصناعيون وأعدوا طلبيات لاستيراد الزجاج أو المواد الأولية الأساسية التي نحتاجها لصناعة الزجاج، ومن المتوقع أن تصل البضاعة خلال 3 أسابيع. وأكد أنه لن يكون هناك انقطاع للزجاج في السوق، إذ يمكن تلبية حاجة السوق بالمتوفّر حالياً، وريثما ينتهي اللبنانيون من تنظيف منازلهم وتقدير الخسائر وتحديد حاجتهم تكون المواد الأولية قد وصلت من الخارج وجرى تصنيعها وتركيبها.
وقال: لا يمكن إحصاء حاجة السوق اليوم بالأمتار، إنما على سبيل المثال نعمل اليوم على تغيير واجهات 16 برجاً في الأشرفية وحدها، حيث الأضرار جسيمة إذ هناك ما لا يقل عن 50% من واجهات هذه الأبراج مكسورة بالكامل وبعضها الآخر متضرر. ولفت إلى أنّ نوع الزجاج المستعمل في هذه الأبراج لا يمكن تخزينه لفترة طويلة، لأنه مقيّد بفترة صلاحية معينة، لذا يتم استيراده حسب الطلب.
الزجاج سيباع بالدولار أم الليرة
أما عن الأسعار، فيقول ريشاني: طلبنا من التجار الذين نتعامل معهم في الخارج منذ زمن أن يراعونا بالأسعار، لذا وتحسّساً مع اللبنانيين في ظل هذه الأوضاع الصعبة، قرروا حسم أرباحهم والاكتفاء بالتسعير وفق سعر الكلفة. ومن جانبنا أيضاً نحاول التسعير وفق سعر الكلفة، فطلبنا من زبائننا أن يدفعوا كلفة المستوردات بالدولار، أما كلفة التصنيع واليد العاملة والضريبة على القيمة المضافة فستُسعَّر بالليرة اللبنانية.
قال ريشاني إنّ مطلبنا الوحيد تجاه هذه الأزمة السماح لنا بفتح اعتمادات في المصارف اللبنانية لشراء المواد الأولية للزجاج وفق السعر الرسمي، فبهذه الحالة تخفّض الكلفة على المواطن اللبناني ويدفع ثمن التصليحات بالكامل بالليرة اللبنانية، وبهذه الحالة تستعمل أموال المودعين العالقة في المصارف اللبنانية من أجل دفع تكاليف إصلاح منازلهم.
ورداً على سؤال، أكد ريشاني أنه من الصعب جداً تقدير كلفة الخسائر، خصوصاً أنه إلى جانب الزجاج هناك خسائر في بنيان المباني، لكنّ الأكيد أنّ الأضرار تفوق الخيال.
آلاف الشقق تحتاج الألمنيوم
من جهة أخرى، يقول مدير عام معمل للألمنيوم كمال يمين لـ"الجمهورية" إنه لا يزال من الصعب تحديد حاجة السوق من الألمنيوم نتيجة الانفجار الذي حصل، ونحن في انتظار البيانات الرسمية حول تقدير حجم الأضرار لنبني على أساسها حاجة السوق اللبناني منه في أعمال التصليحات، لكن الأكيد أنّ هناك آلاف الشقق التي تحتاج إلى الألمنيوم والزجاج والفرش والأدوات المنزلية.
وأكد يمين أنّ الصناعة اللبنانية قادرة على تلبية حاجة السوق، لكننا نحتاج إلى استيراد مواد أولية ضرورية للتصنيع. وفي السياق طالب يمين المصرف المركزي بتوسيع مجالات فتح الاعتمادات وفق السعر الرسمي لتطاول المواد الأولية لتصنيع الألمنيوم، لافتاً إلى أنه سيلتقي للغاية وزير الصناعة عماد حب الله يوم الإثنين المقبل.
واعتبر يمين أنّ الخطوة الأساسية اليوم تتركّز حول تمكين المواطنين من ترميم منازلهم، وتوفير ما يحتاجونه من زجاج وألمنيوم وأخشاب للأبواب والنوافذ قبل بدء فصل الشتاء، مقدّراً أن تحتاج عملية الإصلاحات هذه أكثر من شهرين على أقل تقدير (موسم الأمطار في لبنان يبدأ بشكل بسيط في شهر سبتمبر/أيلول أي بعد شهر).
وقال هناك مواطنون يعملون اليوم على تنظيف منازلهم من الردم والزجاج المكسّر واستبدال الأبواب المخلعة والتوريق، على أن تأتي مرحلة الألمنيوم لاحقاً، ونحن خلال هذه الفترة نكون قد تسلمنا المواد الأولية وقمنا بتصنيعها وتوفيرها للبنانيين. كما طمأن بأنّ المواد الأولية المتوفرة حالياً في المصنع تُجهّز اعتباراً من الإثنين لتلبية حاجة السوق لمدة تتراوح ما بين الشهر والشهرين.